اختتمت أمس الأربعاء فعاليات الدورة ال22 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي علي المسرح الكبير بدار الأوبرا أخرج حفل الختام المخرج المسرحي خالد جلال الذي قدم خلالها عرضاً بعنوان "رحلة" تناول فيه رحلة لجنة تحكيم المهرجان منذ وصولها القاهرة ومتابعتها اليومية للعروض حتي يوم ختام المهرجان ، وشارك في بطولة العرض طلبة الدفعة الأولي والثانية والثالثة من مركز الإبداع الفني، أعقب عرض الختام فقرة التكريم 9 شخصيات مسرحية من جميع أنحاء العالم فمن روسيا الناقدة المسرحية "إيرينا مياجكوفا" والتي تصل أعمالها النقدية إلي ثمانمائة عمل حول قضايا المسرح والسينما في روسيا والعالم، وعملت دراماتورج بمسرح ستانسلافسكي الدرامي بموسكو وتقوم حاليا بالتدريس في أكاديمية الفن المسرحي وجامعة نانس2 ومن إيطاليا "إيمانويلا جيوردانو" وهي ممثلة ومخرجة مسرحية، وتعتبر من أهم الشخصيات بالمسرح الإيطالي المعاصر، وقد أثرت المكتبة المسرحية بكثير من الدراسات المسرحية المهمة عن الدراما والسينوغرافيا والدراماتورجية وتوظيف السينما في المسرح، ومن سوريا "حنان قصاب" مخرجة وباحثة وأستاذة جامعية ، شغلت كثيرا من المناصب منها عميد معهد العالي للفنون المسرحية وحاليًا تعمل مدير عام الأوبرا بدمشق وهي مستشارة الإبداع المحلي بالمفوضية الأوربية بدمشق، ومن اليونان "ديموس أفيديليوس" ممثل وأستاذ جامعي له كثير من الإبداعات الإخراجية منها "شخصيات من أعمال فيزينوس " و"نبذة صغيرة عن كل شيء" و"ماكبث" . ومن بولندا "فيتولد مازوركيفتس" هو مخرج مسرحي يعد من أهم رموز المسرح البولندي قدم غالبية أعماله المسرحية بتصور سينمائي وكان يكرس إبداعه للتجريب المسرحي ، ومن ألمانيا "مانفريد بايلهارتس" وهو مخرج ومدرس جامعي ورأس المعهد الدولي للمسرح «ITI» كما أسس ستوديو "بوني" في جامعة ميونخ ومؤسس مهرجان "بينالي بون"، ومن أمريكا "مايكل فيلدز" وهو مخرج وكاتب وأستاذ جامعي أخرج كثيرا من الأعمال المسرحية الرفيعة علي المسرح القومي السويدي ومع فرقة "دي لارتي" وهو المدير الفني للفريق منذ 30 عاما وعضوا مؤسسا له ، ومن الأرجنتين "هوجو لويس ساكوكيا" كاتب ومخرج مسرحي وأستاذ جامعي من أهم كتاباته المسرحية "برج بابل" ، "رواد"، "تصحبك السلامة يا فيليسيا" ، و"عندما تكون الحياة خريفا" ، ومن أضخم إنجازاته تأسيس مكتبة "هويني" ذات الشهرة العالمية منذ خمسة وعشرين عاما ، وأخيرا من مصر كرم المهرجان الفنانة "رجاء حسين" التي سبق وشاركت في عدد كبير من أهم الأعمال المسرحية منها "الناس اللي فوق" و"في بيتنا رجل" و"بداية ونهاية" و"العشرة الطيبة" و"بيت برنارد آلبا" و"سكة السلامة " و"كوبري الناموس" . شهد المهرجان منافسة متنوعة كعادته كل عام بين عروض عربية وأجنبية لكن جاءت عروض الدول الأوربية أفضل كثيرا من العربية، بالرغم من أن معظمها كان خاليا من الحوار المسرحي فقد اعتمد أصحابها علي التمثيل الصامت والحركة فقط ويأتي علي رأسهم العرض الإيطالي "أوديب فوق