وزير ومحافظ و 2000 طالب في اختبار لياقة بدنية    مكتبة الإسكندرية عضو بالتحالف الوطنى    تشغيل تجريبى بالركاب ل 5 محطات مترو    توجيهات رئاسية بتحسين معيشة المواطنين ..حزمة إجراءات لتطوير المسار الاقتصادى    ماجد عبد الفتاح: قرار الأمم المتحدة يؤكد وجود دعم دولي لفلسطين    نهاية الشوط الأول| تعادل إيجابي بين أهلي جدة والشباب    استمرار لجان مراقبة الأسواق و الحملات التفتيشية على الأسواق والمخابز بالغربية    الصور الأولى لحفل زفاف إبنة مصطفى كامل    هدى الأتربي عن مسلسلها مع حنان مطاوع: انتهينا من تصوير أغلب المشاهد    تامر شلتوت يساند يسرا اللوزي في وفاة والدتها    قرار مفاجيء من الأوقاف بمنع تصوير الجنازات| فيديو    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    رئيس جامعة بنها يقبل رأس مريضة في المستشفى الجامعي    رئيس منطقة الإسماعيلية الأزهرية يفتتح معرض أنا الراقي بأخلاقي بأبوصوير    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    السفير ماجد عبدالفتاح: حديث نتنياهو عن الإدارة المشتركة لقطاع غزة حلاوة روح    مسئولون أمريكيون: لدينا مخاوف بشأن تعامل إسرائيل فى عملية رفح الفلسطينية    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى العزازي للصحة النفسية وعلاج الإدمان    سلوفينيا: ممتنون لمصر لمساعدة مواطنينا في غزة على العودة    خنقها برباط حذائه.. الإعدام لعامل بناء قتل ابنة شقيقه بسوهاج    الهلال يضرب الحزم برباعية في الشوط الأول    كنيسة يسوع الملك الأسقفية بالرأس السوداء تحتفل بتخرج متدربين حرفيين جدد    فيلم السرب يواصل سيطرته على شباك تذاكر السينما.. وعالماشي يتذيل القائمة    «جوالة جامعة الزقازيق» تُنظم دورة تدريبية عن الإسعافات الأولية    إحالة أوراق طالب هتك عرض طفلة للمفتي    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة محملة بطيخ بقنا    عمرو الورداني للأزواج: "قول كلام حلو لزوجتك زى اللى بتقوله برة"    محافظ القليوبية يناقش تنفيذ عدد من المشروعات البيئة بأبي زعبل والعكرشة بالخانكة    اليوم العالمى للمتاحف.. متحف إيمحتب يُطلق الملتقي العلمي والثقافي "تجارب ملهمة"    خالد عبدالغفار: وزارة الصحة وضعت خططا متكاملة لتطوير بيئة العمل في كافة المنشأت الصحية    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    سانت كاترين تستقبل 1300 سائح من مختلف جنسيات العالم    محافظ كفر الشيخ يعلن بدء التشغيل التجريبي لقسم الأطفال بمستشفى الأورام الجديد    نتائج منافسات السيدات في اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالم للإسكواش 2024 المقامة بنادي بالم هيلز الرياضي    آخرها هجوم على الاونروا بالقدس.. حرب الاحتلال على منظمات الإغاثة بفلسطين    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    إلغاء جميع قرارات تعيين مساعدين لرئيس حزب الوفد    وزير التموين: مصر قدمت 80 ٪ من إجمالي الدعم المقدم لقطاع غزة    أخبار الأهلي : طلبات مفاجئه للشيبي للتنازل عن قضية الشحات    جيش الاحتلال الإسرائيلى: نحو 300 ألف شخص نزحوا من شرق رفح الفلسطينية    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد بداية أطول إجازة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى    العثور على جثة سيدة مجهولة مفصولة الرأس بمحطة الفشن ببني سويف    التنمية المحلية: استرداد 2.3 مليون متر مربع بعد إزالة 10.8 ألف مبنى مخالف خلال المراحل الثلاثة من الموجة ال22    قروض للشباب والموظفين وأصحاب المعاشات بدون فوائد.. اعرف التفاصيل    جامعة القاهرة تستضيف وزير الأوقاف لمناقشة رسالة ماجستير حول دور الوقف في القدس    البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالرحاب    إحالة العاملين بمركز طب الأسرة بقرية الروافع بسوهاج إلى التحقيق    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    المشاركة ضرورية.. النني يحلم بتجنب سيناريو صلاح مع تشيلسي للتتويج بالبريميرليج    مباشر مباراة المنصورة وسبورتنج لحسم الترقي إلى الدوري الممتاز    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 11-5-2024    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    ثنائي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية: التاريخ يذكر البطل.. وجاهزون لإسعاد الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو الدستور يلعن سنسفيل جدود الصحفيين
نشر في صباح الخير يوم 08 - 05 - 2012

«مصر بين دستورين» عنوان أحدث كتب الزميل الكاتب الصحفى «رشاد كامل»، الكتاب يحكى وقائع وملابسات دستور سنة 3291 الذى كان بحق «دستور الأمة» ثم كيف ضاق به الملك فؤاد لأنه يحد من سلطاته، حتى ألغاه رئيس الوزراء إسماعيل صدقى باشا سنة 0391 واخترع بدلا منه دستورا على مقاس الملك أصبح معروفا بدستور صدقى باشا.
