تواجه الولاياتالمتحدة اليوم( الخميس) تحديا صعبا أمام قمة مجموعة دول العشرين للدفاع عن سياستها الاقتصادية وتبرير تحركاتها الفردية التي تضر بالدول الأخري وتهدد استقرار الاقتصاد العالمي. وسوف يسعي الرئيس أوباما إلي تهدئة الأوضاع والتفاهم مع قادة الدول الأخري في أهم تجمع لصناعة السياسات الاقتصادية العالمية خاصة مع الصين وألمانياوروسيا والبرازيل لتفادي' حرب عملات' وصراع تجاري قد يتسبب في أزمة عالمية جديدة. يعتبر هذا الاجتماع هو الأخير تحت رئاسة كوريا الجنوبية قبل انتقالها لفرنسا لمدة عام قادم, حيث نجحت الاجتماعات السابقة خلال العامين الماضيين في التصدي الجماعي للأزمة المالية العالمية السابقة وذلك بتنسيق جماعي بين دول المجموعة, خاصة في السياسات المالية والنقدية. وكانت الولاياتالمتحدة قد أشعلت فتيل الأزمة في الأسبوع الماضي عندما قام بنك الاحتياطي الفيدرالي( البنك المركزي الأمريكي) بالإعلان عن شراء نحو600 مليار دولار من ديون الولاياتالمتحدة, وهو ما يعني طباعة نقود لتمويل عملية الشراء, وذلك بهدف إنعاش الاقتصاد الأمريكي المتباطيء في معدلات النمو وتوفير فرص العمل وفي ظل استمرار معدلات البطالة المرتفعة. وتعرف هذه السياسة بالتوسع الكمي بعد أن بلغت أسعار الفائدة علي الدولار إلي نحو الصفر وعدم قدرة القيام بمزيد من الانخفاض. وتستفيد السياسة الاقتصادية الأمريكية من كون الدولار هو العملة الدولية الرئيسية( عملة الاحتياطي الرئيسية), حيث تضمن أن الأسواق سوف تستوعب إصدارات الدولار مهما كان حجمها حتي وإن أدي ذلك إلي انخفاض قيمتها أمام العملات الأخري. ولكن هذه السياسة لها جوانب سلبية علي الدول الأخري. فمن ناحية فإن السلع الرئيسية في العالم بما فيها السلع الغذائية والبترول مقومة بالدولار, وقد أدي انخفاض قيمة الدولار وزيادة تحول الاستثمارات والمضاربات إلي أسواق السلع في ارتفاع أسعارها في الفترة الماضية إلي مستويات قياسية تعاني منه أغلب الدول, خاصة الدول الفقيرة والمستوردة للغذاء والطاقة. ومن ناحية أخري فإن هذه الأموال الدولارية الجديدة التي تذهب إلي حوزة المستثمرين تبحث عن أماكن لتحقيق عائد, وليس هناك حاليا أفضل من الدول الناشئة الصاعدة لتوجيه هذه الأموال الساخنة إليها لتحقيق أعلي عائد وفي نفس الوقت وجود مخاطر منخفضة علي هذه الاستثمارات نتيجة إستقرار عملاتها, وبالتالي تواجه هذه الدول تدفقات نقدية كبيرة تتسبب في ارتفاع كبير في أسعار أصولها من الأسهم والعقارات, وتؤدي إلي ارتفاع قيمة عملاتها أمام الدولار مما يضعف تنافسية منتجاتها في الأسواق العالمية, بالإضافة إلي مخاطر خروج هذه الأموال بنفس سرعة دخولها مما يهدد استقرار اقتصادات هذه الدول. وتعد البرازيل ودول جنوب شرق أسيا في مقدمة الدول التي تعاني من هذه التدفقات, كما تعاني الدول ذات القدرات التصديرية العالية مثل ألمانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي ودول ناشئة أخري مثل روسيا وتركيا وجنوب إفريقيا من ارتفاع قيمة عملاتها أمام الدولار. وقد بدأت بعض الدول بفرض ضرائب بالفعل علي هذه التدفقات وسط توقعات بإمكانية اتخاذ إجراءات حمائية تجارية من جانب هذه الدول في حال تضرر صادراتها. وسوف تؤدي هذه السياسة إلي تحول الولاياتالمتحدة في اجتماعات قمة مجموعة العشرين اليوم من موقف هجومي متوقع علي الصين لرفع قيمة عملتها, وعلي باقي الدول بتحديد كمي لنسبة الفائض أو العجز المسموح في ميزان معاملاتها الخارجية من الناتج المحلي الإجمالي مثلما كان متوقعا منذ أسبوعين, إلي التراجع عن هذا والتحول إلي موقف دفاعي عن سياستها باعتبار أن صحة الاقتصاد الأمريكي ضرورية لتحسن واستقرار الإقتصاد العالمي. وقد بدأ كثير من المسئولين ومن الخبراء في المؤسسات الدولية يطرحون بشدة ضرورة مراجعة النظام النقدي العالمي, ومن بين الأفكار المطروحة إيجاد عملة احتياط دولية جديدة كبديل للدولار قد تكون في شكل سلة من العملات الرئيسية تشمل اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري واليوان الصيني, بينما ينادي البعض بعودة قاعدة الذهب التي كان يعمل بها حتي بداية السبعينات وقبل التحول إلي الدولار كعملة دولية رئيسية, حيث يتم تقييم كل عملة نسبة لقيمة الذهب. وقد ارتفعت أسعار الذهب إلي مستوي قياسي عالمي جديد في الأسبوع الماضي عند1400 دولار/أوقية عقب قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. ومن أكثر المتحمسين لنظام نقدي عالمي جديد هو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي سترأس بلاده مجموعة العشرين عقب الاجتماع الحالي ويسعي من خلاله إلي تحقيق إنجاز دولي يعوض إخفاقاته المحلية. وقد كان هذا الموضوع محورا مهما خلال محادثات الرئيس الفرنسي مع نظيره الصيني في الأسبوع الماضي لتنسيق موقف الدولتين في مجموعة العشرين ولتبني دراسة هذا الموضوع في الفترة المقبلة. غير أن الصين قد لا تكون بنفس الحماس لهذه الفكرة لأنها لا ترغب في فقدان سيادتها علي عملتها في إطار نظام نقدي جديد. إن أهم ما يميز اجتماعات مجموعة العشرين بأنها ليست' مكلمة' مثل التجمعات الأخري والتي يسود الطابع الدبلوماسي والإعلامي عليها, ولكنها مكان لاتخاذ القرارات العملية وتحديد التوجهات الاقتصادية المستقبلية. ولكن ربما يكون غاية ما يصبو إليه المتفائلون من اجتماعات اليوم والغد في سول هو عودة روح التوافق والتنسيق وتغليب المصالح الدولية المشتركة لاستقرار ونمو الاقتصاد العالمي, لأن البديل نزعات فردية لتحقيق مصالح ضيقة تنذر بأزمات اقتصادية عالمية جديدة يتضرر منها الجميع.