عندما علمت باتجاه وزارة الصحة لرفع أسعار عدد من الأدوية الأساسية قلت: وكأن ثورة لم تقم ونظاماً لم يتغير.
نفس الأفكار والسياسات بل ونفس المبررات.. وكل ما تغير هو اسم وزير الصحة الموقع على قرار زيادة أسعار الأدوية من «حاتم الجبلى» إلى «فواد النواوى» واسم مهندس الزيادة ومعدها رئيس الإدارة المركزية للصيدلة من «أشرف بيومى» إلى «محسن عبدالعليم».
فرغم إعلان رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على مصر بعد ثورة يناير 1102 ومنهم بالطبع د.كمال الجنزورى رئيس الوزراء الحالى بعدم تحميل المصريين أية أعباء معيشية جديدة خاصة مع تردى الوضع الاقتصادى حتى إن الجنزورى رفض أكثر من مرة اقتراحا برفع أسعار البنزين والسولار رغم الأزمات المتكررة فيهما، لكن د.فؤاد النواوى وزير الصحة وبتأثير من د.محسن عبدالعليم رئيس الإدارة المركزية لشئون الصيدلة والدواء لا يعترفان بتوجيهات رئيس الوزراء ويتجهان إلى زيادة أهم سلعة استراتيجية وهى الدواء تحت ادعاء أن أصناف الأدوية المطلوب زيادة أسعارها تتسبب فى خسائر للشركات المنتجة لزيادة تكلفة إنتاجها وتدنى أسعار بيعها فى الصيدليات حتى إن بعضها لا يتعدى سعره 02 قرشا وذلك كما صرح عبدالعليم لجريدة الشروق الأسبوع الماضى.
الغريب أن ما قاله رئيس الإدارة المركزية للصيدلة الحالى فى تبريره لزيادة أسعار الأدوية يتطابق تماما بل وبنفس الألفاظ والكلمات مع ما كان يردده رؤساء قطاعات الصيدلة والدواء لوزراء صحة نظام مبارك منذ عام 2002 خاصة حاتم الجبلى آخر وزير صحة للنظام المخلوع، فكل مرة كانوا يرفعون فيها سعر الأدوية كان المبرر أن الزيادة تستهدف الأنواع التى تخسر ولا يزيد سعرها فى الأسواق عن جنيه واحد وفى كل مرة تجد الزيادة شملت أصناف أدوية أخرى ليست لها علاقة بالأصناف التى يتم الحديث عنها سواء من حيث السعر أو جهة الإنتاج، لسبب بسيط أن الأدوية التى يقولون إن سعرها أقل من سعر علبة المناديل الورقية وتتراوح بين 02 قرشا و 59 قرشا كانت تنتجها شركات الأدوية التابعة للدولة ممثلة فى شركات قطاع الأعمال العام والتى تضمها جمعيا الشركة القابضة للأدوية ولم تعد هذه الشركات تنتج تلك الأدوية منذ أكثر من 01 سنوات، وبالتالى لم تعد تباع فى الصيدليات وقامت الشركات بإنتاج أصناف مشابهة بأسماء أخرى وأسعار أعلى، وظلت بعض أسماء الأدوية القديمة موجودة على الورق رغم عدم إنتاجها وطرحها فى الصيدليات فى الواقع، وتستخدم فقط فى تبرير زيادة أسعار الأصناف الأخرى التى تريد شركات الأدوية سواء الخاصة أو الحكومية أو الأجنبية التى تمثل فروعا لشركات الأدوية العملاقة متعددة الجنسية زيادة أرباحها منها على حساب المريض المصرى الذى لا يجد من يحميه ويقف بجواره فى هذا البلد.
وإلا فليقل لنا الدكتور محسن عبدالعليم أسماء الصيدليات التى تبيع أصناف الأدوية أم 02 قرشا و05 قرشا.
