تعد منظمات المجتمع المدني عناصر فاعلة و قنوات مهمة في تقديم الخدمات الاجتماعية وتنفيذ برامج التنمية حيث تلعب خبرات المجتمع المدني وتجاربه دوراً متمماً للعمل الحكومي. ويشير مصطلح المجتمع المدني إلي مجموعة كبيرة من المنظمات غير الحكومية والمنظمات التي لا تهدف إلي الربح ولها وجود في الحياة العامة، وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها ، استناداً إلي اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية، أو خيرية. وترجع أهمية المجتمع المدني في مصر لما يمكن أن تقوم به مؤسساته من دور في تفعيل مشاركة عدد أكبر من المواطنين في تقرير مصائرهم والتفاعل مع السياسات التي يمكن أن تؤثر إيجاباً علي حياتهم، لذا تسعي مؤسسات المجتمع المدني في مصر إلي خلق دور مؤثر وفعال في المجتمع يهدف إلي التنمية مع وجود علاقة متوازنة بينها وبين الحكومة أساسها الاحترام المتبادل. ولا يقتصر دور منظمات المجتمع المدني، سواء أكانت نقابات مهنية أو أحزابًا سياسية أو منظمات مجتمع مدني، علي ما تقوم به من تقديم خدمات لشرائح بعينها داخل المجتمع. اليوم أصبح المجتمع المدني يحمل علي عاتقه مسئوليات أكبر، ولعل من أهمها نشر وتفعيل ثقافة السلام الاجتماعي، حيث يعد السلام في مقدمة القيم الإنسانية الرفيعة التي يهدف إلي نشرها أي مجتمع حضاري. لذلك كان من الطبيعي أن يولي المجتمع المدني اهتماما خاصا بعملية بناء ونشر ثقافة السلام الاجتماعي من خلال دعم ثقافة الحوار وتبادل الرؤي والأفكار بما يضمن استقرار الوطن وتقدمه لاسيما وقد أصبح المجتمع المدني أحد أهم الركائز التي يقوم عليها أي مجتمع يتطلع إلي التقدم والرقي وبناء دولة ديمقراطية حديثة ترتكز دعائمها علي العدالة والمساواة وتؤمن بالتعددية دون أي تمييز بين أبنائها. في هذا الإطار عقد منتدي حوار الثقافات بالهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية، في الأسبوع الماضي، لقاء فكريا تناول "دور المجتمع المدني في دعم السلام الاجتماعي"، حضره عدد من المفكرين والمثقفين وأساتذة الجامعات وبعض علماء الدين الإسلامي ورجال الدين المسيحي، وافتتحه الدكتور أحمد ضياء الدين محافظ المنيا. وقد أشار الدكتور القس أندريه زكي - مدير عام الهيئة القبطية الانجيلية - إلي أنه كثيرا ما ينظر إلي المجتمع المدني بنظرة سلبية، نتيجة لبعض التصورات من بينها: أولا: أن المجتمع المدني يرتبط بقيم الحرية والتحررية في مواجهة الدولة. ثانيا: المجتمع المدني مهموم بالشئون الشخصية للفرد، بينما تركز الدولة علي الشئون العامة. ثالثا: التنظيمات الجديدة للمجتمع المدني مثل النقابات والاتحادات والمنظمات غير الحكومية تقف في مواجهة التنظيمات التقليدية الدينية والقبلية للمجتمع الأهلي. ولقد لعب المجتمع المدني دورا كبيرا في تحقيق المواطنة الديناميكية، والتي تتجاوز في تقديري المساواة، لتصل إلي العدالة من خلال ربط الحقوق السياسية بالحقائق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أنها تعزز التعددية عن طريق الانتماءات المتعددة ومؤسسات الهوية، ومن أهم سماتها: 1 - تجاوز المساواة نحو العدالة: حينما تنحصر المواطنة في المفهوم السياسي وحده، فهي لا تخلق مجتمع المساواة والتعددية، لكن المواطنة الديناميكية هي المفهوم الأشمل الذي يتجاوز عضوية الدولة والمشاركة السياسية، ليضم الحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. هذه الحقوق - وبالاستناد - إلي الديمقراطية هي التي تبني المجتمع المدني. ولتحقيق مواطنة ديناميكية فعالة، يلزم توافر عدد من القوانين، والمؤسسات أو المنظمات التي تقوم بتنفيذها، كذلك نوع من جماعات الضغط التي تحميها، وهذا يتوافر في منظمات المجتمع المدني التي تمتلك القدرة علي ذلك. 2 - تعزيز التعددية: يعاني عالمنا العربي من مشكلة وجود هوية واحدة تحظي بالشرعية، ألا وهي الهوية الدينية، وفي رأيي أن المجتمع المدني يمكن أن يساهم بشكل كبير ومباشر في إعادة هيكلة هذه الهوية، مما يساهم في خلق انتماءات وولاءات متعددة ينتج عنها هويات متعددة، وبالتالي يساهم في خلق نوع من التعددية علي أرض الواقع، تحد من الانتماء المطلق الواحد. 3 - الروابط بالدولة القومية: من أجل تيسير المواطنة الديناميكية، يجب علي المجتمع المدني أن يحافظ علي الارتباط والتوازن الحذر في علاقته بالدولة والدين. فالمواطنة لها صلة وثيقة بالدولة القومية التي هي من ثمار التحديث في العالم العربي. كما أن المجتمع المدني ليس معارضا للدولة والدين، لكنه يرتبط بعلاقة جدلية مع الدولة والدين. 4 - العلاقات المتبادلة: إذا كان المجتمع المدني هو الأرضية التي يمكن للأفراد والجماعات من خلالها تنمية هواياتهم الخاصة ومهارتهم الإبداعية التي تمكنهم من تحقيق المساواة والعدالة والوجود المستمر، فإن المواطنة الديناميكية كمفهوم تعني إعادة إنتاج هذه العملية ، ومنظمات المجتمع المدني هي الأدوات التي يمكن من خلالها تحقيق المساواة والعدالة والوجود المستمر.