«أكتوبر 73».. تاريخ له فى قلب كل مصرى مكان خاص لمن عاصروا هذه الحرب وذاقوا طعم النصر بعد الهزيمة. فالبعض يعتبره نصرا شخصيا له وليس نصرًا فريدًا فى تاريخ مصر الحديث فقط، فحرب أكتوبر هى التى هبت على أبناء هذا الوطن نسمة الكرامة لترفع رؤوسهم عالية حتى إن من كان له شهيد أو مفقود كان قلبه يتمزق بين لوعة الفراق وفرحة الانتصار.. هذا الجيل الذى تغنى بكلمات الأبنودى «قالوا الحياة حلوة قلنا الشرف أحلى» وقاموا بمظاهرات تدعو للحرب والثأر من الأعداء واسترداد الأرض والكبرياء الوطنى مهما كان الثمن غاليًا بينما هناك أجيال أخرى ظلوا يسمعون عن هذا التاريخ فرسموا له صورة قلوبهم رسخت مبادئ الانتماء بداخلهم...
إلا أن الصورة مع مرور الوقت بدت باهتة.. غير واضحة الملامح.. ورغم أنهم لايزالون فخورين بهذا النصر.. ولازالوا يحتفظون بالصورة داخل قلوبهم رغم بهتانها.. إلا أن مرارة الواقع طغت على حلاوة نصر قديم مر عليه أربعون عامًا خالية من أى نوع من النصر أو حتى صعود سلم التطور والنهضة حتى جاءت ثورة 25 يناير ليُبعث شعب استسلم للركود، ولأول مرة نرى الدبابات أمام أعيننا فى الشوارع.. ثم عاد مرة أخرى يوم 30 يونيو ليثبت أن الجيش حامى هذا الشعب وسنده.. يقف خلف إرادة شعبه وينفذها دون تراجع أو تخاذل.. ومع اقتراب ذكرى مرور 04 عاما على نصر أكتوبر يحق لنا أن نتأمل قليلاً معنى قيمة هذا النصر بين جيلين يفصل بينهما عشرات السنوات.
∎ نصر حياتى
محمد مبروك 76 عامًا مستشار قانونى يقول: نصر «أكتوبر» هو نصر حياتى.... حياتنا جميعًا.. جاءت حرب «73» لترمم صدعا فى كرامتنا وكبريائنا.. داوت جروحا غائرة فى قلب كل مصرى.. فبعد هزيمة «67» كل شىء فينا انهزم.. لكننا لم نستسلم، ورغم الألم لم نفقد إيماننا بجيشنا.. كل بيت كان به أم شهيد أو مفقود، كل البيوت كانت حزينة.. لكن كنا مؤمنين بأن الظلام آخره نهار والفجر آتٍ لا محالة.. وقفنا خلف جيشنا كل واحد واستطاعته.. فهناك أصدقاء لى وأصغر منى فى هذا الوقت تركوا كل شىء وتطوعوا فى الجيش.. شاركوا فى حرب الاستنزاف.. أذكر عريسا فى شهر عسله ترك زوجته ووُلد ابنه وهو فى الجيش متطوعًا.. وسماه «جمال».. كانت ثقتنا فى هذا الرجل لا حدود لها.. وكأننا نعرفه عن قرب.. أخ وأب وصديق كل بيت فى مصر صابر يعيش على الأمل.. أن يأخذ الثأر.... ظلت البيوت لا يدخلها الفرح حتى حدث النصر فى عهد السادات.. نصر جعلنا أحياء من جديد.... بعد أن كنا أشخاصا فارغين من الداخل.. بعد 6 أكتوبر عاد القلب ليدق.. وعادت الفرحة فى منازل المصريين حتى البيوت التى لم يعد فيها الغائب... نصر جعل كل مصرى يرفع رأسه.. خاصة عندما يسافر لأى بلد.. نحن أبطال الحرب.. نحن أصحاب النصر الوحيد على الإسرائيليين القتلة.. نحن المصريين.
لكن مقتل السادات قطع المشوار الذى كنا نتمنى أن يكمله وجاءت 30 عامًا من اللاشىء.. لم نحقق فيها أى شىء حتى أننا لم نحاول أن نحقق شيئًا فيها.. وأتحدث عن شىء كبير.. حلم من أحلام «ناصر» أو حتى استكمال طريق العدالة الاجتماعية.. حدث «وقف حال» أحلام كثيرة تم إجهاضها وأحلام تم وأدها حتى أن مركز مصر المعنوى بدأ يتراجع حتى أننا كنا نشعر أن هذا مقصود!!
وأصبح نصر أكتوبر هو النسمة الوحيدة التى تذكرنا بكل شىء جميل أحسسنا به فى الماضى.. تعلمنا من هذا النصر أن الصبر واجد وأن الثقة فى جيشنا فريضة.. وأننا حقًا شعب إن أردنا تحقيق المستحيل سنفعل مهما كانت إمكانياتنا وقدرتنا وعددنا.. لذا حتى فى العامين الماضيين كنت دائمًا أقول «الشمس بكرة تطلع» وقد حدث.. وأثبت الجيش المصرى مرة أخرى أنه خلف شعبه وأنه لن يترك مجالا لمؤامرات أو مخططات خارجية أو داخلية لتمس هذا الشعب أو هذه الأرض.. وأخرج الإخوان بمؤامراتهم خارج حكم مصر وأعلم أنه سيظل واقفًا وراء هذا الشعب إلى أن نعبر مرة أخرى ونسلم بلدنا أفضل لأجيال قادمة تُكمل المشوار.
