أرجع المستعرب الفرنسي ريشار جاكمون تراجع ترجمة العلوم في الوطن العربي إلي تراجع عمليات التعريب، وقال: حين يتم تعريب العلوم والهندسة والطب فلن يكون هناك مشكلة في ترجمة هذه العلوم، ولكنه كسل وتكاسل وسياسات تعليمية تتخذ اللغة الأجنبية وسيلة للتكسب، وأسلوب لإثبات وتأكيد فاصل اجتماعي بين طبقات المجتمع، ومشكلة التعريب هي مشكلة سياسية في الأساس. وقال خلال محاضرته التي ألقاها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، تحت عنوان: «الترجمة في العالم العربي، السياسة والممارسة»، أن اللغة العربية تعاني عدم التطور السريع لاستقبال كل هذا الكم من الإبداعات اللغوية والأيديولوجية، ولكن جزءًا من مشكلة الترجمة هو سيادة نمط »الحرفية« بالمعني السيئ، والأمر هنا لا يتعلق بسفر المترجم إلي البلد التي يترجم بلغتها، ففي العالم كله مترجمون ينجزون ترجمات ممتازة، دون أن يخرجوا من غرفهم، وهذا بفضل الإنترنت، المهم أن يكون المترجم قادرا ومتمكنا من عملية الحصول علي ما يحتاجه من معلومات. ووصف جاكمون الترجمة باللغة العامية بأنها هامشية، قائلا: حين يترجم المرء فإنه يتوجه للسوق العربية الكبيرة، استخدام العامية أمر محلي للغاية، يناسب المحلية، وتقل مشروعية الكتابة بالعامية حين تتم ترجمة كتاب من الخارج، وبشكل عام فإن المترجم يشعر أنه مقيد خلال عملية الترجمة أكثر من الكاتب نفسه، فضلا عن أن الترجمة الأدبية فيها مستويات عديدة وتعبر عن الواقع اللغوي، وحين تقرأ الترجمات العربية لهذه الكتب تجدها وقد تم «تنظيفها» من كل الأبعاد اللغوية والاجتماعية، وهذا خسارة في تقديري، ولكني أخسره في وضعي كمترجم حين لا أعطي نفسي ذات الحرية التي يعطيها الكاتب لنفسه، فضلا عن أن كثيرا من المترجمين يقبلون علي ترجمة أعمال لا تناسب قدراتهم ولا ثقافتهم، وهذه المشكلة لا ترتبط بالواقع العربي فقط. كما أعرب عن انبهاره بواقع الترجمة اليوم مقارنة بوضعه في الثمانينيات، وقال: لقد ظهرت مشاريع وبرامج ترجمة عديدة، ودور نشر ومكتبات، أصبحت أذهب إلي مكتبات مثل «الشروق» و«ديوان« فأجد رفوف كاملة للكتب المترجمة، وهذا لم يكن متوافرا في الثمانينيات إلا في دهاليز مكتبة مدبولي، وأكد أن المشروع القومي لترجمة له الفضل في كسر السيطرة الفرنسية والإنجليزية علي الترجمة، فأصبحنا نري ترجمات فارسية ويابانية. وقال: تعد سوريا من أقدم الدول وأكثرها إنتاجا للكتاب المترجم، لاتباعها سياسات ترجمة ناجحة، وعلي النقيض تأتي الجزائر كأقل الدول العربية في هذا المجال، ولكن لعل هذا يرتبط بالعلاقة بين حركة التعريب والترجمة، فكلما زاد التعريب زادت الترجم، إلا أن الأمر الملفت هذه الأيام ما نلحظه من تقدم الترجمة وتراجع التعريب، بحيث أصبحت العلاقة التاريخية بين الترجمة والتعريب مهددة، وتصبح هشة، وأخشي أن استمرار هذا التناقضات وتفاقمها قد يقتل سياسات الترجمة الطموحة في المهد. وأكمل: لقد قدم العرب 10 آلاف كتاب في نصف قرن، وهو رقم كبير جدا، يتم التقليل منه ومن المجهود المذهل الذي يبذله المترجمون العرب، الذي لم يحظ بعد بالاعتراف الذي يستحقه.