شهد الرئيس حسني مبارك أمس احتفال مصر بعيد القضاء المصري، الذي أقيم بدار القضاء العالي بوسط القاهرة. واستهل الرئيس مبارك حضوره الاحتفالية بعقد اجتماع موسع مع أعضاء المجلس الاعلي للقضاء، استمر نحو ساعتين.. ثم انتقل الي قاعة المستشار عبد العزيز باشا فهمي رئيس محكمة النقض الاسبق، وهي كبري قاعات محكمة القضاء العالي التاريخية، حيث التقي بشيوخ وشباب وشابات القضاة. في بداية الاحتفال شاهد الرئيس فيلما تسجيليا حول تاريخ القضاء المصري وتطور مؤسساته منذ العهد الفرعوني حتي الآن مرورا بعصر محمد علي واستعرض تاريخ مبني دار القضاء العالي الذي صمم علي الطراز الإيطالي. ثم ألقي الرئيس مبارك كلمة، حيا فيها دور القضاء المصري الشامخ ، وأعرب عن تقديره للدور الذي يقوم به سدنة العدالة في حفظ الحقوق والدستور، مؤكدا حرصه علي تعزيز استقلال القضاء كأحد أهم مسئولياته منذ توليه المسئولية. وشدد الرئيس في كلمته علي تمسكه بإعلاء سيادة القانون، مشيرا إلي اعتزازه بالقانون الذي صدر في بداية توليه المسئولية بإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلي بعد المحنة التي تعرض لها القضاء المصري عام 1969 .. منتصرا لاستقلال القضاء والقضاة. شهد الاحتفال رؤساء مجالس الوزراء والشعب والشوري وعدد من الوزراء ومحافظو القاهرة والقليوبية والشرقيه ورئيسا اللجنة التشريعية بمجلسي الشعب والشوري. وفيما يلي نص كلمة الرئيس مبارك خلال الاحتفالية: السيد المستشار الدكتورسري صيام رئيس محكمة النقض.. ورئيس مجلس القضاء الأعلي.. القضاة الأجلاء.. الأخوة والأخوات.. يسعدني أن التقي بكم في هذا الصرح الشامخ.. وأن أتحدث إليكم من منبر دار القضاء العالي.. رمزا شاهقا لسيادة القانون واستقلاله.. ولهيبة القضاء والقضاة. لقد سبق ان شاركت قضاة مصر.. واحتفالهم بمناسبتين هامتين. تحدثت إليهم من منبر (المحكمة الدستورية العليا).. بمناسبة مرور اربعين عاما علي إنشاء قضاء مصر الدستوري.. ثم تحدثت إليهم من فوق هذا المنبر.. احتفالا باليوبيل الفضي لعودة مجلس القضاء الاعلي.. وجاءت مشاركتي في كلتا المناسبتين.. إدراكا لما تحملانه من دلالات هامة للقضاء المصري العريق.. وتأكيدا لما نحمله جميعا من مشاعر التوقير والتقدير.. لصروحه العظيمة وقضاته الاجلاء. وانطلاقا من ذات الدلالات والمشاعر.. فقد بادرت الي الاستجابة لمطلب مجلس القضاء الاعلي.. أن نقيم احتفالا سنويا بعيد القضاء.. تأكيدا للمكانة الرفيعة لسدنة العدل.. وللرسالة السامية التي يحملون أمانتها.. والمسئولية التي ينهضون بأعبائها بشرف وإخلاص وتجرد. انني إذ اشارككم الاحتفال بالعيد الاول للقضاء.. أتوجه بالتهنئة لقضاة مصر.. وشيوخهم الاجلاء وشبابهم وشاباتهم وأعبر عن الاعتزاز والتقدير لدورهم وعطائهم.. فهم يحملون رسالة العدل.. ويأتمنهم ابناء الشعب علي أنفسهم واعراضهم واموالهم.. يلوذون بهم سعيا للحق والإنصاف.. يستوي أمام منصاتهم العالية.. الغني والفقير والقوي والضعيف.. لا