غضبة المصريين ضد الظلم والقهر والفساد أنتجت ثورة 25 يناير التى أسقطت النظام السابق وجهازه الأمنى القمعى، ورغم تغير النظام وتغيير القيادات الأمنية لهذا الجهاز مازال الغضب الشعبى ضد الشرطة مستمرا، بل امتد الغضب إلى المئات من أفراد وأمناء الشرطة الذين ضاقوا ذرعا بسياسات الوزارة الجديدة التى تزج بهم فى معارك سياسية لا تخصهم، وتورطهم فى مواجهات مع الشعب، وتستخدمهم كدروع بشرية فى حماية المنشآت العامة والخاصة دون تسليح، وتوجههم للانحياز لفصيل معين دون الآخر، إضافة إلى تجاهل الوزارة للعديد من مطالبهم المشروعة. أخيرا، تطاير الدخان من تحت الرماد، فاعتصم المئات من أفراد وأمناء الشرطة داخل مديريات الأمن وأقسام الشرطة، كما أغلقوا أبواب بعض الأقسام بالسلاسل الحديدية، فى إضراب جزئى شمل 01 محافظات، ولم تقتصر حالة العصيان عند هذا الحد بل انتقلت إلى بعض معسكرات الأمن المركزى التى رفضت أداء المأموريات المكلفة بها، وسط حالة من القلق والترقب عمت وزارة الداخلية خشية انتقال حالة التمرد والاحتقان إلى باقى المحافظات وباقى معسكرات الأمن المركزى فى البلاد.
فى البداية قال «م.ع» - أمين شرطة: «التظاهر والاعتصام ليس حكرا على المواطنين المدنيين فقط، لنا حقوق نسعى للحصول عليها، ومطالب نريد تحقيقها خاصة أننا نواجه ظروفاً صعبة وقاسية تؤدى فى أغلب الأوقات إلى استشهاد بعض الضباط وأفراد الأمن، إضافة إلى حدوث إصابات متكررة بين صفوف القوات الأمنية، لكن الواضح أن قيادات الوزارة تتجاهل مطالبنا على طريقة «ودن من طين، وودن من عجين» لذلك قررنا الدخول فى اعتصامات حتى يتم تحقيق جميع المطالب.
وأضاف: المطالب تتمثل فى إقالة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، وتطهير الوزارة، والتخلص من أتباع الوزير الأسبق حبيب العادلى الذين مازالوا يسيرون على نهجه، ويسيطرون على بعض أركان الوزارة، ووقف أخونة الوزارة، وإعادة تسليح أفراد الشرطة لمواجهة المولوتوف والخرطوش فى مأموريات فض التظاهرات، إضافة إلى تسليحهم بشكل حديث للتصدى للبلطجية وأرباب السجون الذين يستخدمون أسلحة حديثة وبنادق آلية، كذلك تعديل قانون الشرطة، وتغليظ عقوبة التعدى على أفراد الأمن، ومنحهم صلاحيات للتعامل مع المعتدين عليهم.
؟ احتجاجات مطلوبة ومطالب مشروعة
والتقط أطراف الحديث «س. م» أمين شرطة قائلا: لا أجد غرابة فى احتجاجنا بعد أن فاض بنا الكيل، ومللنا من الوعود التى لا يتحقق منها أى شىء، فقررنا إعلان الإضراب الجزئى والاعتصام لحين تحقيق مطالبنا المشروعة والمتمثلة فى مساواة الأمناء بالضباط فى مستشفى الشرطة، وتطبيق قانون إعانات رجال الشرطة، وزيادة بدل المخاطر من 30 إلى 100 فى المائة، وإدراج الخفراء النظاميين الحاصلين على مؤهلات إلى كادر الأفراد.
من جهته شدد المتحدث باسم اتحاد الشرطة سلامة حسين على أنهم لن يتنازلوا عن مطالبهم خاصة أنهم لا يطلبون سوى حقهم فى جزء من موارد وزارة الداخلية، منوها بأن إضراب عدد من المحافظات خطوة أولى نحو التصعيد حتى يتم تحقيق جميع المطالب.
