أهداني مؤخراً ثروت الخرباوي المحامي والقيادي الإخواني السابق كتابه القيم (قلب الإخوان.. محاكم تفتيش الجماعة)، وهو تجربة شخصية تمثل شهادة حية عن الجماعة المحظورة وحولها.. خاصة أنها شهادة من الداخل بواحد تدرج في الجماعة حتي أصبح واحدًا من قادتها، والذي يحسب له.. أنه قد أسهم في الوصول للنجاح الذي حققته الجماعة المحظورة في السيطرة علي نقابة المحامين، ثم اختلف معهم بعد حبس زميله مختار نوح في قضية النقابات المهنية التي حكمت فيها المحكمة العسكرية سنة 2000، وهو ما ترتب عليه بداية الخلاف المعلن بين الخرباوي وقيادات الجماعة المحظورة وانفصاله عنهم سنة 2002 . ولقد جاء كتاب (قلب الإخوان) ليكشف الأحداث غير المعروفة تفاصيلها لسيطرة الجماعة المحظورة علي نقابة المحامين من خلال سرد العديد من القصص والأسرار بأسلوب أدبي وروائي شيق في شكل من أشكال كتابة التراجم الذاتية. يمثل كتاب الخرباوي نوعًا من كشف الحساب للجماعة المحظورة بتقييم رؤيتهم للدين والسياسة والعلاقة بينهما، ومن أهم ما طرحه الخرباوي في كتابه هو تأكيد اختطاف الجماعة لحساب تلاميذ ومريدي سيد قطب للتحول من العمل الدعوي إلي العمل السياسي.. وما ترتب علي ذلك من (عسكرة) الجماعة.. بشكل جعل المبادئ محصورة في التنظيم لا في الإسلام. ويعتبر أن عملية (عسكرة) التنظيم بعد رحيل المرشد عمر التلمساني أسهمت في اختفاء الطابع المدني للجماعة حسبما دعا إليه حسن البنا في رسائله.. وهو ما جاء علي حساب ترسيخ مبادئ السمع والطاعة المطلقة علي الفهم، ويؤكد الخرباوي أن الجماعة الآن هي امتداد للنظام الخاص بعد أن تحولت في عملها العام إلي تنظيم سري. تعمل الجماعة المحظورة في إطار من الخداع والتمويه حسبما يحلل الخرباوي.. الذي يري أنهم يعتبرون أنفسهم في حرب، والحرب خدعة، وبالتالي.. يستخدمون التمويه والمعاريض (التورية) واللجوء إلي العبارات والكلمات التي تحتمل أكثر من معني من أجل تحقيق أهدافهم الخاصة.. فنجدهم يزعمون احترام الدولة المدنية والمواطنة، بينما هم يرفضون تولي المرأة والمصري القبطي موقع الرئاسة ولا يساوون بين المواطنين. من أطرف ما جاء في الكتاب أن مصطفي مشهور الذي يشار إليه باعتباره مؤسس جماعة الإخوان الحالية - أو جماعة جيش الإخوان كما يصفها ثروت الخرباوي - قد كتب في أحد كتبه بالنص (نحن ضد الوطنية والقومية والليبرالية.. فهذه الأشياء ضد الإسلام)، ثم قال محمد مهدي عاكف بعد ذلك (طظ في مصر)، ثم قال عبد الرحمن عبد البر علي موقع "إخوان أون لاين" بعدم جواز التحالف مع غير المسلمين كالوطنيين والقوميين. يقول الخرباوي: رفضت الجماعة انتقاداتي المبصرة حيناً من الدهر، ثم اعترفت بها ضمنياً علي ألسنة بعض الكبار فيها حين ظهرت الخلافات بين الفريقين.. الفريق التابع لأفكار سيد قطب وبين الفريق التابع لأفكار حسن البنا. إن كتاب (قلب الإخوان) هو شهادة مهمة من داخل الجماعة المحظورة، وهو بمثابة مادة خام.. تحتاج إلي المزيد من التحليل.