رحم الله أحمد زكى.. لا خلاف على أن أحمد زكى عبقرى فى التشخيص ولا ينافسه أحد فى هذه المنطقة وأذكر أنه عندما قدم فيلمى «ناصر 65» و«السادات»- مع ملاحظة أن كل شخصية لها مواصفات وتركيبة تختلف عن الأخرى- كان الكثيرون يقولون له ألم تشتاق لأحمد زكى «الممثل» فكان رده سأقدم الضربة الجوية لقائدها حسنى مبارك وسأكتفى بتجسيد شخصيات عامة. لاحظ حضرتك أن أحمد زكى عندما بدأ تنفيذ أفلام «ناصر65» و«السادات» و«حليم» كان شبع تمثيل وقدم أدواراً لا تنسى وما بين فيلميه «ناصر» و«السادات» خمس سنوات قدم خلالها 7 أفلام متنوعة. مع الوضع فى الاعتبار أن فيلم «حليم» كانت له ظروف خاصة وإذا كان القدر منحه الصحة والعمر فالمؤكد أنه كان سيقدم أفلاماً تضيف لرصيده ويكفى أنه توفى بلا ثروة لكنه ترك أفلاماً متنوعة ذات قيمة لجمهوره.. طبعا هاتقولى ما علاقة فنانبقامة وأهمية أحمد زكى بنجمى الكوميديا محمد سعد وفيلمه «تتح» وأحمد مكى وفيلمه «سمير أبوالنيل»؟. - أحمد زكى بموهبته وطغيانه الفنى على الشاشة لم يقل لمن نصحوه أنا أفضل من يجسد شخصيات عامة وسأظل أجسدها رغم أنف المعارضين، أما محمد سعد فقال للذين يطالبونه بالكف عن تجسيد شخصية اللمبى: «مادمت على قيد الحياة لن أترك «الكاركترات» لأن لو الفيلم فشل أنا اللى هاحاسب على المشاريب ويقصد أنه الوحيد الذى سيتحمل نتيجة فشل أى من أفلامه، ويدلل على أن فيلمه الذى ادعى البعض أنه فشل «تك تك بوم» حقق 41 مليون جنيه، والمؤكد أن محمد سعد يعلم أن الإيرادات عمرها ما كانت مقياساً جيداً للمستوى الفنى للأعمال والدليل أن أفلامه التى حققت الملايين بداية من «اللمبى» إلى «تتح» لن تعيش فى ذاكرة الجمهور ولا يستطيع سينمائى اعتبار فيلم «اللمبى» وتوابعه رصيداً محترماً لنجم بموهبة محمد سعد وهذا يدفعنا للمقارنة بين محمد سعد وأحمد حلمى لأن الاثنين بدأ المشوار مع نجومية شباك التذاكر فى توقيت واحد، بل جمعهما فيلم واحد سويا وهو «55 إسعاف» لينطلق كل منهما بعده لعالم «نجوم الملايين» وبنظرة سريعة لأفلام أحمد حلمى سنجد اختياراته متنوعة لدرجة تجعلك لا تعرف ماذا سيقدم لك فى فيلمه الجديد، لكن المؤكد أنه يفاجئك بأدوار لا تنساها وكل شخصية يقدمها لها سماتها المُتفردة لتجد نفسك فى النهاية أمام ممثل ذكى حريص على ترك رصيد محترم لا ينسى لدى الجمهور، وفى ذات الوقت أفلامه تحقق أعلى الإيرادات.. هذه المعادلة الصعبة لا يستطيع محمد سعد تحقيقها رغم رهان الكثيرين على موهبته التمثيلية.
ما سبق قفز لذهنى بعد مشاهدتى لفيلمى «تتح» لمحمد سعد و«سمير أبوالنيل» لأحمد مكى.
∎حكاية «تتح»
- الإحساس بالملل شعور يسيطر عليك منذ المشاهد الأولى للفيلم لأنك تجد نفسك متورطا فى مشاهدة ''اللمبى'' للمرة السابعة تقريبا، ذلك الكاركتر الذى لا يمل محمد سعد من تكراره ومحاولته ابتكار المزيد من الأشياء التى تزيد نسبة القبح فى شكل الشخصية الخارجى والداخلى، ولا أعتقد أن المتفرج فى حاجة لمشاهدة شخصيات مُقززة على الشاشة وإذا كان الجمهور يدخل أى فيلم جديد له لعله يجد محمد سعد الممثل الذى تخلص من كاركتر «اللمبى» بأشكاله المتعددة، فالمؤكد أنه سيصاب بخيبة أمل لأن محمد سعد مُصر أن يخذل جمهوره بتقديم فاصل محترم من العبط لشخصية «المعتوة». وما يثير الدهشة أن محمد سعد لا يكف عن التصريح بأنه سيظل يقدم ذلك الكاركتر مادام «حيا».
