أين يقف الجنيه المصري من «حرب عملات عالمية» يرتدي فيها الدولار واليورو واليوان والاسترليني ثياب المحاربين ويتناقل زعماء وقيادات العالم تفاصيل المعركة الممتدة من قمة إلي أخري حتي سيطرت الخلافات علي قمة العشرين مؤخرًا في كوريا الجنوبية. التساؤل عن موقف الجنيه قد يبدو للبعض مبالغة صريحة أو نوعًا من الإفراط في السذاجة بوصف الحرب تجسيدًا لخلافات بين قوي اقتصادية عظمي ورؤي متضاربة حول أساليب إدارة الثروة وأسعار الصرف لا ناقة لنا فيها ولا جمل. غير أن آخرين لا يجدون في الأمر غضاضة بل يعتبرون التساؤل مشروعًا بحثًا عن موطئ قدم علي خريطة الاقتصاد العالمي.. وإذا ما كنا فعلاً نبحث عن ذلك فلا يخفي علي أحد أن هذا لن يتحقق ما لم نفهم أين نقف بموضوعية ودون تهويل أو تهوين من الأمر لا سيما وأن ما يحدث في العالم ويتردد في أروقة المنتديات الاقتصادية ينعكس قطعًا علي الاقتصاد المصري يتزامن مع ذلك انشغال الداخل عن الخارج بأمور تتعلق بقوة الجنيه فلا يزال البعض يتباكي علي عصر الجنيه الذي يشتري كذا وكذا قبل أن يفقد قوته الشرائية طبقًا لرؤية قطاع عريض من المصريين يعتبرون أن قيمة العملة من قوة الاقتصاد الأمر الذي يصطدم مع الواقع فلو أن الأمر كذلك لاستجابت الصين علي الفور لضغوط الولاياتالمتحدةالأمريكية الراغبة في رفع قيمة اليوان الصيني وما كانت هناك حرب عملات عالمية ليس هذا فحسب بل أن هناك دولاً لايزال اقتصادها ضعيفًا وللدقة صغيرًا ومع ذلك تتجاوز قيمة عملتها 4 أمثال الدولار الأمريكي الذي يعبر عن أقوي اقتصاد في العالم وهناك دول أخري مثل الصين واليابان وألمانيا تقل عملتها عن عملات دول خليجية ومع ذلك لا تجوز المقارنة بين هذه الاقتصاديات وتلك. لعل ما سبق من بديهيات اقتصادية تستوجب ضرورة الفصل وعدم الربط بين قيمة العملة الوطنية لأي دولة وبين قوة اقتصادية الأمر الذي ينقلنا إلي حلقة أخري في مسلسل حرب العملات وهو ليس بعيدًا عما طرحه الدكتور حازم الببلاوي مؤخرًا بشأن ضرورة استبدال الجنيه المصري بجنيه آخر جديد يساوي 10 جنيهات قديمة علي سبيل المثال ويزيد عن دولار واحد أمريكي. الدكتور شريف دلاور - الخبير الاقتصادي المرموق يفجر مفاجأة إذ يؤكد أنه طرح الأمر قبل ذلك غير أن الحكومة لا تستطيع خفض قيمة الجنيه علي غرار الصين وتركيا وغيرها أو استبدال الجنيه الحالي بآخر جديد علي غرار ما قامت به فرنسا في عهد الجنرال شارل ديجول وذلك لسبب بسيط أن تلك الدول لجأت إلي هذا الأمر بعد وفرة في الإنتاج وبحثًا عن فرص تصديرية أما في الحالة المصرية فإن خفض قيمة العملة سوف تشعل فاتورة استيراد الغذاء. عن موقف الجنيه من حرب العملات العالمية يري دلاور ضرورة الوقوف علي أسباب تفجر الخلافات فالأمر ليس وليد اليوم بل هناك ثالوثًا متضاربًا في الاقتصاد العالمي يبقي الوضع قيد الانفجار في أي لحظة ويرتكز هذا الثالوث علي أسعار صرف ثابتة وحرية انتقال الأموال واستقلالية ميكرواقتصادية لكل دولة ويستحيل أن يتحقق