بالتأكيد.. الجميع يحبس أنفاسه انتظارا ليوم بعد غد الخميس 41 يونيو.. وهو الموعد الذى حددته المحكمة الدستورية العليا للنظر فى قانون العزل المحال إليها من اللجنة القضائية العليا للانتخابات الرئاسية.. وكذلك النظر فى دستورية قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى.. وإذا أصدرت المحكمة قرارها فى هذين الشأنين حسب التوقعات التى تسربت من تقريرى هيئة مفوضى الدولة.. فإن هذين الحكمين سيحدثان انقلابا هائلا فى موازين المرحلة الانتقالية التى نحن على أعتاب كلمة النهاية فيها تقريبا بإجراء جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة يومى 61 و71 يونيو الجارى. هذا الانقلاب الذى سيحدث بصدور هذه الأحكام المتوقعة لا أقول أنه سيقلب الأمور رأسا على عقب.. ولكن أقول إن هذين الحكمين سيعدلان كل الموازين والأوضاع المقلوبة منذ أن بدأنا المرحلة الانتقالية التى بدأت فى 21 فبراير 1102 بعد خلع الرئيس السابق.. وتوالت فيها الأخطاء والخطايا من كل القوى السياسية على الساحة.. وانتهت إلى انتخابات تشريعية مشوهة.. وانتخابات رئاسية جمعت بين الفلول والإخوان أعداء الأمس واليوم، وخرجت قوى الثورة الحقيقية من هذه المرحلة صفر اليدين وحتى القوى الليبرالية التقليدية لم تحصد سوى الفتات.
فأكثر المصريين فى الأغلب الأعم يتمنون أن تعاد المرحلة الانتقالية من أول وجديد.. وأن يسترد الشعب ثورته الحقيقية حتى لو كان الثمن تأجيل هذه المرحلة الانتقالية.
فبالنسبة للحكم الأول المتوقع هو أن تعيد المحكمة الدستورية العليا قانون العزل السياسى إلى اللجنة الرئاسية لأنها ليست ذات صفة قضائية أى أنها ليست هيئة قضائية ولكنها لجنة قضائية وليس من حقها أن تحيل هذا القانون إلى المحكمة الدستورية العليا.. ورغم ذلك فإن هناك تداخلا فى الدعوى والإحالة من محكمة القضاء الإدارى ببنها قد يبطل إعادة القانون للجنة الرئاسية.. ويجبر الدستورية العليا على الفصل فى الدعوى إما بدستورية العزل أو عدم دستوريته.
وفى الحالة الأولى سيكون على اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية أن تطبق القانون وتمنع شفيق من خوض جولة الإعادة وفى هذه الحالة ستعاد الانتخابات بين ال 21 مرشحا الآخرين.. أما إذا قضت المحكمة بعدم الدستورية، فإن شفيق سيكون مستمرا فى الانتخابات للنهاية ويدخل جولة الإعادة.. والحقيقة أنه رغم إيمانى الشديد واقتناعى التام بأن قانون العزل غير دستورى وأنه قانون تفصيل على مقاس أحمد شفيق وعمر سليمان من قبله.. إلا أن فئات عديدة من الشعب تأمل أن تلغى هذه الانتخابات وتعاد من أول وجديد برمتها.. لأنه سيعيد الثورة لأصحابها الحقيقيين وهم الثوار.
أما الحكم الثانى الذى ينتظره الناس بفارغ الصبر وهو الحكم فى دستورية قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى الذى يقضى بعدم جواز مشاركة الأحزاب فى التنافس على المقاعد الفردية مع المستقلين، وهذا خطأ دستورى جعل الأحزاب تهيمن على المقاعد الحزبية والفردية معا فى البرلمان.. وهو ما أدى إلى هيمنة تيارات دينية وسياسية معينة على البرلمان، وكذلك على الشارع الانتخابى لما لها من قوة تنظيمية غير متكافئة مع قوى المرشحين الفرديين. وهو ما يعنى عدم تكافؤ الفرص الحقيقية فى هذه الانتخابات، وهذا الحكم إذا صدر سيكون أمامه خياران، إما أن يحكم بعدم دستورية القانون أساسا وبالتالى تلغى الانتخابات التشريعية تماما للمجلسين وتعاد من أول وجديد بالقوائم والفردى.. وتعيدنا سبعة أشهر إلى الوراء.. وإما أن يصدر الحكم بإلغاء نتيجة الانتخابات على المقاعد الفردية فقط، ومن ثم يفتح باب الترشح على هذه المقاعد وهى تبلغ ثلث عدد الأعضاء.. وتمنع الأحزاب من التنافس مع المستقلين على هذه المقاعد.. وفى كلتا الحالتين سواء كان الحكم بعدم دستورية القانون أو جزءا منه فإن المجلسين سيتم تعطيلهما حتى تنتهى الانتخابات ويستكملان تشكيلهما ونكون عدنا بذلك إلى نقطة الصفر مرة أخرى، وقد يعيدنا ذلك لما إلى بداية المرحلة الانتقالية وهو ما يرغب فيه الكثيرون أيضا لما شعروا وشاهدوا ممارسات سيئة لأحزاب الأغلبية فى المجلسين وتراجع شعبيتهما فى الشارع بسبب أدائهما المتواضع والطمع فقط فى الاستحواذ على السلطة.
