متحاملاً على أوجاع قلبه التى ألمت به مؤخراً حرص الفنان التشكيلى حلمى التونى على حضور معرضه الفنى «على الشاطئ» بقاعة بيكاسو لتظهر السعادة والبهجة على وجهه المتعب بسبب الإقبال الكبير على المعرض وإعجاب الكثيرين بموضوعه ومعالجة التونى التى اتسمت بالبساطة والجمال، التونى الذى نفذ قول الشاعر الكبير محمود درويش: «واحمل عبء قلبك وحده» تحدث معنا عن المعرض وأسلوبه والجديد الذى قدمه، وسر الخلطة التى يحرص على تقديمها فى كل معرض له كما نقدم شهادات بعض الفنانين عن المعرض. بداية نلاحظ أن أغلب لوحات المعرض التسع والثلاثين دارت حول موضوع «المرأة على الشاطئ» والذى يقدمه التونى لأول مرة، وكلها مرسومة بخامة الزيت التى ينفذ بها التونى كل أعماله، ويميز المعرض أنه يقدم رؤية يزاوج فيها التونى بين الحداثة والعالم الشعبى الذى اشتهر به، ورغم أن بعض لوحات المعرض تبعد عن الموضوع الرئيسى إلا أنها تخدم عليه وتشير إلى واقع اجتماعى يرصده حلمى التونى، وهو واقع يختلط فيه التزمت والانغلاق بالبهجة والانطلاق، والمعرض بأكمله يلقى برسالة مهمة ينبغى الالتفات إليها ولهذا يجب مشاهدته بقاعة بيكاسو ويستمر حتى 5 نوفمبر القادم. ويقول الفنان حلمى التونى إنه لم يرسم مشهد الشاطئ من قبل، خاصة أنه لاحظ أن فنانين كثيرين رسموا هذا المشهد بشكل واقعى يكاد يكون فوتوغرافيا معتمدين على المهارة وخفة اليد فى الرسم، والبعض الآخر اعتمد فى رسمه للمشهد على الإثارة والحسية الجنسية الموجودة فى جسم المرأة على الشاطئ، ولهذا لم يلتفت إلى رسم الشاطئ قبل ذلك إلى أن حدث أمر جديد. وأضاف: إن ما دفعه للإقبال على رسم مشهد الشاطئ هو ظهور الشاطئ الجديد فى مصر بملامحه العجيبة التى تأملتها بحكم وجودى لمدة شهرين على الأقل وسط هذا العالم فقررت أن أرسمه فهناك شاهدت المرأة المنتقبة باللون الأسود وهو ما يمنع دخول نسمة هواء إليها، والمرأة المحجبة، والمرأة بالمايوه الشرعى، والمرأة بالمايوه الذى نعرفه ولم يكن يسبب إشكالاً لنا، هذا التناقض هو ما تأملته ورسمته بحكم اهتمامى بالشأن العام وليس فقط البحث فى الجماليات. «أزمة اجتماعية» وأوضح التونى أن الشاغل عنده كان الفكرة فقد أراد أن يرسم هذا المشهد برؤية خاصة وجديدة فى إشارة إلى التناقض والأزمة الاجتماعية التى نعيشها، فهنا - على الشاطئ - تتجلى تلك الأزمة التى تتمثل فى التناقض بين التشدد والكآبة وبين الرغبة فى الحياة الحرة المتمردة، فهنا البهجة فى مواجهة الكآبة التى تهل علينا من وقت لآخر، وأراد أن يرسم المشهد البحرى كرد فعل وكمحاولة لتغليب البهجة على الكآبة، وتجلى هذا فى الألوان المستخدمة والتى عبرت عن السخرية فى بعض الأحيان فمثلاً نجد أكثر من لون على جسم المرأة على الشاطئ مما يخرجها من فكرة الاحتشام المبالغ فيه إلى البهجة والسخرية أيضاً. وقال: إنه أراد أن يستعرض أزمة الزى فى المجتمع المصرى من خلال رسمه للشاطئ، وما يهمه من رسالة المعرض هو الطمأنينة الاجتماعية والاستقرار خاصة أنه مقتنع أن المعرض مثل الرواية يعبر عن حالة فنية يعيش الفنان ويستكشف جنباتها وطرقاتها وأزقتها حتى تكتمل هذه المدينة الصغيرة التى يطلق عليها المعرض مضيفاً: إن ما يلفت الانتباه أنه وسط هذه الرهبنة الفنية التى تستمر لعامين تقريباً تأتى للفنان أفكار قد تكون موضوعاً لمعارض قادمة، هذه الأفكار الزائدة تشغل الفنان فيرسمها وهى لا تبعد كثيراً عن الموضوع الرئيسى خاصة أن الرموز والموتيفات بها تتشابه مع لوحات المعرض الرئيسية مثل لوحات الأراجوز وعروسة المولد، وهذا التنوع رغم صعوبته فإنه يعبر عن تنوع فنى يثرى المعرض ويضيف إليه. «رسائل فنية» وأضاف التونى: إن لغة اللوحة ورسالتها ضمنية وجدانية وتعبر عن حالة هادفة للجمال ضمن أشياء أخرى ترتبط بالفكرة والموقف الاجتماعى للفنان، وهو كفنان تشخيصى يعشق الجمال ونشر البهجة ويسعى إليهما فى أعماله راغباً فى الوصول إلى أكبر عدد من الناس والجمهور، وهو لا يرسم أعماله من الطبيعة ولكن من الخيال والرؤية البصرية الموجودة بداخله، فالطبيعة خطر ولا أحد يقوى