«أنا قلبى كان شخشيخة أصبح جَرس.. جلجلت به صحيوا الخدم والحرس.. أنا المهرج .. قمتو ليه خفتو ليه.. لا فْ إيدى سيف ولا تحت منى فرس.. عجبى»
هذه الرباعية استهل بها إحدى حلقات برنامجه «الليلة مع هانى» فى إشارة صريحة منه لضعف نظام يخشى من نقد لاذع وصريح حتى ولو كان هذا النقد مغلفا بسخرية واضحة، لأنه انعكاس لمعاناة وآلام مجتمع يتحايل على أحزانه بالسخرية منها فى مواجهة الفاسدين وتجار السياسة والدين..هانى رمزى صاحب اتجاه سياسى ساخر فى معظم أفلامه، أضحكنا على حالنا إلى درجة البكاء، ومثلما هو مؤمن بوطنه هو فنان مؤمن أيضا بقيمة الكوميديا ودورها فى رفع الحالة المعنوية لشعب كاد ان ينفجر من الإحباط وعلى يقين بأن أى نظام يخشى هذه الكوميديا هو نظام هش وضعيف،
كان من الصعب فى هذه الظروف أن يكون حوارنا معه فنيا بحتا، فتحدثنا عنالمشهد الحالى وكيف يرى أن حجة «الطرف الثالث» أصبحت موضة قديمة وأن الفاعل أصبح معروفا، وعن أزمة شيخ الأزهر، وبرؤيته ونظرته المتفائلة دائما، أشار إلى مفاتيح الخروج من الأزمة، وأن كلمة السر فى عظمة الشعب المصرى.
∎سأبدأ كلامى معك عن «الليلة مع هانى» والصدى الذى حققه البرنامج، هل توقعت ردود الفعل هذه قبل خوض التجربة؟
- فى البداية أنا كنت خائفا جدا ومرعوبا مش هضحك عليكى، بخوض تجربة كنت متخوفا منها وأشعر أنها قد تأخذ منى ولن تضيف لى، وأجلت هذه الخطوة سنوات، فقد عرض على أكثر من عرض فى قنوات مختلفة على مدار السنوات الماضية. ولكن هذه المرة كان العرض مختلفا وشكله مختلفا لأنه من قبل قناة قوية تعتبر رقم واحد فى المشاهدة على مستوى الوطن العربى، ثانيا هذا الشكل أنا أحببته جدا وتعلقت به لأنه يحتاج شخص لديه قدرة هائلة على الإلقاء والتمثيل، ويجب أن يكون فنانا أكثر من أنيكون مجرد مقدم برامج، لذلك أنا شعرت أنه يجب ألا أؤخر هذه الخطوة أكثر من هذا وشعرت أننى من الممكن أن أخوض هذه التجربة، وقد يعوضنى هذا عن المسرح.
أضف إلى هذا الموقف الذى نمر به والوضع السياسى والوضع العام يخلق لدى الشخص الرغبة فى التنفيث عما بداخله من طاقة وشحنة ورغبة فى الانتقاد أو مناقشة ما يدور حوله، ويريد أن يتكلم كل يوم، لذلك شعرت أن البرنامج جاء فى وقته كمتنفس لى ومن خلال قناة كبيرة لها وضعها وهذا ما طمأننى.
∎طبيعة البرنامج تتوافق كثيرا مع شخصيتك ومع اختياراتك الفنية السياسية الساخرة التي تميزت بها، هل هذا ما دفعك لقبول هذا العرض؟
- شعرت أكثر بهذا التوافق عندما تناقشت مع المسئولين عن البرنامج وشعرت أننى أريد أن أخوض التجربة وصورت حلقة pilot هذه الحلقة كانت متعبة جدا وبعدها اعتذرت عن البرنامج وأخبرت المسئولين فى القناة أننى لن أقدم هذا البرنامج لوأعطيتونى ملايين الدنيا ولا يمكن، وأنا ممثل وسعيد بما أنا فيه ولا أريد أن أخوض هذه التحربة.. ومر وقت طويل وحاول منتجو البرنامج إقناعى أكثر من مرة ولكن أنا كنت متمسكا برأيى وهم أصلا أصدقائى وبعدها بفترة اجتمعنا بشكل عادى وحضروا لى مفاجأة وهى الحلقة ال pilot التى سجلتها ولم أكن قد شاهدتها من قبل، ولكن عندما شاهدتها معهم أعجبتنى جدا واقتنعت بها بشكل كبير وتغير موقفى قليلا، وأخذت التسجيل وعرضتها على زوجتى وأولادى وأعجبوا به جدا.