ونذكر سيادته بأن آخر دواء كان يباع ب 59 قرشاً اسمه «لانوكسين» وكان يعالج ضعف عضلة القلب، وتم التوقف عن بيعه فى الصيدليات منذ عام 0002 بادعاء رخص سعره وقتها، ولم يرجع للصيدليات إلا فى عام 2002 عقب رفع سعره إلى 51 جنيها بقرار من د.عوض تاج الدين وزير الصحة وقتها.. ونرجو من د.محسن عبدالعليم أيضا ألا يفعل مثل حاتم الجبلى وزير الصحة المخلوع عندما كان يتكلم عن رخص أسعار أدوية غير موجودة فى الصيدليات ثم يقوم برفع أسعار أدوية أخرى مرتفعة السعر أصلا حتى إن ال 5 سنوات التى قضاها وزيراً للصحة كان يرفع فيها أسعار الأدوية كل عام تقريبا حتى قال بعض خبراء الدواء إن الجبلى رفع أسعار الأدوية ل 02 سنة قادمة ولا يمكن لشركات الأدوية أن تطلب أى زيادة للأسعار إلا بعد مرور هذه الفترة الطويلة.
رغم أنه أعلن فى بداية توليه الوزارة فى أول يناير 6002 «إن أسعار الأدوية الأساسية ستظل كما هى»، لكن ما حدث أن صاحب أكبر المشروعات الاستثمارية الكبرى فى مجال الصحة «دارالفؤاد إحداها» والذى تحكم فى مصير وزارة الصحة فى إطار خطة جمال مبارك لبيع جميع الخدمات والمرافق فى مصر.. قام بزيادة أسعار جميع الأدوية الأساسية التى تعالج أمراض الباطنة والسكر والضغط والعظام والقلب بالإضافة إلى جميع المضادات الحيوية، حتى وصل عدد أنواع الأدوية الأساسية التى قام حاتم الجبلى برفع أسعارها إلى أكثر من 005 صنف دوائى بنسب تتراوح بين 53 و57٪ وأحيانا001 ٪، ووصل الأمر إلى أن دواء مثل «الأماريل» الخاص بمرض السكر زاد سعره أكثر من مرة «كل عام تقريبا» وأحيانا أقل من عام، أيضا زادت أسعار أدوية ديا ميكرون ودوائيل الخاصة بنفس المرض بنسبة 05٪.
وهو الحال أيضا مع أدوية الضغط مثل «ناترلكس» و«ناترلكس SR» ممتد المفعول و«كابوتين» و«إيفوكس» بنسبة تتراوح بين 52 و 05 ٪، وأدوية القلب مثل «كاردكسين» و«كونكور» 5 جم و«كونكور» 01 جم، وكذلك عدد من المضادات الحيوية الأكثر استخداما مثل «أوجمنتين» 1 جم و«أوجمنتين» 526 مجم و«هاى بوتيك» و«فلومكس» الذى يعتبر أكثر المضادات شعبية و«دوكسيل»، بالإضافة إلى دواء «كلنييل» الذى يعالج الذبحة الصدرية، وتراوحت الزيادة فيها بين 02 و 06 ٪ .
∎ مسخرة زيادة الأسعار
ومن مسخرة زيادة أسعار الأدوية فى عهد الجبلى أنها شملت أصناف الدواء التى تنتجها جميع الشركات فى مصر سواء الحكومية التابعة لقطاع الأعمال أو الخاصة أو تلك التى تمثل فروعا لشركات عالمية كبرى، وكلها أدوية لم يكن صنف واحد فيها يباع ب 02 قرشا أو حتى ربع جنيه!
