في الذكري ال37 لحرب السادس من أكتوبر لا تختلف أشكال الاحتفال كثيرا عن السنوات الماضية.. وتقتصر الاحتفالات علي قوالب معتادة تفترض أن الأجيال الجديدة تعرف ماهية الحرب وكيف كانت أو تشعر بمشاعر الذين عاصروا تلك الحرب واجتازوها.. والمشكلة أن 37 عاما تعني أن من تعدت أعمارهم الأربعين عاما لا يذكرون حرب السادس من أكتوبر لأنهم وقتها لم يكونوا قد بلغوا الخامسة من العمر ولم تكن ذاكرتهم قد بدأت في العمل بعد.. إذا التقيت بأبناء العشرين وما دونها بقليل أي من هم في سنوات الدراسة الجامعية مثلا وسألتهم عن حرب أكتوبر، لن تجد علي أحسن تقدير إلا بعض الثقافة التاريخية من خلال الدراسة المنهجية في سنوات التعليم المدرسي.. وربما زار أحدهم بانوراما أكتوبر وهي قلة قليلة جدا جدا.. وقد يذكر لك أحدهم فيلم (الطريق إلي إيلات) ولن يذكر لك (الرصاصة لا تزال في جيبي) لأنه فيلم (قديم) قد يكون أصحاب الأربعين والخمسين عاما هم الذين يعرفونه وقد شاهدوه مرتين كل عام منذ أن كانوا أطفالا مرة في السادس من أكتوبر ومرة في العاشر من رمضان.. منظومة الاحتفال إذا تحتاج إلي الكثير من التغيير.. فقد أصبح اليوم السادس من أكتوبر لدي العامة هو يوم إجازة وأفلام وأغاني وأوبريتات خاصة بالنصر.. وبالنسبة للصغار يزيد علي ما سبق كتابة موضوع تعبير عن نصر السادس من أكتوبر والقيام برسم الدبابات والجنود والعلم في ذكري النصر علي صفحات كراسة الرسم.. أما الروح والانتماء والتقارب بين هذه الأحداث والمواطن المصري فقد بدأت بصراحة تتلاشي وبخاصة إذا كان هؤلاء المواطنين لم يعاصروا الحرب ولا النصر.. والمقصود بتغيير شكل الاحتفالية هو إضافة بعض المضمون الإعلامي لها وعدم الاكتفاء بالشكل الحالي.. هو التقريب بين أكتوبر 1973، وأكتوبر القرن الواحد والعشرين.. ليس باختفاء الأغاني أو الأفلام القديمة، ولا بانعدام استضافة المحاربين القدماء والقادة الكبار.. ولكن بتحديث المادة المقدمة ووضعها في أشكال أكثر حداثة تصلح لمخاطبة الشباب والصغار وتقريب الروح الوطنية لا القتالية لهم.. والأفضل ألا تقتصر احتفالات أكتوبر علي الشكل الرسمي والإعلامي فحسب.. بل تمتد لتصير احتفالات شعبية يتشارك فيها المواطنون في الاحتفال بعيد قومي يجمعهم كمواطنين ويقرب بينهم علي اختلاف انتماءاتهم الأخري ويجمعهم حول العلم الواحد والبلد الواحد.. في الولاياتالمتحدة يحتفل المواطنون الأمريكيون في الرابع من يوليو كل عام بعيد الاستقلال والذي يتذكرون فيه إعلان الاستقلال الخاص بهم والذي تم في عام 1776 أي منذ حوالي قرنين ونصف القرن.. ولكنهم قد حولوه إلي احتفال اشبه بشم النسيم عندنا.. عيد شعبي.. يوم فرحة عارمة للجميع.. يخرجون للأماكن المفتوحة ويجلسون جميعهم كبيرهم وصغيرهم من مختلف الطبقات الاجتماعية علي العشب الأخضر في سائر أنحاء البلاد.. يتسامرون ويأكلون وينتظرون الألعاب النارية التي تضيء سماء كل المدن الأمريكية احتفالا بالاستقلال.. ألا نستطيع نحن علي طريقتنا المصرية أن نحول يوم النصر إلي مفهوم عام بالنصر والفرحة ويصبح عيدا شعبيا يعيش طويلا بين المصريين ويقربهم من مصريتهم قبل أن يفقد معناه بمرور السنوات!