إن أهم ما فى هذه الأحكام السابقة هو أنها تتيح لنا الفرصة مرة أخرى لكى نتدارك الخطأ الفادح الذى وقعنا فيه منذ الإعلان الدستورى الصادر فى 91 مارس الذى جاء بالانتخابات التشريعية قبل كتابة الدستور وأدخلنا فى نفق مظلم لم نخرج منه حتى الآن، وهو أننا منذ ثلاثة أشهر بالتمام والكمال لم نتفق على معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وذلك بسبب الممارسات المستفزة والمتعنتة لحزبى الحرية والعدالة والنور وتوابعهما فى البرلمان للاستحواذ على أكثر من 05٪ من تشكيل التأسيسية، ورغم بوادر الاتفاق التى لاحت فى الأجواء حتى ساعة متأخرة من الأربعاء الماضى.. إلا أن أسلوب المراوغة والالتفاف حول الأسماء والألاعيب التى يمارسها الإخوان فى البرلمان نسفت كل محاولات الاتفاق بين القوى السياسية حول تشكيل هذه الجمعية.. مما أدى إلى انسحاب 4 أحزاب من التشكيل بعد أن بدا أن الإخوان يريدون السيطرة على التأسيسية من خلال وضع أسماء فى حزب الوسط الذى يتبع الإخوان، وهو على أساس دينى واحتسابه على الشخصيات العامة.. وكذلك محاولة الحرية والعدالة لاحتساب مقاعد الأزهر والكنيسة ضمن مقاعد القوى المدنية وليست الدينية.. وهو أسلوب مراوغة مرفوض ويؤدى إلى أزمات وأزمات، بل يؤدى إلى تراجع شعبية الإخوان فى الشارع، ويؤكد أنهم أيضا ليست لهم كلمة ويرجعون فى كلامهم.. وإنهم غير أهل للثقة.. وإنهم يضعون مصلحة الوطن فى مرتبة أدنى من مصلحتهم الشخصية ومحاولة استحواذهم على كل السلطات فى الدولة.. وفى الوقت الذى يؤكد فيه مرشحهم الرئاسى د. محمد مرسى من خلال شعاره فى جولة الإعادة بأن «قوتنا فى وحدتنا» تجىء ممارسات الإخوان داخل البرلمان عكس ما يقوله محمد مرسى.. وهذا دائما حالهم.. يقولون كلاما ويفعلون عكسه، وهو ما يجعلنا دائما نشكك فى صدق نواياهم.. والناس تشعر بذلك على أرض الواقع وهذا سر تراجع الأصوات التى حصل عليها مرشحهم فى الجولة الأولى وهى 7,5 مليون صوت فى مقابل 11 مليون صوت للإخوان فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى.. ثم إن هناك نقطة أخرى يجب أن يعيها حزب الحرية والعدالة وهى أن أغلبية البرلمان لا تعنى أغلبية التأسيسية.. هذا شىء وذاك شىء آخر.
ثم ما حكاية أن يدخل نواب فى البرلمان كأعضاء فى التأسيسية مع أن حكم القضاء الإدارى منع النواب صراحة من التواجد فى تشكيل التأسيسية.. وهذا بالطبع تحايل والتفاف على أحكام قضائية يتغاضى عنها الحرية والعدالة.. ومن أجل مصلحته واستحواذه على التأسيسية. وأخيرا فإن الحرية والعدالة والنور ومن ورائهما الإخوان والسلفيون قد أخذوا وقتهم تماما فى موضوع التأسيسية لمدة ثلاثة أشهر ورغم موافقة اللجنة التشريعة على مشروع قانون معايير التأسيسية، فليس هناك مناص أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة من أن يستخدم صلاحياته كحاكم دستورى للبلاد فى إصدار إعلان دستورى بالتأسيسية يحقق التوافق بين كل القوى السياسية.. وإعلان دستورى بصلاحيات الرئيس، وعليه أن يتحمل مسئوليته التاريخية قبل أن يعود إلى ثكناته حتى لا يسلم البلاد إلى الفوضى.. وحمامات الدم.