وكانت مبررات شركات الأدوية فى طلب زيادة أسعار هذا الكم الكبير من أصناف الدواء ومبررات حاتم الجبلى فى الموافقة عليها أن الدولة لم تعوض تلك الشركات عندما ارتفع سعر الدولار من 043 قرشا إلى 6 جنيهات، رغم أن أسعار الأدوية لم تتوقف عاما واحدا عن الزيادة فى ظل نظام فاسد كانت مصلحة شعبه ومرضاه هى آخر ما يفكر فيه، وكان سعر الدولار هو أحد التبريرات المغلوطة وغير الصحيحة التى يلجأ إليها لرفع أسعار الأدوية الأساسية الضرورية لملايين المرضى، ومعها ارتفاع أسعار المادة الخام فى الخارج، رغم أن الدولار لم يصل سعره إلى 6 جنيهات إلا فى العام الماضى فقط وبعد قيام ثورة يناير، والمادة الخام ارتفع سعرها ثم انخفض بعد ذلك، لكن شركات الأدوية والمتعاطفين وربما المتواطئين معها فى وزارة الصحة فى ظل النظام البائد قبل الثورة منحوها الزيادة الكبيرة مقدما رغم أنهم يعلمون جيدا أن المعادلة الرياضية التى تقوم لجان التسعير بالوزارة بتحديد أسعار الدواء على أساسها فى مصر ليس لها علاقة بارتفاع أسعار المادة الخام والدواء، حيث تقدم شركات الأدوية لوزارة الصحة تكلفة المنتج النهائى لنوع الدواء المراد تسعيره، فتضربه الوزارة فى أربعة كهامش ربح للشركة، فمثلا إذا كانت تكلفة الدواء 51 جنيها يصبح السعر الذى يباع به فى الصيدليات 06 جنيها، لذلك فأى زيادة فى الدولار أو المادة الخام لا تؤثر بدرجة ملحوظة فى الربح النهائى لهذه الشركات!
∎ لغز محاباة الشركات
لذلك مطلوب من وزارة الصحة مراجعة اتجاهها برفع أسعار الأدوية، حيث لا توجد أية مبررات لهذه الزيادة فى الوقت الحالى ومستقبلا أيضا بعد أن حقق لها حاتم الجبلى زيادات غير مسبوقة فى الأعوام الأخيرة، وبلاش حكاية أن الزيادة ستشمل فقط الأدوية التى يبلغ سعرها 02 قرشا و03 قرشا و05 قرشا، لأنه ببساطة لا توجد أية أدوية تباع بهذه القروش فى الصيدليات منذ 01 سنوات، إلا إذا كانوا يقصدون الأسبرين وقرص الفوار!
كما أن تصريحات د.محسن عبدالعليم بزيادة أسعار أدوية القروش التى يعتبرها أساسية لتشجيع الشركات على الاستمرار تتناقض مع تصريحات قيادات وزارة الصحة أكثر من مرة بعدم الاقتراب من الأدوية الأساسية للمرضى المصريين والتى تقدرها وزارة الصحة بأكثر من 004 صنف دواء.
كذلك نريد أن يعلن د.فؤاد النواوى وزير الصحة موقفه من مطالبة شركات الأدوية التى يدرسها حاليا قطاع الصيدلة والدواء بالوزارة بأن توافق وزارة الصحة على زيادة أسعار جميع الأدوية بنسبة 5٪ سنويا حتى تمر الزيادة بصورة هادئة دون ضجة أو معارضة فلا يشعر بها الرأى العام ولا يقف أمامها، كما يحدث كل مرة.
والسؤال الأخير لمحسن عبدالعليم: لماذا يستمر قطاع الصيدلة والدواء فى نفس السياسات المحابية والمؤيدة لشركات الأدوية كما كانت أيام حاتم الجبلى وكأن ثورة لم تقم ووزيراً ومعه نظام لم يتغير، وإذا كنا نفهم حدوث ذلك فى عهد د.أشرف بيومى الذى كان يعمل عند «العزبى» قبل رئاسته لإدارة الصيدلة والدواء وكذلك د.كمال صبرة الذى يملك حصة حاكمة فى شركة «إيمك» للأدوية وصيدليات «دلمار» قبل أن يعينه الجبلى مساعدا للوزير لقطاع الصيدلة، فما أسباب انحيازك لشركات الأدوية، نحن نعلم أنك جئت لمنصبك من خلفيات نقابية.. فهل توجد خلفيات أخرى لا نعلمها