كيف تعامل تليفزيون الدولة والفضائيات الخاصة مع العملية الإرهابية أمام كنيسة القديسين في الإسكندرية؟ سؤال تبدو إجاباته في غاية الأهمية، لأننا أمام كارثة وطنية حاول الكثيرون إلباسها ثوبا طائفيا، ومن ثم تحولت معظم المعالجات التليفزيونية إلي مشهد جزئي يركز علي محاولة إحياء الوحدة الوطنية، وتناوبت البرامج عشرات المثقفين والسياسيين والفنانين، لإصدار بيانات إدانة وإقتراح مقترحات من نوعية رفع ريات سوداء أو الاحتشاد في الكنائس لحضور قداس عيد الميلاد. في التعامل الإعلامي مع الحادث يجب التوقف أمام وسيلتين الأولي: هي التغطية الخبرية للحادث وتداعياته، وفي هذا الصدد أعلم أن وزير الإعلام أنس الفقي كان في مكتبه في وزارة الإعلام في الواحدة صباحا أي بعد أقل من أربعين دقيقة، من العملية الإرهابية، وبالتالي أدي ظهور الوزير في مكتبه، واتصاله بجميع المسئولين في وزارته إلي تحول وزارة الإعلام إلي خلية عمل انعكست علي أداء قناة النيل للأخبار التي قدمت تغطية خبرية مميزة، وظلت حتي ساعات الصبح الأولي مصدرا رئيسيا للفضائيات الإخبارية العربية والعالمية التي نقلت عن قناة النيل للأخبار. أما الوسيلة الثانية: فهي البرامج الإخبارية والتوك شو، التي يفترض منها الانتقال من الخبر إلي التحليل العميق، وتوصيل الرسالة الحقيقية للمواطنين كافة وهي أننا بصدد عملية إرهابية تستهدف الوطن، حتي وإن وقعت أمام كنيسة، وكان ضحاياها من المسيحيين أكثر بكثير من المسلمين. وقد لاحظت بمزيد من الأسف أن معظم البرامج التليفزيونية في الفضائيات الخاصة كانت أشبه ب "مولد وصاحبه غائب"، فهي إما "مندبة"، أو أغرقت في الطائفية، وتحليل العلاقة بين عنصري الأمة، واستعراض ما يشكو منه الأقباط.. وهو ما نعرفه جميعا ولا نقبله.. لكن لم يكن هذا آوان بحثه. وأعتقد أن جميع الفضائيات الخاصة دون استثناء لم تكن علي قدر الحدث، ولم تستطع توصيل الرسالة الإعلامية المفترضة في مثل هذه الأحداث والمصائب التي تضرب الوطن بأكمله.. وحولته إلي موضوع طائفي بامتياز، حتي أن تعرض مصر لهجمة إرهابية جديدة لايزال مجهولا، وبالتالي لا يعرف أحد متي ستضرب، وكيف وأين سقط من المعالجات التليفزيونية؟ ومع ذلك لا بد من الإشادة ببرنامجين مهمين وسط هذا الغث، الأول ثلاث حلقات من برنامج «ملف خاص» لرئيس قطاع الأخبار عبد اللطيف المناوي علي شاشة القناة الأولي، استضاف فيها مكرم محمد أحمد وعبد المنعم سعيد ومصطفي الفقي وسمير مرقص ودار الحوار مع الأربعة في حلقتين بمنتهي الموضوعية وتحمل المسئولية وهو ما ظهر جليا من إجابات الضيوف.. إضافة إلي اللقاء الخاص مع البابا شنودة الذي أذيع مساء أول أمس وهدأ كثيرا من نفوس الإخوة المسيحيين الغاضبين. البرنامج الآخر الذي كان مميزا جدا هو حلقة مساء الاثنين من برنامج «مصر النهارده» علي شاشة الثانية، والتي بدأ فيها خيري رمضان يقول كلاما مختلفا ويدلف مباشرة إلي صلب القضية، وليس إلي هوامشها، مع إعداد متميز أشرف عليه حازم منير وعمرو الخياط. في المجمل كان التليفزيون "الحكومي" علي قدر المسئولية، يتحرك وفقا لسياسة عامة صيغت بعناية ووعي، وطني، وسياسي، وإعلامي، بينما ظلت الفضائيات الخاصة تتسم بقدر كبير من العشوائية وغياب الثقافة السياسية، رغم النوايا الطيبة!