عليها، وكما يقول الفنان الكبير بيكاسو «أرسم ما أعرفه ولا أرسم ما أراه» وهكذا يقتفى هو ويرسم الأشكال والتشريح والظل والضوء من داخله. وحول تناثر الرموز فى لوحات المعرض قال حلمى التونى: إنه يميل للاستعانة بالرموز والموتيفات الشعبية فى أعماله منذ الثمانينيات من القرن الماضى، وفى كل معرض يلجأ للرموز التى تتوافق مع موضوع المعرض، بمعنى أن البيضة التى كان يلجأ إليها سابقاً اختفت فى المعرض الأخير، وحلت محلها القوقعة، والسمكة الجافة أو المأكولة، وبرج الإنقاذ ومن فوقه الراية الحمراء وكلها عناصر مهمة ومرتبطة بفكرة القلق الاجتماعى التى شغلته ولاتزال تشغله. وعن ألوان المعرض قال: إن الألوان التى يستخدمها اصطلاحية بمعنى أن البحر أزرق والرمل أصفر ولكن هذه الألوان تتغير مثلما تتغير الروح وتختلف من معرض لآخر، لذلك يشعر جمهور المعرض بأن هناك ألوانا جديدة ومختلفة بالإضافة إلى أنه يستخدم كل الألوان ولا يتقيد باستخدام ألوان محددة رغبة فى التجديد وبحثاً عن الائتلاف. وحول العلاقة بين الفن التشكيلى وفن الكاريكاتير يقول حلمى التونى: إن هناك فنانين كثيرين قتلتهم الصحافة لأن الصحافة مغرية جداً وهو عمل بها لأكثر من خمسين عاماً ويعرف أن هناك خطراً شديداً فى تأثير الصحافة على الفنان، وبالنسبة له سعى إلى تأكيد محاولة ألا يضار العمل الفنى من الصحافة بل أن تستفيد الصحافة من العمل الفنى، وعنده اللوحة أو العمل الفنى هو الذى يؤثر على العمل الصحفى. «تحية إلى الرواد» واختتم حلمى التونى حديثه قائلاً: إنه سعيد بمعرضه الأخير، ورد الفعل الإيجابى عليه مثلما سعد بمجموعة اللوحات التى احتواها المعرض وقدمها تحية إلى الفنانين الرواد العظام مثل بيكاسو وهنرى روسو جويا ودافنشى ومحمود سعيد وهو يقدم هذه اللوحات كنوع من التقدير والاحترام لهؤلاء الفنانين الذين قدم مجموعة من أشهر أعمالهم بأسلوبه وطريقته الخاصة. «بوابة المرأة» وعن المعرض قال الفنان محمد الطراوى: إن المعرض مختلف من حيث التيمة التى استخدمها الفنان حلمى التونى، حيث اتخذ المرأة على الشاطئ تيمة رئيسية للخروج إلى عالم أكثر رحابة وعالجها - أى المرأة - بشكل مجازى فرغم أن المرأة فى اللوحات واضحة ولا تحتاج إلى مفاتيح لفك شفرتها إلا أن هناك بعض العناصر مثل برج الإنقاذ والراية الحمراء والسمكة المأكولة تحتاج إلى تفسير وكأنها نوع من التحذير وإثارة الخطر مما يحدث فى الواقع الاجتماعى وأضاف: إن المعرض ملىء بتلك الأفكار بعيداً عن تيمة المرأة التى استخدمها الفنان حلمى التونى بوابة لكى يطرح أفكاره وآراءه، وهذا المعرض يضاف إلى تجربة التونى التى تعبر عن فكرة المعاصرة والتراث. وقال الناقد صبحى الشارونى: إن الفنان حلمى التونى قدم فى معرضه الجديد لوحات تحس معها بالسعادة والابتسامة، بعيداً عن الشكل الكاريكاتيرى، وكلها أعمال تحس منها بالطرافة والسخرية فى بعض الأحيان، فهنا المرأة مثل العرائس حتى الألوان تبدو بتعددها فى اللوحة الواحدة مثل مسرح العرائس، أما بالنسبة لموضوع البحر فهو ذريعة لأفكار أخرى حاول الفنان أن يبثها للجمهور ويؤكد أن هذا البحر أكثر تحرراً بالنسبة للإنسان مما يثير فيه التأمل والتفكير فيما يحدث. «دعوة للتفكير» وفى نفس السياق قال الفنان فريد فاضل: إن معرض الفنان حلمى التونى فيه رسائل متعددة بعكس معارضه السابقة، والبحر فى الأعمال عامل مشترك كوحدة بصرية فقط، ولكن هناك أفكارا يحملها المعرض تعبر عن رد فعل الفنان بما يحدث فى الواقع وفيها إسقاطات نفسية وشخصية تعتمل فى ذات الفنان، وما يؤكد هذا الكلام هو المفردات والعناصر التى استخدمها الفنان حلمى التونى مثل العروسة وهيكل السمكة ولمبات الإضاءة وكلها موظفة داخل اللوحات بطريقة مختلفة تدعو للتأمل والتفكير. وقال الفنان السكندرى ثروت البحر: إنه بحكم عشقه للبحر يجد أعمال المعرض بديعة ومريحة ومضبوطة فنياً وليس بها نشاز أو تعثر، وهو يحب هذا النوع من الفن الذى يتسم بالبساطة والراحة والجمال وفى نفس الوقت يناقش موضوعاً مهماً ويستلهم مفرداتنا الشعبية ويوظفها لصالح العمل الفنى.