القمة" وهو يتناول أسطورة "أوديب" ل سوفكليس " وقد خلي العمل تماما من الكلام وإعتمد بشكل كلي علي حركة الممثلين علي خشبة المسرح والتمثيل والموسيقي والإضاءة فقط، و رغم ذلك تفاعل الجمهور معه بشدة حتي أنه كان من أكثر العروض التي أجمع عليها جمهور الحاضرين علي أنه الأقوي والأكثر تميزا بهذه الدورة ، وكذلك كان العرض البولندي" مسرحية عاطفية لأربعة ممثلين" وهو قصة لأربعة رجال يمثلون حياة الرجل الأعذب ويقدمون أنشطته اليومية وعاداته وحالته المزاجية المعتدلة والسئية مع أن كل واحد منهم له حياته الخاصة وإعتمد هذا العرض أيضا علي التمثيل الصامت وكذلك عرض "الإرث" لنفس الدولة فرغم أن هذا العرض كان يتناول قصص المآسي والأفراح التي تتعرض لها عائلة بسيطة مكونة من زوج وزوجة وابنة إلا أنه كان عرضا صامتا أيضا لكن ممثليه استطاعوا توصيل رسالة العمل ببساطة شديدة وبالرغم من أنه كان خارج المسابقة الرسمية للمهرجان إلا أنه لقي إقبالا ملحوظا من الجمهور أيام عرضه علي خشبة مسرح السلام . ليس هذا فحسب فقد تميز أيضا العرض الصيني "ليدي ماكبث" في تناول نص شكسبير بشكل جديد ومغاير لما قدم من قبل خاصة ملابس الممثلين حيث كانت أكثر ما لفت انتباه الحاضرين. والأكوادور أيضا قدمت عرضا مسرحيا بسيطا بعنوان "مدينة النساء الوحيدات" وهو مستوحي من مقاله في أحد الجرائد تحكي عن مدينة تسكنها النساء والأطفال فقط، فهو يلعب علي فكرة وحدة النساء وعواقبها حيث تسبب لهم هجرة الأزواج في إثارة الشكوك حول سلوكهن وسمعتهن ، كما أجمع الجمهور أيضا علي تميز العرض الإسباني "متر مكعب" الذي تناول قصة رجل حصل علي شقة ولكن عندما فتح الباب لاحظ أن حجم منزله الجديد لا يتعدي غرفة واحدة حيث يبلغ حجمها مترا مكعبا واحدا، وكذلك العرض الإيطالي "أورفيوس" كان أيضا من الأعمال المتميزة في المهرجان هذا العام وهو عبارة عن إعادة صياغة لأسطورة "أورفيوس" بعد فقدانه لعروسته "نيجانجو" وفيها يبدأ أورفيوس رحلة بحث طويلة في أكثر الأماكن عمقا داخل كيانه حيث يواجه شكوكه وخوفه . في المقابل جاءت معظم العروض العربية ضعيفة وتقيلدية لم تحمل جديدا فلم ينل إعجاب الجمهور هذا العام من العروض العربية سوي العرض اللبناني "كافكا وأبوه والمدير والذئب والخنازير" وهو عن رسالة طويلة يكتبها الروائي "كافكا" لوالده ، وأيضًا العرض "جوانتانامو..معني الانتظار" وهي قصة ست نساء ينتظرن عودة أزواجهن من سجن جوانتانامو وكل منهن تروي ذكرياتها مع زوجها قبل رحيله ، والعرض التونسي "حقائب" وهو رحلة مع الممثل بإعتباره حقيبة تجر وتحمل وهو يحمل بها صمته وأحلامه وآلامه وأخيرا العرض العراقي "دائرة العشق البغدادية " المأخوذ عن مسرحية "دائرة الطباشير القوقازية " لبريخت ، وقدمت كنوع من الإسقاط علي الواقع العراقي بشكل كوميدي ساخر. وعن المهرجان والعروض المشاركة يقول الناقد المسرحي حسن عطية قدمت هذه الدورة مجموعة من التجارب المتميزة خاصة لأنها أعادت قراءة أكثر من عمل كلاسيكي برؤية جديدة ومغايرة