واستكمل وجهة النظر منسق ائتلاف أمناء الشرطة حسن شندى قائلا إنهم مستاءون من قانون التظاهر لأنه يضعهم فى مواجهة المتظاهرين ويجعل التظاهر مستحيلا، مطالبا بإدراج شهداء الشرطة ضمن شهداء الثورة، وإنشاء قناة فضائية لوزارة الداخلية لبث الجهود التى تقوم بها رجال الشرطة فى حماية الشعب وليس حماية النظام.
؟ مخاوف أخونة الشرطة
من ناحيته رأى «ط. س» - ضابط شرطة- أن الأسباب الحقيقية وراء احتجاجات أفراد وأمناء الشرطة هى إقحامهم فى مستنقع السياسة، ووضعهم فى مواجهة مع المتظاهرين، وعودة الحل الأمنى لحل جميع المشاكل السياسية، وإبعادهم عن صلب عملهم وهو العمل الشرطى، وتكليفهم بخدمات غير مبررة، إضافة إلى خشيتهم من إحلال وتبديل جهازهم الشرطى لاستكمال مشروع أخونة أجهزة الدولة.
وبسؤاله عن التناقض بين احتجاجات أفراد وأمناء الشرطة لعدم تسليحهم، وبين حدوث عمليات اختطاف وتعذيب لنشطاء سياسيين تؤكد روايات أن الشرطة متورطة فيها، قال إن هذه العمليات لم يثبت حتى الآن تورط الشرطة فيها، أما هذه الروايات فهى غير مؤكدة، وبالتالى لا يمكن الاعتداد بها حتى تثبت صحتها، ولو ثبتت صحتها فإن الداخلية لن تتنصل من مسئوليتها تجاه ذلك، وهو ما حدث مع واقعة سحل المواطن حمادة صابر التى أعلنت الداخلية مسئوليتها عنها.
وأشار إلى مسألة التركيز الإعلامى - غير المبرر - على الحوادث الفردية التى يكون وراءها بعض أفراد جهاز الشرطة مشددا: لا يجب تضخيم مثل هذه الحوادث فى الصحف والمجلات والقنوات الفضائية التى تجعل الشعب يكره الشرطة من جديد، ويسعى جاهدا لكسر هيبتها، وبالتالى تصبح عودة الشرطة والشعب يداً واحدة مجرد أحلام غير مشروعة، كما يمهد لعودة حالة الانفلات الأمنى لكن بشكل أسوأ فى ظل إصرار بعض وسائل الإعلام على رسم صورة قمعية للجهاز الأمنى.
ولفت إلى مسألة أخرى: الإضرابات امتدت إلى جهاز الشرطة لأنه لا توجد خطة لتطوير الوزارة الداخلية داخليا بعد الثورة، والأسباب عديدة منها عدم بقاء الوزير فترة زمنية كافية فى الوزارة لتنفيذ فكره وإحداث التطوير المطلوب من ناحية، وإنهاك قوى الوزارة يوميا فى مشاكل ليست طرفا فيها من ناحية أخرى.
وخلص إلى المطالبة بضرورة التنسيق مع مديريات الأمن التابعة للإدارة من حيث الخدمات المطلوبة، والاتفاق على نظام تشغيل يضمن سير الراحة المناسبة المقابلة للخدمة حتى لا ترهق قوى القوات الأمنية، وبحث كيفية الارتقاء بالمستوى التدريبى والبدنى الخاص بالقوات، وتحديث الوسائل الفنية الخاصة بعمليات الفض ومأموريات البحث الجنائى المختلفة.
؟ الأستجابة ل 19 مطلبا
ومع تأكيد أفراد وأمناء الشرطة التصعيد الكلى بالاعتصام فى أقسام الشرطة بباقى المحافظات يوم 22 مارس المقبل، أعلنت وزارة الداخلية فى تطور مفاجئ للأحداث استجابتها لنحو 19 مطلبا من مطالب أمناء وأفراد الشرطة.
