عنوان هذه المقالة كان هو عنوان مقالة يكتبها يوميا يوسف السباعي - رحمه الله.. كان يقصد بها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر.. طبعًا اتهم السباعي بالرياء وغيره.. وأنا لا أعرف عن سيرة يوسف السباعي الكثير كي أحكم عليه. كل ما أعرفه هو واقعة اغتياله في قبرص وأنه كان ضابطًا في الجيش، وكان كذلك أديبًا ولم أقرأ له الكثير لأنني سافرت إلي ألمانيا ولم أعد إلي مصر إلا بعد اغتياله ولم أقرأ له سوي روايتين «إني راحلة» وقرأتها بعد مشاهدة فيلم «إني راحلة» بطولة مديحة يسري وعماد حمدي والحقيقة أعجبني هذا الفيلم وكان مؤثرًا جدًا.. ثم بعد ذلك أعطتني خالتي رواية للسباعي اسمها «أرض النفاق» أضحكتني لأكبر درجة من السخرية الجميلة التي تصل بمستوي القصة إلي قصص «جورج أورول» في كتبه السياسية الساخرة. الحقيقة والدي اللواء صلاح النشائي كان لا يرتاح ليوسف السباعي، ولا أعرف تمامًا لماذا؟ وفات الوقت كي أسأله عن السبب وربما كان ذلك بسبب حب يوسف السباعي لجمال عبدالناصر الذي كان والدي يظنه مفرطًا.. علي الرغم من أنني كنت أحب جمال عبدالناصر علي الأقل ألف مرة أكثر من يوسف السباعي بكل تأكيد. الحقيقة كنت متأكدًا أني مستعد للقيام بأي مهمة عسكرية انتحارية مائة في المائة ما دام الأمر من جمال عبدالناصر رئيس جمهورية مصر والرجل الذي كان في نظري في ذلك الوقت وأنا لم أتجاوز الثالثة عشرة من عمري أقول الرجل الذي أعاد للعرب العزة والكرامة. هذه كلها ذكريات عفي عليها الدهر وسلف وها أنا عجوز كهل يناهز السبعين من العمر وأكبر كثيرًا في السن من جمال عبدالناصر ووالدي ويوسف السباعي في هذا الوقت لماذا أذكر كل ذلك؟ مع السن يميل الإنسان للاستطراد في الحديث ثم ينسي قليلاً الفكرة الأساسية.. نعم تذكرت الآن.. أعترف أني كل مرة أري فيها السيد رئيس الجمهورية وهو يدير شئون مصر الداخلية والخارجية أشعر بالراحة كما لو كنت أقول له فعلا أهلاً.. الإنسان في سني يشعر كثيرًا بالقلق.. الغريب أني لا أشعر بالقلق علي نفسي أنا أشعر بالقلق علي عائلتي وعلي بلدي مصر. قد يبدو الموقف متناقضًا ها أنا بدأ العد التنازلي لي شخصيا، ولذلك أريد أن أتأكد أن الحياة سوف تستمر علي هذا الكوكب ولن يقضي عليه في حرب عالمية بالأسلحة الذرية. أريد أن أتأكد أن مصر سوف تستمر في الازدهار وتستعيد مكانتها العليا بين الدول.. أريد أن أضمن الأمان لأولادي وأولادهم وأولاد أولادهم.. سبحان الله هذا كله كي أفارق هذه الدنيا وأنا مرتاح البال.. أنا متأكد أني سوف أرتحل إلي عالم أفضل كثيرًا من هذه الدنيا، ولكن علي الرغم من ذلك أريد أن أتأكد أن هذا العالم سوف يستمر وأن يأخذ أبنائي وأبناء وطني فرصتهم في الحياة إلي أن تحين الساعة للكون وبأمر من الله فقط، وليس من تهور المتهورين من مخابيل السياسة أمثال آدولف هتلر وبوش الابن وما أكثر أمثالهم في هذا العصر، هل هذا تطرف مني؟. لا أعتقد.. أتذكر في مسرحية «العم فاينا» للكاتب الروسي العبقري «تشيخوف» أن أحد أهم شخصيات المسرحية كان مهتمًا بالبيئة في هذا الوقت لدرجة أنه كان يزرع شجرة كل حين وآخر ليشعر عندما تأتيه المنية أنه ساهم في بقاء الإنسانية. كان هذا هو أيضا شعور «برنارد شو» وكذلك «لورد برتراند رسل» عندما اشتركوا في حركة نزع السلاح النووي.. وكان هذا شعوري عندما حاولت أنا وزميلي الأستاذ الدكتور إتمار بروكاتشا العالم الكبير من معهد ويزمان في إسرائيل أن نجبر الحكومة الإسرائيلية علي عقد معاهدة حقيقية ومبنية علي العدالة للسلام بين فلسطينالمحتلة وإسرائيل ولكن هيهات. في كل هذا الجو النفسي والسياسي لا أجد شيئًا ينم علي الاستقرار والأمان والعقل والرصانة علي الساحة السياسية العالمية بالنسبة لي شخصيا سوي صورة رئيس جمهورية مصر العربية فأقول له من قلبي "أهلاً وألف أهلا".