لما قدم من قبل مثل عرض "ليدي ماكبث" لشكسبير الذي قدمته الصين بشكل جديد ، وكذلك عرض "هاملت أو ثلاث فتيان" لبلغاريا و"أوديب فوق القمة " لإيطاليا و"جلسة سرية" قدمته قبرص لجان بول سارتر، وهذا يؤكد علي أن النصوص الكلاسيكية لازالت قادرة علي إحداث الدهشة من خلال دفع المبدعين لتقديم قراءات مختلفة . وعن تفوق العروض الأوربية علي العروض العربية يضيف عطية: لابد أن نضع في إعتبارنا دائما المسافة الزمنية في الإبداع المسرحي بين الأوربيين وبيننا ، فمثلا العرب بدأ عهدهم مع المسرح عام 1847 بينما ظهر المسرح في أوروبا منذ آلاف السنين وبالطبع هذا يجعلهم أكثر تفوقا في هذا المجال فهم استطاعوا أن يجددوا ويغيروا وظهرت لديهم اتجاهات متعددة أما نحن لازلنا نأخذ عنهم ونستفيد من تجاربهم فحتي الآن لم نستطع كعرب تقديم اتجاهات ومدارس ورؤي جديدة في المسرح . وعن اعتماد العروض العربية علي الكلمة بالدرجة الأولي بعكس العروض الأوربية يقول: لأن العروض العربية لا تستطيع الإستغناء عن الكلام فاللغة العربية لدي العقلية العربية هي لغة التاريخ والقرآن فهي جزء من ثقافة الإنسان العربي لذلك هو لا يستطيع أن يحقق قطيعة معرفية مع تاريخه ولغته بينما الأوربي في المقابل يستطيع أن يفعل ذلك وبسهولة فهو يعيش اللحظة الزمنية التي تحدث فيها هذه القطيعة مع اللغة ، كما أن الفن الأوربي بوجه عام الباليه والرقص الحديث جزء أساسي من ثقافته ، وعلي العكس في الدول العربية لا يشكل الباليه جزء أساسي من ثقافة العرب فهو فن نخبوي للغاية ، وجمهورنا يدخل المسرح دائما باحثا عن التواصل مع الكلمة وفي النهاية النص الدرامي هو الذي يبقي ويعيش بدليل أن هذه النصوص الكلاسيكية التي قدمت بالمهرجان هذا العام لازالت تقدم منذ سنوات عديدة لكن العروض الراقصة أو الصامتة تنتهي بمجرد انتهائها. لم تقتصر حالة الجدل بين المسرحيين بالمهرجان هذا العام علي العروض المقدمة فقط بل امتدت أيضا إلي ندوته الرئيسية التي عقدت هذا العام لمدة ثلاثة أيام متواصلة مع الأيام الأولي للمهرجان تحت عنوان "التجريب في مسرح الرؤي" ، حيث أثار هذا العنوان حالة من الجدل بين الباحثين فكل منهم فسر كلمة "رؤي" بناء علي رؤيته لها من خلال بحثه الذي قدمه هذه الدورة فمنهم من قدم تجربته الشخصية مع المسرح البصري أو المسرح المعتمد علي الصورة ومنهم من قدم رؤيته في قراءة أعمال مسرحية لمخرجين آخرين ، لكن ما أدي لحدوث جدل عنيف كان في اليوم الأول للمهرجان عندما قال الدكتور أحمد سخسوخ رئيس لجنة الندوات بالمهرجان أن "التجريب في مسرح الرؤي" يناقش ظاهرة مسرح الرؤي التي ظهرت في نهاية القرن 19 علي يد ألفريد جاري وهو كان معني في هذا الإتجاه بتقديم رؤي العقل الباطن في عمل مسرحي ، لكن في النهاية اتفق الباحثون علي أن مسرح الرؤي هو كل ما له علاقة بالرؤية البصرية التي تقدم علي خشبة المسرح خاصة وأن هذا التفسير هو الأقرب للفكرة الرئيسية للمهرجان حيث أن العروض التجريبية يعتمد معظمها علي الرؤية البصرية .