∎هوجم برنامجك وغيره من البرامج السياسية الساخرة مؤخرا هل أصبحت برامج ال«one man show»، واللهجة الساخرة بشكل عام ترعب الأنظمة إلى هذا الحد الذى نراه؟
- الحكومة التى تخشى هذا تكون حكومة هشة، ونظاما هشا جدا ويعتبر نظاما ضعيفا هذا الذى يرتعب ويرتعش من أى كلمة أو أى رأى يقال أو أى انتقاد يوجه له ويخشى من أن تنكشف مساوئه وعوراته، وتدفعه لتهديد أصحابها أو التشهير بهم.
∎وهل حدث أن تم تهديدك بالفعل؟
- تم تهديدى بشكل شخصى أنا وغيرى من فنانين أو مقدمين، هددنا كثيرا وهوجمنا كثيرا، خاصة من قبل القنوات التابعة للحزب الحاكم يقومون بتهديدات سواء مباشرة أو غير مباشرة ويقومون بالتحريض والتشويه محاولة منهم لتكميم الأفواه، ويتفوهون طوال الوقت بعبارات غريبة عن الإعلام الفاسد وتجاوزات الإعلام وغيرها وفعلا شبعنا جدا من كلمة «الإعلام الفاسد» التى يصفوننا بها ولو هذا هو الفساد إذا فهو ليس سيئا.
∎ومن الذى تتابعه بصفة مستمرة من نجوم هذه البرامج؟
- أتابع باسم يوسف، برنامجه أحبه جدا وأتابعه ويعجبنى أنه يحمل بعض الشمولية بمعنى أنه ينتقد كل شىء بما فيها التيارات الدينية وهذا لا يحدث فى برنامجى مثلا، لأنها نقطة حساسة إلى أبعد الحدود وقد يتم إساءة فهمها، والمفترض أن نقدى سياسى واجتماعى للوضع الراهن وهذا واجب على كفنان وواجب على كمصرى، وعندما أرى شيئا يحدث أنتقده وأشير إليه والعكس عندما أرى أن الأمور مستقرة أشيد بها وبالمجهود المبذول وأصفق لها.
∎ماذا عن مستقبل الكوميديا السياسية فى زمن الإخوان؟
- هذ النوع من الكوميديا لا يمكن أن تختفى أو تزول، لأنه مع الوقت الحاجة إليها تزيد مادمنا نشعر بالتوتر وعدم الاستقرار ونشعر بحزن مستمر كل هذا يجعلنا نبحث عن الابتسامة ولدينا استعداد أن ندفع كل ما نملك للحصول على ضحكة، إذا فالحاجة إلى الضحك تتزايد، وما لا تعرفه الدولة هو أهمية هذا الضحك.
وبدلا من رفع قضايا وتسليط البعض لرفع قضايا على فنانين أو إعلاميين بسبب سخريتهم وانتقادهم للأوضاع يجب أن تشجع هؤلاء الناس لكى ترفع من معنويات هذا الشعب وتخفيف ضغوطه النفسية حتى لو كنت مجالاً لهذه السخرية وهذا الانتقاد، ولكن للأسف حكومتنا ليست لديها هذه العقلية وتفتقر إلى هذه السياسة المتقبلة للرأى والرأى الآخر، وجاءنا نظام لا يتفهمنا أساسا ونقنعه أن الفن حلال بالعافية. لذلك أشعر بأننا سنضطر للمقاومة كثيرا الفترة القادمة.