لم تسكت «الأمة» على اغتيال الدستور، وقاومت بكل الوسائل دستور الاستبداد والطغيان، وشارك فى معركة الدستور كل طوائف الأمة: مسلمين وأقباطا، رجالا ونساء وتلامذة، الصحافة والقضاء، العواجيز والشباب.
يقع الكتاب فى 083 صفحة ويصدر عن دار «ميم» قسم النشر والتوزيع لشركة «إم. جرافيك إنترناشيونال»، وقام بتصميم الغلاف الفنان «مودى حكيم» وهو واحد من أبرز أبناء مدرسة «روزاليوسف - مجلة صباح الخير» فى مجال الإخراج الصحفى والفن التشكيلى.
زميلنا «رشاد كامل» خص «الصبوحة» ببعض الفصول قبل صدور الكتاب كاملا خلال أسابيع.

«صباح الخير»


ليس سراً أن «الملك فؤاد» لم يكن راضياً أو مرتاحاً لصدور دستور سنة 3291 الذى قيد وقلل من سلطاته، وبلغ من غضبه أن أمر بتعطيل جريدة الأهرام عندما نشرت مقالاً بتاريخ 8 أغسطس سنة 2291 عنوانه «أوصلونا إلى الدستور لنرتاح» وجاء فى المقال قوله «إن الإبطاء فى إصدار الدستور يسئ إلى الجميع دون استثناء أحد، كبيراً كان أو صغيراً حاكماً أو محكوماً».
ورفض رئيس الوزراء «عبدالخالق ثروت باشا» تنفيذ أمر الملك، وسانده فى ذلك المندوب السامى البريطانى «اللورد اللنبى» الذى اقترح حلاً وسطاً بوقف الجريدة لثلاثة أيام فقط!!
لقد كان الملك فؤاد يريد «دستور كده وكده» دستور «منظر» أو «دستور ديكور» يتباهى به، وهكذا جاء «إسماعيل صدقى باشا» رئيس الوزراء ليلغى دستور 3291، ويعلن بدلاً منه دستوراً جديداً يهدد سلطات الأمة وحقوقها، بل كان اعتداءً سافراً وقبيحاً على حقوق الأمة واستخفافاً بهذا الشعب.
وانتفضت مصر كلها تتصدى لصدقى باشا ودستوره المعيب الذى يجعل «الأمة» لعبة فى يد الملك!
وضاق «صدقى باشا» بهذه المعارضة الساحقة الكاسحة وعلى رأسها الصحافة.
«كانت مقالات الدكتور «محمد حسين هيكل» أشبه بغارة جوية تلقى القنابل على حكومة «إسماعيل صدقى» فتدك معالمها»!
هكذا يصف الأستاذ «مصطفى أمين» صدى وأثر مقالات «هيكل باشا»، لقد اعترف «هيكل باشا» بأنه قام بتلطيف خطبة «محمد محمود باشا» ليخفف من حدتها، ولم يذكر «هيكل باشا» ما الذى حذفه بالضبط رغم ذلك التلطيف فلم يحتمله «صدقى باشا»!
