المتابع للتطورات التكنولوجية في مجال الاتصال لابد وأن يشعر بالتعب وباللهاث أحياناً جراء هذه التطورات السريعة والمتلاحقة .. فلا نكاد نهضم مخترعاً جديداً ونبدأ في التكيف مع معطياته، وإدخاله ضمن منظومة حياتنا المتقلبة والمتجددة باستمرار حتي نجد مخترعاً جديداً يفرض نفسه بقوة، ويجعلنا لا نرضي بغيره بديلاً .. ويبدو أن " السعار" التكنولوجي قبل بلغ أشده بين القائمين علي صناعة أجهزة التليفزيون بشكله التقليدي، والقائمين علي صناعة أجهزة الكمبيوتر ومزودي خدمات الإنترنت .. حيث بدأ الحديث منذ عدة سنوات عن التليفزيون الإنترنتي، ذلك الجهاز التقليدي الذي يمكن أن تتصفح الإنترنت من خلاله، وعلي هذا فالإنترنت خدمة إضافية إلي التليفزيون.. أما الجديد هذا الأسبوع فهو ما أعلنت عنه شركة سوني العالمية من إنتاج تليفزيون يعمل بتقنية "جوجل"، وهي تقنية تربط جهاز التليفزيون بشكل كامل بالإنترنت، وهو ما يشير معه الخبراء إلي أن شركات الإنترنت مثل جوجل وأبل في طريقهما الي السيطرة علي سوق التليفزيون في العالم، وأن شركات البرمجيات صارت هي التي تبيع منتجات الشركة المصنعة للأجهزة نفسها، وليس العكس كما هو الحال سابقا. وكان موقع يوتيوب، الذي تصدره جوجل، قد بدأ منذ منتصف الشهر الماضي تقديم عرض حي لخدمة بث برامج التليفزيون عبر الإنترنت بشكل تجريبي .. وكان الموقع قد بدأ قبل ذلك في بث لقطات حية لخطاب الرئيس أوباما حول حالة الاتحاد، كما قام الموقع في السابق ببث المباراة الختامية لدوري رياضة الكريكيت في الهند، بالإضافة إلي إحدي حفلات فريق "يو تو" الغنائي. وتشير الإحصاءات إلي أن موقع يوتيوب يزوره أكثر من ملياري زائر سنوياً، حسب إعلان الموقع، وهو ما يتخطي ضعف مشاهدي القنوات الأمريكية الثلاث الأكثر شعبية مجتمعة، وهو ما يضع تليفزيون الإنترنت، أو كما يطلق عليه البعض " الإنتزفيزيون"، في منافسة شرسة مع التليفزيون التقليدي .. وهذا التطور الجديد قد يقلب صناعة الإنتاج التليفزيوني رأساً علي عقب، وقد يغير كثيراً من الأنماط التقليدية للمشاهدة، ويحول التليفزيون من وسيلة اجتماعية، إلي حد ما، إلي وسيلة فردية تماماً .. فكما من الصعب تحديد أذواق متصفحي الإنترنت وتحديد انتماءاتهم ومجالات اهتمامهم، سيكون التليفزيون الإنترنتي تحدياً كبيراً لكل الشركات العاملة سواء في مجال الإنتاج أو الإعلان، وحتي الدراسات الاجتماعية .. إن معدل تزايد التحديات التكنولوجية، وقوة فرضها لنفسها علي العاملين في المجالات الإعلامية المختلفة تتطلب وقفة بحثية جادة، تحدد أولويات التعامل معها، ومنهجيات التناول البحثي مع معطياتها.