في رؤية مجتمعية هي الأعمق والأهم وفي صياغة تشكيلية هي الأبسط والأكثر رمزية يعرض الفنان التشكيلي حلمي التوني تسعة وثلاثين عملا فنيا بالألوان الزيتية علي توال، هي خلاصة تجربته الأخيرة في معرضه المقام في قاعة "بيكاسو" بالزمالك بعنوان علي الشاطئ، حيث يأخذنا التوني في رحلة إنسانية مع نسائه ليداعب مشاعرنا تارة حزنا وتارة فرحا وفي كلتا الحالتين يتركنا لتساؤلات لا منتهية، من هؤلاء النسوة وفيما يفكرن وما علاقة حزنهن وفرحهن وتساؤلاتهن اللا مجابه بالبحر وبنا، روزاليوسف حملت هذه التساؤلات إلي الفنان حلمي التوني وكان هذا الحوار: ما رؤيتك في هذا المعرض من حيث المضمون والشكل؟ - المضمون واضح، المرأة علي الشاطئ، في أحوالها المختلفة، بشكل فيه نوع من "الفانتازيا"، وقد يكون فيه بعض السخرية من أحوال أراها طارئة علي مجتمعنا، كفكرة التزمت، المايوه الشرعي، هذه المظاهر التي كانت لافتة بالنسبة لي، ليس فقط علي الشواطئ، ولكن في المجتمع ككل، هذا الخليط العجيب من الأزياء التي تحمل في طياتها أفكارًا غريبة علي مجتمعنا الشرقي، أحيانا تكون الملابس موضة، وهذا عادي، البشر يحبون التنوع والتجديد، لكن حين تحمل الأزياء أفكارًا، وتعلن عن مبادئ، سواء مستترة أو معلنة فهذا أمر آخر، وأنا كفنان يهمني الشكل بمدلوله علي شيء غريب يحدث في المجتمع. لماذا هذا الموضوع تحديدا؟ - قد لا يكون هناك من تصدي لهذا الموضوع من قبل، أو اقترب منه في الفن التشكيلي في اللوحة، أنا اقتربت منه في رسم الكاريكاتير ب"الأهرام" بشكل واضح، إنما في اللوحة فهي مختلفة عن لغة الرسم الصحفي، خاصة رسم الكاريكاتير، لا يجوز بل يحرم الخلط بينهما، لأن هذه لغة، وهذا خطاب آخر، هنا دون أن أعي وجدتني ألون تلوينًا أكثر مما تعودت عليه في أعمالي السابقة، كأنه رد فعل عن المشهد، هذا عن المضمون، أما عن الشكل، فركزت علي تبسيط المشهد الساحلي، والذي يتكون كما وصفته في أحد كتبي للأطفال عن مصر من ثلاثة ألوان، شريط أصفر، وشريط أزرق قاتم، وشريط أزرق فاتح، هذا هو المشهد البحري أو الساحلي، في هذا المعرض نجد هذه المساحات الثلاث موجودة ولكن بتباين، هذه هي خلفية المشهد المسرحي إن جاز التعبير، يحدث أمامها مشاهد وأحداث عن المرأة بأوضاعها المختلفة، إلي جوار ذلك هناك شخصيات مساعدة هي الرموز المنتشرة في كثير أو كل اللوحات. ولماذا اخترت توظيف الفن الشعبي في معرضك؟ - الفن الشعبي فيه رموز أساسية، أو قائم علي الرموز، لأنه قائم علي السحر أيضا، وتجد أن الشخصيات المضافة، والرموز تلعب دورًا مهمًا، وفي بعض الأحيان تلعب دور مفتاح اللوحة، كنت قديما استخدم رموزًا كثيرة كالهدهد والسمكة، ثم ظهرت رموز خاصة بي ليست للفنان الشعبي، كنت أنا من قدمها كالبيضة، وهنا نجد رموزاً جديدة في هذا المعرض كالسمكة والتي كنت أرسمها سابقا، ولكنها سمكة مأكولة، أو هي هيكل عظمي للسمكة، وسنجد عنصرًا رمزيا خاصًا جدا، وهو برج الإنقاذ، هناك فكر مستتر، يريد أن يعبر عن نفسه ويفصح، فهذا البرج الذي نجده علي الشواطئ يمثل معني كبيراً جدا، فهو يجلس فيه عامل الإنقاذ الذي ينقذ الناس من الغرق، وهو في نفس الوقت مكلف ومطالب بأن يرفع كل يوم صباحا راية ذات لون معين، بيضاء، أو حمراء أو سوداء، كل راية تحمل معني مختلفاً، ونجد أن جميع رايات البرج في المعرض عليها راية حمراء، معناها انتبهوا، هنا قد يدرك هذا المشاهد بعقله الواعي، وقد لا يدركه، وقد يدور في عقله الباطن، وهذه هي طريقة خطاب اللوحة، فليس من الضروري أن تخاطب العقل والعين بشكل مباشر. وما الفرق بين الرسم الصحفي والفن التشكيلي؟ - اللوحة لغتها مختلفة لأنك حين تعمل في الصحافة أنت لا تبدأ من نفسك، ولكن تبدأ من شخص كتب شيئًا، إلا فيما أقوم به من كاريكاتير سياسي فإني أقدم أفكاري، تبدأ من الهاجس، أو الرؤية، أو الحلم الذي تراه علي شكل لوحة، ثم يتحقق هذا علي القماش بالألوان الزيتية أو غيرها، اختلاف القضية أنك في العمل الفني تبدأ من نفسك كلية، أما في العمل الصحفي، خاصة لو كنت ترسم غلاف كتب أو رسومًا لقصة، فأبدأ مستندا إلي عمل آخر. ما رؤيتك لواقع الفن التشكيلي المصري الآن؟ - الفن التشكيلي بخير، من حيث الإنتاج ومن حيث المحاولات وظهور أجيال جديدة شابة تقدم أعمالاً جيدة، ولكن في الوقت نفسه الحركة التشكيلية عرجاء، لها قدمان، الأولي هي الإنتاج والفنانين، والأخري هي الجمهور، وهي رجل ضامرة، أو نائمة، والجمهور المصري معذور لأسباب كثيرة، منها أن اللوحة لم تكن جزءا من حياته اليومية، لم نر شخصا يدخل الفن في حياته، كما يحدث في البلاد المتحضرة، هناك طوابير تمتد أشهر حين يكون هناك معرض لبيكاسو أو ماتيس بمتحف الفن الحديث في نيويورك، وتحدد للزائر مدة محددة حتي يترك مكانا لغيره، أما هنا فنفتتح المعارض سواء الجماعية الرسمية أو الشخصية فيحضر جمهور الفنانين الافتتاح ثم بعد ذلك يحضر عدد قليل جدا من الزوار والمهتمين، إذا الفن في مجتمعنا ليس له خانة أو مكان محجوز في هذه الحياة. ومَنْ المُلام في ذلك الضعف والتقصير من وجهة نظرك؟ - الملام المسئولون عن التثقيف، مثلما قلنا الصحفيين والتليفزيون، ووزارة الثقافة، والتعليم طبعا وغيرهم الكثير، هذه مسئوليتهم، أما السبب الثاني فهو الحالة الاقتصادية، فالمواطن المطحون الذي يحارب من أجل حد أدني 400 جنيه، لا نتوقع منه أن يكون "فايق" ليلتفت ويهتم إلي الجمال في الطبيعة، فينتشر القبح ولا يدركه أو يلاحظه أحد، لأن المواطن مشغول بما هو أهم كثيرا وهو البقاء. وماذا عن الحركة النقدية التشكيلية هل نملك منها ما يؤهلنا للتواجد عالميا؟ - لا للأسف الشديد، وذلك نتيجة للغربة والانفصال بين منتج الفن ومتلقيه، نحن الآن في حاجة شديدة إلي حركة نقدية شارحة معلمة، نحتاج إلي صفحات في المجلات والجرائد، وللأسف لا يوجد منها عدد كاف، لأننا لا نؤهل نقادا للفن التشكيلي، لدينا معهد التذوق الفني، وجمعية النقاد والفنانين "مبيعملوش حاجة"، منعزلين عن العالم، أتحدث عن تأهيل الناقد، النقد علم ومدارس كثيرة، ومنها هذه المدرسة الأولية التي أدعو إليها، مدرسة الشرح والتوضيح، كي يسهل علي الأفراد قراءة العمل الفني قراءة حقيقية، وهو ما لا يأتي صدفة، في وقت من الأوقات كان بعض الرسامين المعتزلين ككمال الجويلي ومختار العطار، ونعيم عطية، يكتبون النقد وهم فنانون، ولكنهم تركوا الرسم وتفرغوا للنقد، وكانوا علي دراسة جيدة جدا، لكن للأسف اليوم هناك فنانون يكتبون ولكنهم يكتبون بطريقة "تطفش" القارئ، وهذا عمل تخريبي في وقت نود أن نجذب فيه الناس. بصفتك عضوًا في لجنة تطوير متحف "الفن المصري الحديث" ما رأيك في أداء وزارة الثقافة تجاه المتاحف؟ - المتاحف مظلومة، ونحن من نظم العرض الحالي، واكتشفنا أن متطلبات المتحف كثيرة جدا، وبدون شك إن تلبيتها صعبة جدا، هناك ضعف في مختلف نواحي الحياة، ليس معقولا أن يكون هناك وزارة زراعة قوية وتوجد وزارة ثقافة غير قوية، ضعف وزارة ما يعني ضعف باقي الوزارات، أنا مؤمن أن الحضارة والثقافة والتحضر لها مستوي واحد في جميع المجالات مع استثناءات بسيطة، فمستوانا الإداري عموما ضعيف بدليل أن لدينا مشكلة جديدة كل يوم سواء في الطرق، في المرور، في المياه، إلخ، وبالتالي ينعكس هذا علي أداء كل الوزارات بما فيها وزارة الثقافة، لأن الحالة العامة أقوي من الحالة الخاصة، هناك حالة عامة من ضعف الإدارة، وبالتالي أصبحنا في الوضع الذي نراه، وفجأة نكتشف أنه بعد سرقة زهرة الخشاش أن هناك 32 متحفا بحاجة إلي إصلاحات ما.