يرهبون أحدا لقوته.. ولا يخذلون ضعيفا لقلة حيلته.. لا رقيب أو سلطان عليهم سوي ضمائرهم.. يجتهدون في تطبيق صحيح القانون ويستلهمون ما أرسوه من تقاليد راسخة.. وقيم ومبادئ رفيعة. وفضلا عن ذلك.. فإن قضاة مصر حصن حصين لشعبنا.. في مواجهة الإرهاب والتطرف. يسهمون بأحكامهم في حماية أمن الوطن وسلامه الاجتماعي.. كما يسهمون في ترسيخ مبدأ المواطنة.. فلا فارق امام منصاتهم بين قبطي ومسلم.. يعلمون أن دستورنا منذ دستور عام 1932 كفل حرية العقيدة.. وحرية اقامة الشعائر الدينية باعتبارهما قسيمين لا ينفصلان.. ويعلمون أن مظلة العدالة مكفولة لجميع المصريين.. مسلميهم واقباطهم. القضاة الأجلاء.. الإخوة والأخوات.. لقد اكدت أحكام الدستور ان السيادة للشعب.. وانه مصدر جميع السلطات.. ويأتي احتفالنا اليوم بأعضاء السلطة القضائية.. تاليا للقائي بنواب الشعب أعضاء السلطة التشريعية.. ولحديثي إليهم الشهر الماضي في الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشوري.. في مستهل الدورة البرلمانية الجديدة.. والفصل التشريعي الجديد. ان كلا اللقاءين.. يؤكدان ما أحمله من التوقير والاعتزاز .. لأعضاء السلطتين التشريعية والقضائية.. وللدور الهام الذي يضطلعون به في الرقابة والتشريع.. واعلاء كلمة الدستور والقانون.. وتأكيد استقلال القضاء. لقد رسخ دستورنا مبدأ الفصل بين السلطات.. وجاءت التعديلات الدستورية عام 2007 لتؤكد هذا المبدأ.. ولتضفي قدرا اكبر من التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.. ولتضيف مزيدا من التعزيز للسلطة القضائية واستقلال القضاء. وكما تعلمون.. فقد التزمت منذ تحملي المسئولية باحترام الفصل بين السلطات.. وحرصت علي ان أنأي بالقضاء عن شبهة التأثير في أحكامه.. أو مظنة التدخل في أعماله.. كما حرصت علي صون استقلال السلطة القضائية التي تتولاها المحاكم.. علي اختلاف انواعها ودرجاتها.. وتمسكت منذ اليوم الأول بسيادة القانون.. عن اقتناع وايمان ويقين. لقد حاز القضاء المصري مصداقيته ومكانته.. عبر مسيرة طويلة وتاريخ عريق.. منذ بدء التقاضي امام المجالس الأهلية عام 1875 وإنشاء المحاكم عام 1883 مرورا بإنشاء محكمة النقض عام 1931 والمحكمة العليا عام 1969 والمحكمة الدستورية العليا عام 1979 . سيبقي هذا التاريخ العريق للقضاء المصري.. علامة مضيئة لما حققته مصر منذ القرن التاسع عشر.. وسيظل محلا لمشاعر المباهاة والفخر الوطني لشعبها. إنني إذ أشارككم احتفال اليوم.. أعتز كل الاعتزاز بالقانون الذي صدر في سنوات ولايتي الاولي عام 1984 بإعادة مجلس القضاء الأعلي.. وأزال المحنة التي تعرض لها القضاء المصري عام 1969 انتصارا لاستقلال القضاء.. وضمانا لحصانات القضاة.. بما في ذلك حصانات اعضاء النيابة العامة.. ولأول مرة منذ إنشائها عام 1883 . لم يكن ذلك نهاية المطاف.. فقد خطونا خطوة كبيرة عام 2006 نحو المزيد من تدعيم استقلال القضاء.. بتعديل هام لقانون السلطة القضائية.. عزز من