محمد سعد أو «تتح» المفروض أنه بائع جرائد فاشل فى مهنته مظهره الخارجى يؤكد أنك أمام شخصية تجمع بين الغباء والهطل دعمها سعد بطريقة مشيه المُنفرة والبصق أثناء الحديث وخروج لسانه. ولا أدرى كيف غاب عن مؤلفى الفيلم سامح سر الختم ومحمد النبوى أنشخصا بهذه المواصفات من الصعب أن يفهم مشكلة جاره فكرى الطباخ سامى مغاورى أثناء التقائهما بالسجن بالصدفة والمصيبة أن يختاره ''الطباخ'' لمساعدته فى استعادة أمواله وأوراقه التى تقدر ب 7 ملايين جنيه ليكون نصيب تتح 2 مليون جنيه، بالطبع قصة تتح مع هذا الطباخ وتفاصيلها التى ترتبط بالفتاة التى يأتمنها على سره «دوللى شاهين» وأقاربها الأشرار لا يستطيع أحد تصديقها ومع ذلك لا تندهش عندما لا تجد منطقية فى كثير من أحداث الفيلم ولا تتوقف أمام غياب الحبكة الدرامية للفيلم لأنك أولا وأخيرا أمام فيلم يصر بطله رغم موهبته على تقديم توليفة مُحددة يعتبرها هى تميمة الحظ مع جمهوره ، بداية من شخصية بلهاء تعتمد على تعبيرات حركية منفرة سواء بالوجه أو الجسد، بخلاف مخارج الألفاظ وطريقة الكلام، ومروراً بمنتج يتفق مع فكر محمد سعد أما المخرج فهذا آخر شىء يفكر فيه بطل الفيلم لأن فى النهاية رأى سعد سيعلو على رأى المخرج، والدليل أن فيلم «تتح» عندما تضعه بجوار الأفلام التى أخرجها سامح عبدالعزيز ستجده هو الأضعف.
هل نستطيع القول إن محمد سعد تناول الثورة فى فيلمه كما ادعى وهل نستطيع أن تحدد اذا ماكان محمد سعد مع أو ضد الثورة من خلال فيلمه الجديد؟.
- أولا لا يعنينا إذا كان سعد مع الثورة أو ضدها فهو حر فى آرائه وفقا لقناعاته، لكن قذف مفردات لها علاقة بالثورة فى مشاهد متفرقة من الفيلم لا يعنى إطلاقا أنه تناول الثورة فى فيلمه وهو فى ذات الوقت حريص على مسك العصا من المنتصف، ففى الفيلم المفروض أننا نرى فى مشهد واحد حواراً بين ''تتح'' وبين أستاذ الجامعة فى قاعة المحاضرات وفى هذا المشهد يقول للأستاذ الجامعى ''الناس يهمها السولار والبنزين والعيش والدائرى'' وفى نهاية الحوار الأستاذ يقول له ''نتقابل فى التحرير فيرد عليه سعد أو تتح ''فى جحيم الله'' يعنىفى النهاية هو لعب فى المنطقة الرمادية وتستطيع أيضا تبرير ذلك بأن الإيفيه حكم المهم نزغزغ الجمهور، لكن هل هذه هى الكوميديا التى ادعى منتج الفيلم أن الجمهور ينتظرها؟.
نأتى لأبطال الفيلم هل أضاف الفيلم لدوللى شاهين بالطبع هى استفادت من جماهيرية محمد سعد عن كيفية العودة والإطار الذى تواجدت به بالفيلم. أما سامى مغاورى فهو ممثل مُحترف لا يعنيه سوى دوره بغض النظر عن مستوى الفيلم. نأتى لمروى وبوسى كات فهما عناصران أساسيان ضمن التوليفة الملاكى لعائلة السبكى لا غنى عنهما ولا يفرق معهما مستوى الفيلم أصلا. أما عمر مصطفى متولى الذى لعب دور «هادى» ابن أخت «تتح» فهو أكثر ممثل استفاد من هذا الفيلم ولعب الدور الثانى أمام محمد سعد بمساحة جيدة وبأداء مقبول يتيح له فرصاً متنوعة فهو موهوب بالوراثة رحم الله والده.
- بعد مشاهدتى للفيلم ظللت أتساءل لماذا يغامر نجم بحجم سمير غانم فى التواجد بهذا الفيلم فهو ليس بحاجة لذلك ليس لأنه ضيف شرف، بل لأن المشهد الذى ظهر به ضعيف للغاية.
وأخيرا: محمد سعد سيظل لا يسمع نصائح المُهتمين بموهبته ولا يرى أن أفلامه التى يجسد من خلالها ''اللمبى'' لن تنفعه بعد الثورة . لذلك سيظل يحاسب على المشاريب وحده إلى أن يجد نفسه أمام حائط سد.