∎هل سنستمر طويلا فى حلقة المحاكمات والقضايا بين الإعلاميين والفنانين وبين من يسمون بشيوخ الفضائيات؟
- لن نتخلص منها بسهولة والمخرج الوحيد من هذا هو عندما يشعرون بأنهم غير مسنودين وأن النظام لا يدافع عنه ويسندهم، فمصدر ثقتهم وهجومهم المستمر علينا هو تأكدهم من الدعم المقدم لهم ووجود ظهير يساندهم طوال الوقت وهذا الظهير هو السلطة بحجة أن المشروع والنظام يدعوان للتخلص من كل ما هو فاسق وكل ما هو فاسد وهم يروننا فاسدين وفاسقين وسيستمرون فى الهجوم بطرقهم إلى أن تنصلح الأمور.
∎وكيف تابعت المشهد مؤخرا، خاصة بعد أحداث الخصوص والكاتدرائية؟
- أنا مقتنع بنظرية معينة تقول «لما أحب أدارى على خيبتى أعمل فتنة طائفية» وألصق بها أى كارثة تحدث وأن البلد تتجه إلى مصير مجهول ليس لسوء من جانبى ولكن لأن العيب فى المصريين أنفسهم والشعب نفسه هو المشكلة، والحق يقال إن هذه اللعبة تحدث من أيام حكم حسنى مبارك وتتكرر بنفس الأسلوب، فهذه هى طريقتهم فى تفرقة هذا الشعب.. ودعينا لا ننسى أن هناك نسبة جهل مرتفعة وفقرا ونفوسا ضعيفة، فلدينا ثلاثة عناصر مجتمعة، فالجهل والفقر يجهلان أى شخص يتصرف تصرفات غير مسئولة على الإطلاق والفقر والجوع كافر، يجعل أى شخص يسيطر على عقل من يقع تحت وطأتهم ويدفعونهم للتخريب و التدمير والقتل.
∎هل مازلنا نتهم الطرف الثالث والفلول بإشعال نار الفتنة؟
- لم يعد هناك ما يسمى بالطرف الثالث فالفاعل معروف وقد تم تصويره بالكاميرات التى لا تكذب وموثق ونجد التصريحات تقول إنهم مجهولون سواء أمام الكاتدرائية أو أمام الأزهر، فالأمن منتشر والناس دخلت المشيخة واقتحمتها، لماذا هذا الطرف مازال مجهولا؟ ولماذا يجب أن يظل فى نظرنا مجهولا وهذا الطرف أمام الأمن يلقى بالحجارة والمولوتوف والأمن لا يتحرك من مكانه.
هذا المشهد هو أكثر مشهد قاس ويحزن الناس على بلدها، فأقسى شىء شاهدناه فى حياتنا أن الأمن يقف بدون أى رد فعل ولم يحمنا، بل يساعد بعدها فى الضرب وشاهدنا بعدها مدنيين ملثمين يلقون بالغاز من داخل المدرعات ما هذا المشهد وما تفسيره، فأنا حزين جدا من هذا المشهد المزرى والحياة العبثية التى نعيشها.
إذا اقتنعت أن هذا فوتو شوب وستخرس الناس بأكياس السكر وزجاجات الزيت، ألم تفكر فى صورة مصر أمام العالم وكيف يشاهدوننا الآن كيف تصبح مصر فجأة نموذجا لمقاتلة المسلمين والمسيحيين لبعضهم كيف تصبح الخصوص التى لم يكن يعلم البعض مكانها فى مصر فجأة عالمية وتتناقلها الوكالات العالمية كبؤرة للحدث، أيضا ما حدث لباسم يوسف وأصبح فضيحة عالمية تعرى نظاما هشا.
∎ومن وجهة نظرك ما مفاتيح الخروج من الأزمة؟
- مصر ليست بحكومة ولا بحزب ولا رئيس مصر بشعبها والرهان الآن هو على الشعب فقط لا غير، لو استسلم الشعب لأهواء هذا النظام إذا فقد قضى الأمر، أما إذا أصابته صحوة أخرى وتعلم من الدرس سنتحول إلى أفضل بلد فى العالم قد يتمنى أى إنسان أن يعيش فيها، ببساطة نحن لدينا كل مقومات التقدم والنجاح والنهوض بكل المقاييس، مصر لن تفلس أبدا بانتهاء ثرواتها مصر ستفلس فقط إذا أصبح شعبها «ضائع» ولم يفق ولم يدرك النعمة التى بين يديه، والحل فى أيدينا نحن.
