الحق - أنا لا أعرف - هل خرجت كل هذه الفرق الشابة من المسارح الرسمية وغير الرسمية إلي الطريق العام أم ولدت هذه المسارح فعلاً في الطريق العام؟ لقد عشنا سنوات طويلة ونحن الذين تعلمنا المسرح داخل الغرفات والقاعات بالمدارس الثانوية والجامعات ثم بالفرق المحترفة المختلفة فتعودنا علي حماية المكان وأصحابه ورعايتهم لنا - سواء كنا محترفين أو هواة - لقد عشنا حالة (حماية) وداخل إطار ونظام يحدد المكان (مكان العرض) وزمانه وميزانياته، وبالتالي فهذا العرض له صاحب أو منتج وله هدف / فناظر المدرسة يريد الظهور بمظهر الناظر الشاطر المشارك في مسابقات (المنطقة التعليمية). وعميد كلية كذا يري أنه ليس بعيداً عن الفن المسرحي وأنه أولي من كلية الزراعة في الحصول علي الكأس. ومحافظة كذا هي الأفضل ولهذا فكل منتج من هؤلاء يضع (اهتمامه وفلوسه وحمايته وشروطه علي إبداع الكاتب في اختيار المشاركين ويحدد كذلك المكان والزمان فهو الذي يملك القرار والفلوس والأمر والنهي، وعندما انتقلنا من (حماية الهواية) ودخلنا في حماية الاحتراف تضخمت البلاوي فأصحاب المرتب وهم الحكومة وهي مؤسسة فنية مالية حكومية لها شروط وأوامر وقدرات قهرية وقرارات قاتلة وهي التي تحدد (هيكل) التجربة وأسلوبها ونوعها وكل شيء وعليك أن تنفذ دون وجع دماغ - فسيقطعون (رقبتك) إنه نظام يقوم علي الطاعة والرضوخ للوائح والقواعد والشروط والنظام العثماني والمؤسسة الثقافية الحكومية عادة ما تسند أمور الإدارة إلي فنان كبير إداري، وربما تتجاوز هذا الاختيار فيقع الاختيار علي إداري كبير إداري وبس، وهو طبعاً ليس فناناً أبداً لكنه سوف يسارع بإعلان أنه فنان وإذا لم تسعفه الشهادات والذاكرة فسوف يقول إنه له ابنة خاله - فلان فنان ويجوز فعلاً أن له قريب أو بعيد فنان لكن ليس معني هذا أنه يصلح لإدارة مؤسسة فنية. لكن ومع كل الاعتراضات نجح إداريون كبار لا علاقة لهم بالفن ولا حتي بالثقافة إنجاز مشروعات فنية صعبة لما يمتلكونه من قدرات تنظيمية هائلة وكذلك لقدراتهم العظيمة، الجهل بالفن والثقافة (عجبي)، وهذا النمط المدعم والجاهل، فرصة هائلة جداً لأذكياء الفنانين لاختراق مساحة الجهل وممارسة حرية الإبداع في ظل ( غيبوبة وإعجاب جاهل) ممتع للغاية. وكثيراً ما صرخ جيلنا والجيل الذي سبقنا وضرورة تدمير هذه السلطة البيروقراطية - الفنية - الإدارية التي تعرض شروطها وذاتها علي حرية الفنان، وكثيراً ما أعلنا اشتياقنا الشديد (للخروج) للشارع وتقديم العروض أمام الناس مع ملامسة الناس فعلاً ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم - بل والدخول مع الناس في حوارات حول القضايا المهمة والعامة، وهذا أفضل من العزلة داخل مباني المسارح بشروطها المقيدة للحريات ولقد حدثت (بضع تجارب) ناجحة في الريف المصري لكن عوائقه الإدارة الفنية والمالية والإدارية علي أساس أن تتنكر هذه السلطة في ملابس الفلاحين وأن تبتعد كثيراً عن موقع الأحداث وخرجت بعض العروض لتلامس عمال المصانع ونظر العمال لهذه العروض علي اعتبارها (قادمة لهم) يعني (ضيوف) وليسوا من نسيج العمال ولا المصانع، هم شوية (أفندية) قادمون يحملون حبة أفكار ودعاية برضه دمهم خفيف لكن ليسوا عمالاً وليسوا (منا). يمكن أن تنجح بعض تجارب للمسرح العمالي وتجارب المسرح الفقيرة يمكن أن نجد فعلاً مسرحاً للناس يخرج من إطار (حماية أصحاب المشروع) ليكون جزءاً من مشروع مال (مثل فرق مسرح الشركات) وخلافه. لكن كل هذا النشاط - ليس ما اعنيه بالمسارح التي ولدت خارج (رحم) المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية ذلك للمسرح المولود في الطريق العام والذي توقف عليه مباشرة في مارس 1968 واعي به مسرح (الخبر والعرائس) وعندما تقرأ العنوان لهذه الفرقة الأمريكية تتوهم أنك ستشاهد مسرحًا جميلاً وبه عرائس (حلوة محترفة) لكن الواقع أنه مسرح (فقير جداً) ويستخدم عرائس عملاقة يصل طولها إلي ثلاثة أو أربعة أمتار طولاً والفرقة كلها -فرقة سياسية راقصة لكل وجهة نظر في الحياة والسياسة إنه المسرح المغادر والمشاكس للفن الأمريكي. يا سلام - ده كان زمان أيام