∎أراجوزات مكى لن تنقذه
عندما فشل فيلم أحمد مكى «سيما على بابا» فشلا زريعا توقعت أنه سيعيد حساباته ليستعيد تألقه فى فيلمه الجديد «سمير أبو النيل» مع السيناريست الموهوب أيمن بهجت قمر والمخرج عمرو عرفة والإنتاج لمحمد السبكى - مع ملاحظة أن عائلة السبكى هى الوحيدة التى لم تتوقف عن الإنتاج منذ اندلاع الثورة فى الوقت الذى أغلق فيه كبار المنتجين شركاتهم، بينما تفرغ البعض منهم للسياسة مُتناسين أن شغلتهم هى الإنتاج السينمائى..
نأتى لشخصية «سمير أبو النيل» ولاحظ حضرتك إن اسم الفيلم يحمل اسم الشخصية التى يقدمها أحمد مكى فى فيلمه والمفروض أنه شخص بخيل لا مهنة له يعيش من عائد إيجار شقة والده المتوفى، جميع أقاربه وأصدقائه يتهربون منه لسماجته وفجأة يعرض عليه أحد أقاربه «حسين الإمام» إخفاء ثروته فى منزله بحجة أنه سيسافر للعلاج خارج مصر لأن حياته تتأرجح بين الحياة والموت ويطلب منه استثمار أمواله فى بعض المشاريع وهذه الحيلة الخايبة هى المبرر الذى صاغه مؤلف الفيلم لكى ينتقل سمير أبو النيل إلى عالم «بيزنس الفضائيات»، وهى القضية الرئيسية للفيلم ورغم المكاسب التى يحققها بطل الفيلم إلا أنه يعود إلى حياة الفقر بعد صحوة ضمير له تسببت فيها الصحفية «دينا الشربينى».
- بداية أحداث فيلم سمير أبو النيل ليست مبشرة على الإطلاق ولكى يدخل مخرج الفيلم إلى صلب الموضوع أخذ مساحة زمنية تقترب من منتصف الفيلم ولا أعتقد أن سمات شخصية سمير أبو النيل «البخل والسماجة» تحتاج لكل هذه المساحة من الشريط السينمائى.
- عندما تشاهد الجزء الثانى الذى يصبح فيه سمير أبو النيل مذيعا فى القناة التى يمتلكها واسمها «صبحة» حرص مؤلف الفيلم على إظهار حال الإعلاميين وسلبياتهم والمدارس الإعلامية الجديدة المتمثلة فى «توفيق عكاشة» فأنت مع أبو النيل تسمع نفس المفردات الخاصة «بعكاشة» وحده وأيضا طريقة أدائه، أيضا ألقى مؤلف الفيلم الضوء على التيارات الدينية التى تؤمن بشعار «الغاية تبرر الوسيلة»، ها هو علاء مرسى شقيق سمير ابوأالنيل نراه رجلا يكاد يستطيع تدبير قوت يومه برضا وزهد فى حياته، لكننا نكتشف مع نهاية الأحداث أنه كان فى انتظار الفرصة المناسبة ليصبح هو نجم القناة كداعية دينى ويتم تغيير اسم القناة من «صبحة» إلى «سبحة».. لاحظ أن صاحبه القناة نفسها «نيكول سابا» تسير وفقاً للتيار الحاكم فى عملها المهم ما ستجنيه من ورائه، وفى مقابل هذه الفئة يبرز المؤلف شخصية الصحفية دينا الشربينى التى تبحث عن الحقيقة رغم ما تتعرض له من مخاطر.
- بعض الآراء ترى أن تخلى أحمد مكى عن فريق العمل الذى حقق معه نجاحات سابقة وعلى رأسهم المخرج أحمد الجندى ودنيا سمير غانم هى السبب فى فشل فيلمه الجديد، لكننا نرى أن من حق كل ممثل العمل مع فريق عمل مختلف فى تجاربه الفنية لأن تنوع أسماء المخرجين سيفيد الممثل أكثر المهم أن يترك الممثل نفسه لمايسترو العمل وإلا فما فائدة العمل مع مخرجين لكل منهم السينما الخاصة به، لكننى للأسف لم أشاهد أحمد مكى يقدم أى جديد على مستوى الأداء ولم ألمح أى مشهد إبداعى للمخرج عمرو عرفة.
لا شك أن أيمن بهجت قمر حقق نجاحات فى مجال الكتابة للسينما وعندما كتب فيلمه سمير أبو النيل لم يكن فى ذهنه أن هذا الفيلم مكتوب خصيصا لأحمد مكى وربما بعد اتفاق منتج الفيلم محمد السبكى مع أحمد مكى على بطولة الفيلم تم إجراء تعديلات على حساب السيناريو الأصلى لإرضاء منتج الفيلم وبطله أحمد مكى، ومن أجل ذلك لم يجد المتفرج نفسه إلا أمام أحداث درامية ضعيفة ومواقف سخيفة، ونمطية مملة فى أداء بطل يرفض الخروج من قالب «الكاركترات».
وأخيرا قرأت تصريحاً لأحمد مكى يقول فيه «إذا سمعت كلام النقاد هأقعد فى بيتى».
أعتقد أن هذه المقولة هى بداية الانهيار لفنان تملكه الغرور ليكون هو صاحب قراره.