ويكمل مصطفى أمين قائلا: «والحاكم المستبد يضيق بالكاتب الحر، يدبر له المكائد، وينصب له الفخاخ، ويلفق له التهم، ويؤلب عليه أدوات السلطة، فهو لا يستطيع أن يرد على الكلمة الحرة بكلمة حرة، وإنما يلجأ إلى السيف ليحطم به الكلمة أو إلى العنف يقاوم به الرأى أو إلى الرصاص يخرس به صوت الكلمات، فما مضى يوم واحد من حكمه الذى استمر أكثر من ثلاث سنوات بغير صحفى فى سجن أو صحفى فى محكمة أو صحفى أمام النيابة العامة!
وفى يوم واحد استدعت النيابة العامة السيدة «روزاليوسف» ليحقق معها رئيسان مختلفان للنيابة فى تهمتين فى عدد واحد من مجلة «روزاليوسف»!
وكانت الحكومة تتعمد اختيار مستشارين يكرهون حرية الرأى وتؤلف منهم دوائر محكمة الجنايات التى تنظر قضايا الصحافة، ومن طبيعة الحكام المستبدين أن يختاروا قضاة خربى الذمة ومعدومى الضمير ليسجنوا الأحرار ولينكلوا بالشجعان وليكونوا كالببغاوات ينطقون بالأحكام الظالمة التى يصدرها الظالمون على الأبرياء.
ولم يكتف الأستاذ «مصطفى أمين» بهذه الكلمات الواضحة والقاطعة، بل يضرب مثلا غاية فى الغرابة بطله وصاحبه هو «عبدالعزيز فهمى باشا» الملقب ب «أبى الدستور» فيقول:
«كان يرأس محكمة النقض والإبرام قاض شريف نزيه هو «عبدالعزيز فهمى باشا»، لكنه كان يكره الوفد ويمقت الوفديين، وكانت كراهته للوفديين تصم أذنيه فلا يسمع دفاع الصحفى الوفدى، وتعمى عينيه فلا يقرأ أقواله فى التحقيقات، وكان سر كراهيته للوفد هو أنه اختلف مع «سعد زغلول» سنة 0291، وكان يومها معبود الجماهير، وكانت الناس تطرب لمرافعاته فى المحاكم كما تطرب لصوت الشيخ سلامة حجازى، وكان بعض الذين وقعوا عرائض الثقة بالوفد وقعوها لأن بين أسماء أعضاء الوفد اسم «عبدالعزيز فهمى» نقيب المحامين، فلما حدث خلافه مع «سعد» فوجئ عبدالعزيز فهمى بالذين هتفوا بحياته يهتفون بسقوطه!
وهكذا أصبح الصحفيون المعارضون واثقين أنهم إذا ذهبوا إلى عبدالعزيز فهمى باشا رئيس محكمة النقض والإبرام فإنهم سيذهبون إلى السجون أو المشانق!
ثم يحكى مصطفى أمين تجربة عاصرها بنفسه عندما ذهب إلى محكمة النقض والإبرام ليحضر قضية الصحفى الكبير «توفيق دياب» رئيس تحرير الجهاد، فيقول: كانت النيابة قد اتهمته بسب أعضاء البرلمان وأعضاء اللجنة المالية بمجلس النواب لأنهم وافقوا على مشروع جبل الأولياء، وبرأت محكمة الاستئناف «توفيق دياب» وإذا بعبدالعزيز فهمى يحكم عليه بثلاثة أشهر مع الشغل وسبق أن حكم عليه فى قضية صحفية أخرى بستة أشهر!
وبعد أن نطق عبدالعزيز فهمى باشا بالحكم ألقى خطابا طويلا لعن فيه سنسفيل جدود الصحفيين وقال إنهم أناس لا ذمة لهم ولا ضمير، يقولون اليوم على رجل إنه أشرف الناس ويقولون عنه غدا إنه ابن كلب وخائن!
ودهش المحامون الذين سمعوا خطاب عبدالعزيز فهمى باشا لأن توفيق دياب لم يمدح برلمان صدقى أمس ويذمه اليوم! بل هو يهاجم برلمان «صدقى» منذ قيامه يوميا حتى اليوم!
