في عام 1976 صك عالم البيولوجيا الشهير ريتشارد داوكينز مصطلحاً جديداً، ليس في البيولوجيا كما يشير تخصصه، وإنما في مجال الأفكار والثقافة، وهو مصطلح "ميم" Meme (وننطقها كما ننطق كلمة Theme).. وهذا المصطلح قريب من المصطلح الشهير "الجين" الذي نطلقه علي الوحدة المسئولة عن نقل الخصائص البشرية من جيل إلي آخر (الجينات)، ولكن في مجال الأفكار والمعلومات.. فالميم هو الوحدة المسئولة عن نقل الأفكار وتداولها من شخص إلي آخر، ومن مجتمع إلي آخر، ومن ثقافة إلي أخري.. وكما يمكن للجينات أن تظهر أو تختفي، يمكن للميمات أيضاً أن تظهر أو تختفي، وقد تنقرض، أو تظل كامنة بحيث تظهر في أجيال لاحقة، أو مجتمعات أخري.. وتخضع نظرية الميمات لنفس أفكار نظرية "داروين" مثل التطور، والانتقاء، والاختيار الطبيعي، والانقراض، وغيرها من المصطلحات الداروينية. وفي الأسابيع الأخيرة، أطلق الحزب الوطني "ميماً" جديداً في العملية السياسية.. "ميم" يقوم علي "الاختيار" و"الفرز" و"الغربلة"، و"الترشيح للأصلح"، من أجل اختيار أفضل العناصر لتمثيله في الانتخابات التشريعية المقبلة.. ويعتمد الحزب الوطني في ذلك كله علي معايير موضوعية، وعلي أسباب عقلانية، بعيداً عن لغة العواطف أو المجاملات.. الأمر الذي دعا أمين التنظيم بالحزب إلي الإشارة إلي أنه "لا يضمن لأحد مهما كان مركزه أن يتم ترشيحه".. وهذا الميم الجديد ستراه عن قريب منتشراً في كثير من الأحزاب، أو المؤسسات، بعد أن بدأت تظهر نتائجه، وبعد أن اتضحت فعاليته.. كان الأمير الروماني بروتس يقول "أحب قيصر وأحب روما.. ولكن حبي لروما أكبر"، وهي ذات العبارة التي يقولها بأفعاله الحزب الوطني حالياً.. فقد نحب بعض الأفراد، وقد نعجب ببعض الشخصيات، ولكن المعيار الأول للاختيار هو "الصلاحية"، و"الكفاءة"، والقدرة علي خدمة الجماهير والتفاعل معهم من ناحية، والقدرة علي العمل العام من ناحية أخري.. إنها المعطيات التي تجعل "الميم" قادراً علي التحليق والانتشار. سيغضب البعض، وسيقولون مثلما قال يوليوس قيصر "حتي أنت يا بروتس"، في إشارة إلي عمق العلاقة التي كانت تربط قيصر ببروتس، وتوقعه بأن يقف معه.. غير أن بروتس كانت روما في مخيلته دائماً، وكانت المصلحة العامة هي معيار تقييمه للأمور، بعيداً عن العلاقات الشخصية، وبعيداً عن المجاملات.. وهو ما يفعله "ميم" الحزب الوطني الجديد.. لقد أثبت الحزب الوطني بأفكاره الأخيرة، وبميماته الجديدة، أنه حزب مؤسسي، يقوم علي التنظيم لا علي الشللية، ويقوم علي الأسلوب العلمي في الإدارة والتوجيه، وليس علي نظرية "أحلام الفتي الطائر".. هو حزب تخلي عن نظرية "جسم الفيل"، وآمن بنظرية "قوة الأسد".. وما أجمل أن يكون للحزب جسم الفيل وقوة الأسد..