ونحن لم نتفرق بهذا الشكل سوى بعد الإعلان الدستورى «الأسطورى» أمامنا وقت لنلم شتاتنا ونفق مما يحدث والفترة القادمة أنا متأكد أن هناك ثورة أخرى، والثورة القادمة ستحمل تصحيحا شاملا لكل الأوضاع، فأنا مؤمن أنه كلما ازدادت الأزمة كان الفرج أقرب، ولن أفقد الأمل ولا الثقة فى ربنا وأنا مدرك أن ربنا بيحب مصر وهذا مذكور فى القرآن ومذكور فى الأنجيل.
∎ «ربنا بيحب مصر» ولكن يبدو أن هناك من لا يحبونها ويبغضون أشياء كثيرة فيها ومنها الفن والفنانين، هما دفع الكثير من الفنانين للتفكير فى الهجرة هل خطر ذلك على بالك؟
- لم أفكر فى ترك بلدى ولكن الفنانين لو استحكمت الحلقة وزادت الضغوط على الفن فى مصر وهو ما لم يحدث بشكل صريح حتى الآن ولكن وقتها هناك المجال فى أكثر من دولة عربية تشكلت حضارتها وثقافتها من الفن المصرى والفنانين المصريين لبنان والأردن ودبى والجزائر والمغرب والكويت وبلاد كثيرة إذا حدث وأغلقت مصر أبوابها فى وجه فنانينها. أنا غير مستوعب أنه مازال هناك فى مصر من لا يدرك قيمة فنانيها.
فنشاهد حملات تشويه وترويج شائعات على فنانين ومتاجرة بقضايا وبرامج على الفضائيات، وفى المقابل نرى مثلا فى لبنان اتخذ قرار بعدم المساس بأى فنان لبنانى فى الصحف والمجلات، وأيضا الاحتفال بعيد ميلاد فيروز كعيد وطنى، هكذا يتم تكريم الفنان واحترامه.
فى عصر أنور السادات كان يتم الاحتفال بذكرى أم كلثوم وعبدالحليم والفنانين الكبار، أما حسنى مبارك فلم يكن يحب الفن وكان يحب الكرة واهتم بالكرة والرياضيين ولكن ترك الفنانين فى حالهم، أما النظام الحالى فلا يحب الفن ولا يحب الكرة وربنا يستر.
∎تضامن الأقباط مع شيخ الأزهر فى الأزمة الأخيرة، هل يعتبره البعض صمام الأمان بعيدا عن النماذج المتطرفة التى واجهناها مؤخرا؟
- منذ تولى هذا الرجل لمنصبه وأنا أقول إن الله أنعم على مصر بهذا الرجل ويجب أن ندعى ربنا إن يطيل فى عمره فهو رجل حكيم ويحمل عفة ورضى ويعمل لمصلحة مصر وليست لديه أى مصلحة شخصية، إذا هل أنا بهذا الغباء لكى أتخلص من رجل مثل هذا لكى يسيطر على هذه المؤسسة، هذا لا يجوز إطلاقا أصبحنا دولة بلا قانون والأحكام لا تنفذ وما يتبادر بذهنهم يطبقونه بدون تفكير وعند غير مفهوم وبسبب هذا العند النائب العام باق حتى الآن وبسبب هذا العند يتم تجميل أى قرار يتخذونه.
∎ «أنا والسفاح وهواك» مسلسل جديد وهو إنتاج مشترك مع مدينة الإنتاج الإعلامى، هل مازلت تثق فى المدينة رغم كل أزماتها مؤخرا؟
- المدينة رغم الأزمات والمشاكل إلا أنها مؤسسة قائمة بذاتها ولديها استوديوهاتها وإمكانياتها وأجهزتها وأماكن تصوير لا غنى عنها وحتى الآن ورغم محاولات محاصرتها واقتحامها إلا أنها مازالت آمنة نستطيع أن نمثل فيها، فأصبحنا نتفادى النزول فى الشوارع والمبانى والكبارى بكاميرات حية.