وكان مصطفى أمين يزور «على ماهر باشا» وجاء «عبدالعزيز فهمى باشا» لزيارته فى داره، وكان ذلك عقب الخطاب الذى هاجم فيه «عبدالعزيز فهمى باشا» الصحافة وقدمه «على ماهر» إلى «عبدالعزيز فهمى» ولم يذكر له إنه محرر فى روزاليوسف حتى لا يثور رئيس محكمة النقض والإبرام الذى يكره الصحافة الوفدية!
وقال له مصطفى إن الناس تذكر لمعاليك إنك أنت و«على باشا ماهر» كنتما أكبر المدافعين فى لجنة الدستور عن حرية الصحافة، وكنت أنت أول المطالبين بعدم تقييدها، وأنت الذى وضعت فى الدستور نص «الصحافة حرة فى حدود القانون»، وأنت الذى هاجمت الملك فؤاد عندما أراد أن يحذف من الدستور النصوص التى تنص على حقوق الأمة فى الديمقراطية والحرية!! الناس تتساءل كيف يجئ «عبدالعزيز فهمى باشا» بعد أقل من عشر سنوات ويحكم بسجن صحفى هاجم وزيراً أو هاجم نواباً، الصحفيون يقولون اليوم إن معاليك أصبحت أحد أعداء الحرية!!
قال «عبدالعزيز فهمى باشا» بهدوء غريب أدهش مصطفى أمين:
يابنى لست عدواً للحرية، أنا مازلت نصيراً للحرية، ولكن الصحفيين جبناء!! كل صحفى يجئ أمامى فى المحكمة يقول أنا لم أقصد القذف وأنا لم أقصد السب، أنا أريد أن يجئ لى صحفى شجاع يجئ ويقول لى أنا أقصد أن أقذف الوزير وأسبه، وتأكد إننى سأحكم له بالبراءة، فأنا أحكم على الصحفيين بالسجن لا عقاباً لهم على أنهم سبوا الوزارة بل عقاباً لهم على أنهم خافوا أن يقولوا أنهم سبوا الوزارة!
ويعترف مصطفى أمين إنه لم يقتنع بفلسفة القاضى الكبير «عبدالعزيز فهمى باشا» فى تبرير الحكم على الصحفيين، وكثيراً ما كان موقف بعض كبار القضاة فى مصر من حرية الرأى أو فى القضايا السياسية يثير حيرته.
∎∎
ولم تكن «روزاليوسف» - السيدة والمجلة - بعيدة أو غائبة عن هذا المجال مجال القضايا والمحاكم والمصادرات وتقول: كلما فكرت فى هذه القضايا وجدت ذاكرتى تنوء بها وتعجز عن حصرها، ثم تروى تفاصيل هذه القضية قائلة:
من القضايا التى لا تبرح خاطرى قضية رفعها ضدى المرحوم الأستاذ «إبراهيم عبدالقادر المازنى» وكان يكتب فى «السياسة» لسان الأحرار الدستوريين والجريدة التى كنا مشتبكين معها فى صراع عنيف، وهاجم المازنى الوفد مهاجمة شديدة قابلناها بأحسن منها، وحملنا عليه حملة عنيفة لم يحتملها فأسرع يقدم بلاغاً ضدى إلى النيابة!!
ورأت النيابة أن البلاغ ليس فيه شىء يعاقب عليه القانون فحفظته، ورفع المازنى دعوى جنحة مباشرة أمام محكمة عابدين، وتصادف أن القاضى الذى عرضت عليه القضية سبق أن نشرت «روزاليوسف» عنه بعض أنباء خاصة بنشاطه فى ميدان سباق الخيل!! ولم يتنح القاضى إزاء ذلك بل أصدر حكمه بالحبس خمسة شهور وغرامة 005 جنيه مع النفاذ!
وكان يترافع عنى الأستاذ «محمود كامل المحامى» وحدث أثناء الجلسة أن أشار إلى محامى الأستاذ «المازنى» قائلاً: ما لها ومال السياسة هذه الدخيلة؟!
فصحت فيه: دخيلة فى عينك!