صلاحيات مجلس القضاء الاعلي واختصاصاته.. ليضع امور القضاء بين ايدي القضاة.. ولتكون شئون القضاة مسئولية شيوخهم الأجلاء. القضاة الأجلاء.. الإخوة والأخوات .. تذكرون حديثي اليكم في احتفالنا باليوبيل الفضي لعودة مجلس القضاء الأعلي.. وتذكرون ما أكدته وأعاود تأكيده.. حول استقلال القضاء، إن الحفاظ علي استقلال السلطة القضائية لا يكون في مواجهة غيرها من السلطات فحسب.. وإنما يتعين الدفاع عنه في مواجهة أي مساس بحياد القضاء ونزاهته.. وأي تصرف ينال من تجرد قضاته ومصداقيتهم. لقد استطاع القضاء المصري.. بتراثه القانوني الراسخ.. وتقاليده العريقة.. وخبرة فقهائه وشيوخه.. أن يتسامي عن الانغماس في أعمال السياسة.. والمصالح الضيقة للأفراد والجماعات.. كما أن الحكمة تقتضي أن تظل شئون القضاء بيد القضاء والقضاة.. ولا يصح ان تكون محلا لسجال أجهزة الإعلام.. أو لتصرفات تنزلق بقضاة مصر.. لما ينال من وقارهم وهيبتهم وكرامتهم. إن ثقة الشعب دون حدود.. في هذا الصرح المصري الشاهق وأبنائه الإجلاء.. وأخطر ما يهدد هذه الثقة تناول الإعلام للقضايا المنظورة أمام القضاء.. سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة.. لما لذلك من تأثير في تشكيل انطباعات مسبقة لدي الرأي العام.. قد لا تتفق بالضرورة مع ما يصدره القضاء من أحكام.. وفق صحيح القانون. وفي هذا السياق.. وانطلاقا من اعتزازي بقضاء مصر وقضاتها.. فإنني أعبر عن تقديري للقرارات التي اتخذها مجلس القضاء الأعلي.. وفقا لأحكام المادة 169 من الدستور.. ليحفظ للقضاء مهابته.. وللقضاة مكانتهم الرفيعة.. ولينأي بهم عن أي تأثير للإعلام في أحكامهم. القضاة الأجلاء.. الإخوة والأخوات.. لقد قطعنا شوطا طويلا لتعزيز بنيتنا الدستورية والتشريعية.. ولتعزيز استقلال القضاء.. أرسي دستورنا مفهوم المواطنة.. ونحن ماضون في العمل علي ترسيخه.. قولا وعملا وسلوكا وتشريعا وقضاء.. كما أكدت أحكام الدستور تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات.. بما في ذلك الحق في التقاضي.. نسعي لتحقيق العدالة الناجزة.. مقتنعين بأن العدالة البطيئة تورث الإحساس بالمرارة لدي المواطنين.. ومتطلعين للمزيد من جهود قضاتنا.. للتعجيل بالفصل في القضايا.. كي ينال كل ذي حق حقه.. ولكيلا يطول انتظار المتقاضين.. أو تطول معاناتهم. إنني أتوجه لقضاة مصر من هذا المبني العريق.. أن يولوا هذه القضية ما تستحقه من اهتمام وعناية.. فنحن جميعا نعمل من أجل أبناء هذا الشعب.. كل في موقعه.. وكل بحسب مسئوليته.. وهذا هو موقعكم.. وإنني علي ثقة من قدرتكم علي النهوض بها علي الوجه الأكمل. سيظل قضاء مصر حصنا حصينا للعدالة والدستور.. وسيظل قضاته بمكانتهم الرفيعة موضع فخر مصر والمصريين. تحية لقضاء مصر في عيد القضاء.. تحية لسدنة العدل والقانون.. تحية لشيوخ القضاء المصري الأجلاء.. ولشبابهم وشاباتهم.. لكم صادق تقديري وتمنياتي.. كل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.