ومن المطالب التى تمت الاستجابة لها لاحتواء غضب أفراد وأمناء الشرطة، تخصيص 100 ألف طبنجة لأمناء الشرطة وتوفير الموارد المالية لدعم الوزارة بالسلاح المناسب حتى يتم تسليح الضباط والأفراد.
ومحو الجزاءات والمحاكمات العسكرية الانضباطية من ملف الخدمة، واعتبارها كأن لم تكن، وتعديل شرط الترشح لكادر الأمناء بحصول الفرد على تقريرين سريين، بتقدير ممتاز بدلاً من 3 تقارير سرية.
وإلزام جميع الجهات بعدم نقل أو استبعاد الأفراد دون إبداء رغبتهم إلا إذا ثبتت إدانتهم بناء على تحقيقات إدارية.
ومنح حافز التميز الخاص بمديريات الأمن بعد الحصول على تقريرين سريين بتقدير ممتاز، وخفض مدة الفرقة المؤهلة للتعيين بوظيفة أمين شرطة ثالثا من 3 أشهر إلى شهر، وخفض مدة الفرق التأهيلية المؤهلة للترقى للدرجات الأعلى لجنود الدرجة الأولى وضباط الصف إلى أسبوع بدلا من أسبوعين وعدم نقل أو استبعاد أفراد بدون رغبة.
وبدء الدورة الأولى للترقى لكادر ضباط الشرف اعتباراً من 13 مايو المقبل بقبول 1500 أمين، وإلحاق الباقين فور الانتهاء من المبنى الجارى إنشاؤه بأكاديمية الشرطة، وشراء 130 وحدة سكنية وتخصيصها كاستراحات للضباط والأفراد بمديرية أمن شمال سيناء بتكلفة 10 ملايين جنيه.
وحصر أعداد الخفراء الحاصلين على مؤهلات متوسطة وعليا، وجار إعداد قانون لتدرجهم وظيفياً، وتشكيل لجان سباعية بمديريات الأمن تتولى تأسيس جمعية تعاونية للإسكان، خاصة بالأفراد والعاملين المدنيين بالمديريات.
ورغم تأكيدات وزير الداخلية بتنفيذ هذه القرارات بكل جدية فإن عدداً من أمناء وأفراد الشرطة اعتبروا أن هذه القرارات من وزير الداخلية «حبر على ورق» ولا تمت للواقع بصلة، مؤكدين استمرارهم فى التصعيد لتعطيل العمل فى جميع المحافظات، حتى تتم الاستجابة لمطالبهم كاملة.
وتعليقا على القرارات الأخيرة وردود الفعل التى صدرت فور إعلانها، قال مصدر أمنى مسئول: إن اللواء محمد إبراهيم استجاب لمطالب المحتجين المشروعة فى إطار جهود تحقيق الاستقرار النفسى والوظيفى للأمناء والأفراد باعتبارهم أحد العناصر الفاعلة فى المنظومة الأمنية، نافيا أن تكون هذه القرارات مجرد «بنج موضعى» لاحتواء عصيان أفراد وأمناء الشرطة مثلما يردد البعض.
وشدد المصدر على أن مطالب أمناء وأفراد الشرطة تمت الاستجابة لها بالفعل باتخاذ قرارات بتنفيذها، ولا تراجع فى ذلك، معلنا أن وزير الداخلية يستكمل اجتماعاته مع ممثلى أمناء وأفراد الشرطة المحتجين، وجار عمل دراسة لتنفيذ هذه القرارات فى أسرع وقت ممكن.
وعن التشكيك فى عدم قدرة الوزارة على توفير 100 ألف طبنجة لأمناء الشرطة فى ظل تهالك ميزانية الدولة، أكد المصدر الأمنى أن مخصصات وزارة الداخلية تأتى من ميزانية الدولة، وتوفير هذه الكمية من الطبنجات سيتم على مراحل، وليس دفعة واحدة، وذلك حسب إمكانيات الدعم المالى للوزارة اللازم لتنفيذ هذا الأمر من ميزانية الدولة.