ونشبت بيننا معركة توقفت لها الجلسة وقلت له فيها: لو كل البلد دخلاء مثلى لاستقلت البلد من زمان!!
وقبل أن يقبض البوليس على ليودعنى السجن تنفيذاً للحكم، دفعت الرسوم للاستئناف وصدر حكم الاستئناف بالبراءة!!
وتمضى السيدة «روزاليوسف» لتروى واقعة أخرى أكثر دلالة فتقول:
أثناء وزارة «صدقى» وقع حادث اشتهر باسم حادث الحصاينة يتلخص فى أن رجال الإدارة فى ذلك الوقت ذهبوا إلى قرية الحصاينة مركز السنبلاوين وعطلوا وابور طحن الغلال ومضرب الأرز المملوكين للشيخ «طلبة صقر» الذى كان من الوفديين المعروفين، ورفع الشيخ دعوى قضائية أمام المحكمة ضد الحكومة، فأرسلت الإدارة بوليسها لكى يمحو معالم ما أفسده فى الوابور قبل أن تثبت المحكمة حالته! وتصدى الشيخ صقر وأنصاره للبوليس، فأطلق البوليس النار وسقط ثلاثة من القتلى وكثيرون من الجرحى، وحوصرت القرية أياماً طويلة وألقى أهلها فى السجون!
وترتب على هذا الحادث أزمة فى وزارة العدل، إذ قامت النيابة بتحقيق الموضوع، وكتب النائب العام «مصطفى بك محمد» تقريراً يطلب فيه الافراج عن الأهالى ورفع الدعوى على مأمور المركز بتهمة التزوير فى أوراق رسمية!
وكتب «التابعى» فى روزاليوسف تعليقاً ساخراً على هذا الحادث قال فيه: إن وزير الحقانية «أحمد باشا على» قرأ تقرير النائب العام ثم هز رأسه وقال: نفرج عن الأهالى معلهش أما أن نحاكم المأمور بتهمة التزوير فلا!! وأسبل القانون رمشه وصرف النظر عن الموضوع!
وأرسلت النيابة تحقق معى بوصفى رئيسة التحرير المسئولة، ولكن المقال كان يحمل توقيع «التابعى» فقدم إلى المحاكمة أيضاً.
وكان يمثل النيابة فى القضية الأستاذ «محمود منصور» وكان من المعجبين بالمجلة، فاستهل مرافعته ثائراً وردد المدح والثناء عليها، مشيداً بأسلوب التابعى، ثم انثنى مهاجماً فى عنف شديد، مندداً بطريقة النقد الجارحة التى تسلكها المجلة «!!».
أما رئيس المحكمة «المرحوم محمد نور» فقد كان بلديات التابعى من المنصورة، ولكنه كان رجلاً محافظاً، لا يحب أسلوب «التابعى» ويعتبره خارجاً عن الحدود الواجبة، لذلك فقد كان همه أن يحصر التهمة فى «التابعى» وكان يوجه إلى الأسئلة المتتالية بقصد إخراجى من المسئولية ولكننى تمسكت بموقفى، فصدر الحكم على التابعى بالحبس أربعة شهور وعلى بغرامة خمسين جنيهاَ
ولم يصدر الحكم فى نفس الجلسة، وحين صدر كان الأستاذ التابعى فى الإسكندرية فعاد ليسلم نفسه.
∎∎
وتتناول مجلة «الصرخة» التى أصدرتها السيدة «روزاليوسف» بعد إغلاق مجلتها فى عددها الصادر بتاريخ 2 ديسمبر سنة 0391 هذا الموضوع الحساس والخطير ويكتب الأستاذ «محمد على حماد» الذى كان يشارك الأستاذ «محمد التابعى» فى تحرير المجلة، وكان عنوان افتتاحية المجلة والمقال هو «النيابة العمومية بين عهدين: هلا تزال للعدالة حرمتها؟!» وجاء المقال على النحو التالى:
من الحقوق التى منحها القانون لسلطة النيابة العمومية، حق الحبس الاحتياطى، وذلك لحكمتين، خشية هرب المجرم أولاً والخوف على آثار الجناية أن يبدد معالمها إذا كان مطلق السراح، ثانياً وهذا الحق أحاطه القانون بضمانات شتى، ومع ذلك رأينا النيابة تضرب بهذه الضمانات عرض الحائط وتحاول التخلص منها جهد الطاقة.