الثالوث.. فقط يمكن أن يجتمع محوران فحسب.. هذا الثالوث المتضارب نتج عنه ثلاث رؤي اقتصادية مختلفة تتصارع فيما بينها داخل إطار اقتصاد السوق فالرؤية الأمريكية لا تجد غضاضة في التضحية باستقرار أسعار الصرف ويدل علي ذلك ما قامت به الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس نيكسون حيث انسحبت من اتفاقية بروتون وودز أو غطاء الذهب وذلك عام 1971 الأمر الذي أفضي إلي انهيار تلك الاتفاقية. أما أوروبا فتفضل نوعًا من استقرار العملات وذلك تحت ضغط النقابات العمالية والمجتمع المدني بينما الصين ودول آسيوية أخري تميل إلي استقلالية ميكرواقتصادية دولة لهذا فإن الثالوث الاقتصادي لن يتحقق، ولن يتمخض عن تلك الاجتماعات إلا مجرد تصريحات إذ تحاول كل وجهة نظر أن تثبت صحتها وأمريكا تدير اللعبة حتي الآن باقتدار وما تلويح روبرت زوليك رئيس البنك الدولي بإمكانية العودة إلي جزء من غطاء الذهب إلا محاولة أمريكية للضغط علي الصين بوصفها أكبر دولة تحوز احتياطيا ضخمًا من الدولار يتجاوز 2.3 تريليون دولار بخلاف استثماراتها في السندات وأذون الخزانة الأمريكية الأمر الذي جعل من الصين أكبر مدافع عن الدولار وأكبر الخاسرين حال تراجع الدولار بفعل التوجه نحو غطاء الذهب. إذن والكلام لايزال ل«دلاور» هي لعبة أمريكية تستهدف الضغط علي الصين التي لا تقبل حتي الآن رفع عملتها «اليوان» وبناءً عليه فقد أوعزت الإدارة الأمريكية لرئيس البنك الدولي ليكشف عن طرحه بشأن غطاء الذهب لتثير الفزع في الصين ولا يفوتنا أن رئيس البنك الدولي يتم تعيينه مباشرة من الرئيس الأمريكي ودون تصديق الكونجرس بخلاف الوزراء الأمريكيين أنفسهم الذين ينبغي تصديق الكونجرس علي تعيين من الرئيس الأمريكي. يضيف دلاور أن أمريكا تستهدف إحداث هزة للدولار من أجل الضغط علي الصين وقد أكدت مسعاها هذا بعد إعلانها عن ضخ 600 مليار دولار. ويقول أن الدول الكبري سوف تواصل التلاعب في حرب عملات عالمية تخفيفًا للضغوط عليها حيث البطالة في مجموعة العشرين تقترب من 10% بما لا يزيد من الاضطرابات الاجتماعية في تلك الدول ولايزال كل طرف علي موقفه حتي وصل الأمر إلي خلافات بين أوباما وميركل في قمة العشرين ووقفت ميركل تصطف خلفها أوروبا الضعيفة والمعتلة اقتصاديا باستثناء ألمانيا التي ترفض مطالبات أمريكا لها بخفض الفائض التجاري عن 4% والتي تتصدي مدعومة من أوروبا التي تشعر بالحسرة لفقدانها مقعدين من مقاعد صندوق النقد الدولي ويتجسد ذلك في تصريحات مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية الذي اقترح «جرس إنذار» لمراقبة الإغراق وقال أن الرفاهية يجب ألا تأتي علي حساب الآخرين فيما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون «لابد من إزالة جدار المال في الشرق وجدار الديون في الغرب». وعودة إلي موقف الجنيه المصري يقول دلاور أن ما سبق يوضح أن الدول تصطف خلف طموحاتها بعيدًا عن الشعارات العاطفية وأحاسيس القوة المترتبة علي قوة عملتها.