∎ عودة الروح
أميرة على قنديل 36 سنة - مهندسة معمارية تقول: عندما كنت فى التاسعة من عمرى أذكر جيدًا أننى كنت فخورة جدًا بأننى مصرية خاصة أننى كنت خارج مصر وكان من أهم ما أفخر به هو نصر «أكتوبر 73».
وظلت مشاعر الفخر معى إلى أن جئت لمصر وكنت قد أنهيت الثانوية العامة وفى طريقى لبدء مرحلة جديدة من حياتى وهى الجامعة.. دخلت هذه المرحلة وأنا أحمل الكثير من الأحلام التى لا تقتصر فقط على حياتى بل كانت كبيرة تحمل معها حبا كبيرا لهذا البلد.. أخذت أفكر كيف أفيده وأساهم فى تطوره.. كبرت وبدأت الأحلام فى التضاؤل.. إلى أن أصبحت قزما صغيرا يكاد لا يرى النور خلف أسوار التخلف والجهل يوما بعد يوما. حتى أحسست أنا شخصيًا بالضآلة.. ووجدت نفسى كلما جاء يوم «6 أكتوبر» أُصاب باكتئاب شديد!! أسأل نفسى.. هل هذا هو النصر الوحيد الذى سأحتفل به حتى أموت؟! لن يرى أولادى فرحة نكون نحن سببًا فيها.. لن أستطيع أن أروى لهم حكايات عن بطولات رأيتها بعينى كما كانت أمى تروى لى عن مظاهراتهم بالزى العسكرى لمنع «ناصر» من التنحى.. وعن تطوعهم فى الهلال الأحمر وقت حروب الاستنزاف.. وعن «خالى» الذى فُقد فى الحرب والذى أصر أن يشترك فى الحرب رغم أن قدمه مكسورة ولم يظهر أنه يتألم فقط ليشارك فى شرف الثأر لوطنه!! أحسست أن هذا الوطن قد أفرغ كل ما لديه من طاقات وأبطال وحتى أنى أحسست أن وسط زخم الحياة ولقمة العيش.. نسينا نحن كشعب حب هذا الوطن.. كرهنا ولاءنا لوطن لا يعطى شيئًا اللهم إلا ألم الحاجة وكسرة النفس.
لكن فى 25 يناير قامت الثورة.. وقلب الناس الذين اعتقدت وكدت أصل لليقين أنه مات إكلينيكيا.. قلبوا الحياة رأسًا على عقب.
صرخوا فهزوا عرشا امتدت جذوره خلال ثلاثين عامًا.. أطاحوا بظلم استكبر واستهان بهم حتى نسوا أنهم بشر.. تناسوا حقوقهم واتكأوا على الصبر لكن فى لحظة كسروا كل القيود وعادوا للحياة.. وبعد كل هذا جاء من يسرق أحلامنا.. وكان الجيش متمثلاً فى المجلس العسكرى بقيادة «المشير طنطاوى» من كان يمسك بزمام الأمور وأساء الحكم.. واهتزت ثقتنا بجيشنا وحدثت الفجوة وانتهز الفرصة الطامعون فى حكم مصر لتنفيذ مخططاتهم ومخططات أسيادهم بالخارج وأدخلوا مصطلح «يسقط حكم العسكر».. وكسروا فرحتنا بوجود الدبابات فى شوارعنا.. وبعد أن كنا نلتقط بجانبها الصور افتخارًا وسعادةً أصبحنا حتى نتجنب الحديث عن الجيش وحتى الشباب الذى أنهى الثانوية العامة لم يعد حلما من أحلامه - كما سبق - الكليات الحربية.
وأحسسنا أن الصفقة التى عقدها الجيش مع الإخوان قتلت كل أمل جديد قد يولد بنجاح طريق هذه الثورة.. وبدأ مخطط التفريق بيننا كشعب يُنفذ بدقة خاصة عندما تملك منا الحكم الدينى.
لكن عظمة هذا الشعب ليس لها حدود.. ليقوم مرة أخرى وهذه المرة وهو يضع كامل ثقته بالجيش.. وعادت روح 73. ووقف الجيش وراء الملايين ممن نزلوا مطالبين بإنهاء الدولة الدينية فى مصر.. متمسكين ببعضهم البعض، رافضين التفرقة والتقسيم.. يوم 30/6/2013 وهذه المرة الدبابات كانت مصدر سعادة لكل مصرى حتى أننا تلقائيًا نرفع يدينا بعلامة النصر بمجرد عبورنا من أمامهم.. أحسسنا أنه أصبح لنا ظهر.. وأننا قوة لا يستهان بها.. سواء شعبا أو جيشا.. نصر جديد يذكرنا ب73 ويحيى عظمته فى قلوبنا.. ويزيد حبنا واحترامنا لجيش مصر العظيم.