والمفروض أن جرائم النشر، وبكلمة أخرى جرائم الصحافة يكاد يكون الحبس الاحتياطى فيها لغوا لا معنى له إلا إذا كان القصد الأول مجرد النكاية، لأن الجريمة هنا تتم بمجرد الكتابة والنشر وليست لها معالم يخشى من تبديدها فيما إذا ترك الصحفى المتهم طليقاً.
ومضى المقال قائلاً: وتاريخ الصحفيين الذين قدموا المحاكم فى مجمله لا يدلنا على أن أحداً منهم حاول الفرار من يد العدالة، ومع ذلك فقد رأينا أن النيابة لا تتورع عن استخدام حقها هذا العهد الحالى استخداماً واسع النطاق، فالأستاذ «عباس محمود العقاد» فى غيابة السجن من منتصف أكتوبر، وستنظر قضيته فى الثامن من ديسمبر ويكون قد مضى فى الحبس الاحتياطى زهاء الشهرين.
والزميل الفاضل مخبر جريدة مصر هو فى السجن أيضاً ولا ينتظر أن تعرض قضيته قبل دور يناير، فيقيم هو الآخر زهاء هذه المدة!
ومن قبلهما مضى الأستاذ «على شاهين» محرر النجوم ما يقارب هذه المدة فى الحبس الاحتياطى ولم يحكم عليه إلا بغرامة، فإذا رأى القضاء غداً أن يحكم بالغرامة على الزميلين الأخيرين، هذا إذا لم يصدر حكمه بالبراءة، فأى عوض تستطيع النيابة أن تقدمه لقاء هذه الأسابيع التى قضوها فى السجن دون مبرر أو مسوغ؟!
فإذا انتقلنا إلى غير جرائم النشر، وجدنا النيابة تطبق هذا الحق فى أوسع معانيه فى قضايا أخرى شغلت ولاتزال تشغل الرأى العام، ونضرب مثلا قضيتى حادثة القطار وبلبيس وأخيراً قضية محفوظ باشا.
ومضت افتتاحية الصرخة إلى أن كتبت تقول:
قلنا إن حق النيابة فى الحبس الاحتياطى أحاطه القانون بسياجات شتى وقد رأينا كيف حاولت النيابة أن تتملص من هذه القيود طوراً بادعائها سرية التحقيق والمط فيه، وحرمان الدفاع من حقه فى الاطلاع على محاضر النيابة، كما فعلت فى قضية القطار وقضية محفوظ باشا أيضاً، وطوراً بسرعة إنهاء التحقيق وإحالة المتهم على المحكمة فوراً كما فعلت فى قضية الأستاذ «العقاد» فهى تتخذ لكل حال لبوسها!
بقيت أسطر قلائل لعلك تسمح أن نسألك فيها أن تقارن بين تصرفات النيابة هذه، وبين تصرفاتها فى عهد وزارة الشعب الأخيرة، فقد قدم إليها صحفى بثمانى وثلاثين تهمة بعضها موجه من وزراء، وبعضها من إدارة الأمن العام نفسها، ومع ذلك لم تجد فى هذا ما يستدعى حبس هذا الصحفى أو إزعاج خاطره، وسرعان ما اعتزلت وزارة الشعب الحكم حتى طويت أكثر هذه البلاغات وكان نصيبها الحفظ.
فإذا سألنا بعد ذلك إذا كانت لاتزال للعدالة حرمتها فى هذا البلد نكون مغالين أو مسرفين فى القول والسؤال؟!
ومن أخطر الرسوم الكاريكاتيرية التى نشرتها مجلة الصرخة كان غلاف العدد 24 فى 13 مايو سنة 1391 وفيه رئيس الوزراء «صدقى باشا» يسأل: إيه رأيك ياوزير الحقانية فى التهم اللى نازلة علينا من كل ناحية؟! فيرد عليه وزير الحقانية قائلاً: خليك مثلى ثقيل وأعمل ودن من طين وودن من عجين!!
ولاتزال معركة الدستور مستمرة!

غلاف الكتاب
عبد العزيز فهمي باشا
روز اليوسف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.