وصلتني أمس إحدي النسخ الأولي من كتاب "قلب الإخوان محاكم تفتيش الجماعة" لمؤلفه ثروت الخرباوي، الذي حرص علي وضع عبارة "تجربة شخصية" علي غلاف الكتاب ليمنحه الكثير من المصداقية.. يستحقها الكتاب ومؤلفه. ثروت الخرباوي قيادي سابق بالجماعة، انتمي إليها خلال دراسته بكلية الحقوق جامعة عين شمس في منتصف السبعينيات، حيث كان قيادة طلابية، ثم قياديا بقسم المهنيين بالجماعة، وأحد رموز جيل الوسط الذي انشق عن الجماعة في منتصف التسعينيات، في محاولة لتأسيس حزب سياسي، يمثل هذا الجيل من الإسلاميين، الذين آمنوا بالإخوان، وانضموا إلي الجماعة، ثم ضاقوا ذرعا بالكثير من ممارساتها، واكتشفوا الفجوة بين الأفكار والتطبيق علي الأرض. ورغم أن الخرباوي خارج الإخوان الآن، وربما يصنف داخل الجماعة باعتباره أحد ألد خصومها، لأنه خرج عنها، مقررا إعمال العقل والمنطق، فإنه في إهداء المؤلف - قبل أن تقرأ الكتاب - حرص علي إهدائه لمؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا ويقول: "أظن أن البنا لو خرج من قبره لقطب جبينه في وجه القطبيين الذين أخرجوا الجماعة من سياقها"، وهو ما يكشف قبل أن تقرأ الكتاب عن أن الخرباوي يري أن الجماعة خرجت عن سياقها الذي رسمه مؤسسها الأول وسقطت في براثن أفكار سيد قطب، التي سيطرت علي الجماعة وأعادت تغيير مسارها. وقبل أن نصل إلي ما جاء في الكتاب من أفكار ومواقف تستحق العرض والتحليل أتوقف عند عبارة سمعها الخرباوي علي لسان المستشار مأمون الهضيبي المرشد العام الأسبق للجماعة قال فيها "نحن نتعبد لله بإعمال النظام الخاص للإخوان قبل الثورة".. كان ذلك عام 1992 في مناظرة بين المفكر الراحل فرج فودة الذي اغتاله إرهابيون محسوبون علي الجماعة الإسلامية بعد ذلك والهضيبي بعنوان "مصر بين الدولة المدنية والدولة الدينية". يقول الخرباوي في الصفحتين الحادية عشرة والثانية عشرة من كتابه: "مكثت وحيدا بالقرب من القاعة التي شهدت المناظرة أفكر في وقائعها وأحداثها.. لم يعجبني فكر فرج فودة الذي كان يبدو متحاملا علي تاريخ الإسلام والمسلمين.. إلا أن مأمون الهضيبي لم يعجبني أيضا.. طريقته في المناظرة كانت تحمل قدرا من التعالي والجفاء، وكان كل همه الدفاع عن تاريخ الإخوان ورجال النظام الخاص الذين حملوا السلاح قبل الثورة ونفذوا العديد من الاغتيالات (...). لم يستطع ثروت الخرباوي قبول ما قاله الهضيبي عن رجال النظام الخاص وبدأت التساؤلات الداخلية تسيطر عليه: "أي عبادة تلك التي قتلت مسلمين آمنين علي أنفسهم".. هكذا يبدأ ثروت الخرباوي رحلة المراجعة.. تلاشي وقع الكلمات الصاخبة، والإيمان المطلق بالتنظيم السري المغلق وبدأ العقل رحلته في البحث عن الحقيقة.. تلك الرحلة التي استمرت سنوات وقادته إلي الخروج والكتابة عما يحدث داخل الإخوان من شخص كان داخل هذا النظام المعقد جدا. ونواصل غدا