لأنهم بدءوا لتوهم طريق الإبداع والكتابة، بل طريق الحياة أيضا، بوصفهم كتابًا شبابًا، قررنا في "روزاليوسف" أن نفسح لهم مكانا علي مدار عدة أيام، لنلتقي وقراؤنا بهم، نتعرف معهم علي آرائهم وأفكارهم تجاه كتاباتهم، وتجاه حياتهم المعاشة، وعالمهم الأدبي من حولهم، مدفوعين بالرغبة في الاقتراب منهم في عصر ازدحمت فيه الكتابات بشكل قد يجعل من الصعوبة بمكان متابعتها عن قرب، لعل اقترابنا منهم يفتح لهم نافذة تعرفهم علي القارئ وتعرف القارئ بهم، أو يمثل نقطة إضاءة لهم في مشروعهم الإبداعي. في روايتها الأولي «شجرة وأربع لمونات» بدت سالي عبد العزيز مهمومة بشكل كبير بقضايا الفتاة العربية، ففيها تعرض لحياة أربع فتيات أو «ليمونات» يحاولن تغيير واقعهن الفقير، وفي الحوار معها أظهرت رغبتها الفعلية في تغيير واقع المرأة، لدرجة أنها تتمني الجلوس مع أهالي الفتيات علي «الحصيرة» لإقناعهم بالعدول عن تزويج فتياتهم القاصرات، حول هذا الموضوع ومواضيع تجنيس النوع الأدبي والكتابة الساخرة، تحدثت عبد العزيز في هذا الحوار: متي بدأت الكتابة؟ - بدأت لدي الكتابة عندما شعرت بالغربة نتيجة قضائي لفترة طفولتي خارج مصر، حينها كنت أكتب خواطر شوق ووحشة لبلدي وناس بلدي وأصحابي، وفي فترة المراهقة بدأت أعاقب نفسي أو أقومها بأن أكتب كل الأفعال الخطأ التي عملتها في يومي، أو التي اعتبرتها أخطاء، لكني حينما أعاود قراءة ما كتبته الآن، أشعر أن تلك المواقف التي لمت نفسي عليها لا تستحق التوقف عندها لكتابتها.. ثم جاءت مرحلة القصة القصيرة، فكتبت القصص عن الناس، عن الفقر، عن الألم، عن أي شيء فيه إحساس، لان الإحساس هو الحاجة الوحيدة الحقيقية في أيامنا. إذا كيف أتتك فكرة الرواية؟ - فكرة الرواية خرجت من رغبتي في وصف أحداث شعرت أنها تحمل معني معينا وإحساسا حقيقيا لابد أن نهتم بوجوده ونقف عنده لنتأمله، ففي الرواية أربع فتيات، كانت كل واحدة تري في حياتها ما لا يليق، ولا يتناسب مع مستوي جمالها غير العادي، الفتيات استعظمن أنفسهن علي الفقر، وقررن أن يتخطينه، كتبت ذلك وكانت رسالتي التأكيد وتنبيه البنات علي أن الغلط من الممكن أن يختبئ سنة أو عشرة أو حتي عشرين، لكنه سيتكشف في النهاية، فالبنت يمكنها أن تفعل أشياء خطأ كثيرة، لكن لابد أن تقتنع أنها في يوم من الأيام ستواجه هذه الأخطاء. لماذا اخترت هذا الاسم لروايتك؟ - أربع ليمونات هم أربع بنات شبهت جمالهن بالليمون بعيدا عن التشبيه الروتيني لجمال البنت بالمانجو أو اللفظ الشائع جدا (المُزّه).. الليمون شافي، هو فيتامين سي، وكمان حبا في أغنية شجر الليمون لمنير ومن قبله أحمد منيب.. أما الشجرة فهي الحقيقة التي ستظهر للجميع لا محالة. ألا ترين أنك استطردت في وصف حياة البنات الأربع دون استغلال لمفردات البيئة الريفية التي عشن فيها؟ - أعترف بحبي للبنات في الرواية، واهتمامي بهن كان الأكبر، وكان تركيزي عليهن وعلي يومهن وإحساسهن والتضاربات الداخلية عندهن كبنات بيئة بعينها، والتضاربات عند كل واحدة منهن علي حدة، وهو ما أخذ مجهودا كبيرا يمكن أن يكون قد جاء بالفعل علي حساب رسم البيئة بمفرداتها الخاصة.. عندك حق في ملاحظتك.. لهذا دائما أعطي النقد مساحته. وهل تعتبرين قضايا المرأة، قضاياك الخاصة التي تسعين للدفاع عنها؟ - مشاكل المرأة هي بالتبعية مشاكل للرجل، يمكنك أن تعتبري كتابتي نسوية لكن أبدا ما ذكرت المرأة دون أن ألحقها برجل تؤذيه أو يؤذيها، وأنا همي حاليا مشكلة زواج القاصرات، وتحدثت عنها في برامج وندوات كثيرة، وأسعي لعمل ندوات لهذه الأسر التي تلجأ لتزويج بناتهم في سن صغيرة، كما أتمني أن أذهب وأجلس معهم علي «الحصيرة» ويمكن وقتها تصل رسالتي. ما تعليقك علي ما يسمي بأدب البنات، وهل تم تصنيف كتابتك كأدب بنات؟ - بالفعل تم تصنيف روايتي تحت هذا التصنيف، وتمت استضافتي مع 15 كاتبة شابة مميزة في ندوة عقدت قبل شهور قليلة تحت عنوان: «الأدب البناتي»، وفي الندوة قلت: أنه فيه أدب وفيه قلة أدب، إنما «أدب بناتي» أو «عنب بناتي»، فهو ما لا أعرفه، لا أحترم تجنيس الأدب علي الرغم من أن النساء في أوروبا تفخر بتجنيس الأدب لأن فيه احتراما للمرأة، إنما هنا عندما أصنف الأدب بكونه نسائيا أو بناتيا في مجتمع ذكوري وما زال يميل للبدائية، أعتقد أن الهدف من هذه التسمية هو التخفيف من قيمة الكتاب، وأنا أتحداك إن أغمضت عينك عن اسمي المكتوب، وقرأتها أنك قادرة علي تمييز من كتبها، هل هي أنا أم هو إحسان عبد القدوس؟. لماذا اخترت اللغة العامية بهذا الإفراط؟ - اخترت العامية نتيجة جهل الراوي عندي وهي بنت بسيطة (يا دوب بتفك الخط)، فلو كتبت إحساسها بالفصحي سأكون وكأني ترجمت إحساسها من العامية إلي الفصحي، وأنا دائما أجد في أي نص مترجم نواقص، لذا فضلت أن يكون الكلام علي لسانها بالعامية لكي أعطيها حريتها كبطلة في التعبير بانطلاق وكي لا أتدخل بثقافتي ككاتبة. استخدمت الحس الساخر في مواضع عدة بالرواية، فهل لديك ميل للأدب الساخر؟ - الأدب الساخر يشدني كقارئة، ويفتتني ككاتبة، رغم أنه تمر عليّ أوقات كثيرة يصعب فيها أن تكون أقصي حدودي هي أن أسخر بقلم، بالفعل يمكن أن ترمي بإحساس للقارئ، لكن علم الاجتماع يقول إن النصوص لا تغير أعرافًا، لا بد أولا من أن تتغير الظروف المادية لكي يبدأ التغيير الحقيقي في حياتنا.. لكن أن نقدم ما لدينا هو أضعف الإيمان، وهو بالطبع أحسن من أن أكتف يدي وأقف للمشاهدة.