والله لسه بدري يا شهر الصيام. الأغنية الجميلة لشريفة فاضل ، ولعلها الأغنية الوحيدة التي لن تنسي، وستظل تحفظ اسم شريفة فاضل بين أهل الطرب . ليس لأن رمضان يأتي كل عام فقط ،ولكن لأنها تغنيها بصدق وتوحد حقيقي مع اللحن والكلمات . ومن الطريف انني منذ نحو عشر سنوات اتذكر هذه الاغنية دائما مع بداية شهر رمضان ! قبل ان تشدو بها الإذاعة مع نهايته ، والسبب شخص سكندري طيب رأيته في أول رمضان ذلك الوقت علي شاشة تليفزيون الاسكندرية، التي لا اعرف إذا كانت مستمرة أم لا، من كثرة ما قرات عن مشكلات القنوات الإقليمية. كانت المذيعة تسأل هذا الشخص عن إحساسه بشهر رمضان ،وقال لها كلاما جميلا، ثم طلبت منه أن يختار أغنية يهديها للمستمعين ،فقال اختار والله لسه بدري يا شهر الصيام. يومها ضحكت أنا وضحكت المذيعة ومن يومها أتذكر الأغنية مع بداية الشهر، رغم أني أعرف أنها لنهايته، بسبب هذا الشخص الطيب . الآن انتهي رمضان ،ولم تجد الصحف الفرصة للهجوم علي المسلسلات التي كان أكثرها ممتاز الصنع . تأليفا وإخراجا وتمثيلا . وسكتت الصحف عن نقد كثير من البرامج الحوارية التي اشتركت فيها قنوات الحكومة والقنوات الخاصة، وكانت في معظمها خارج سياق الفكر والاحترام . مما يجعلني اقول والله لسه بدري حتي نعرف الفارق بين الحكومة والمعارضة والمستقلين . وان كثيرا مما نسمعه من نقد او انتقاد للحكومة من اشخاص متحمسين جدا فقد كثيرا من مصداقيته إذ اشترك اصحابه في لعبة الايقاع بالناس في الغلط او تقديم المشاهير من خلال القيل والقال وليس الفكر والفن . ش لن اتحدث في ذلك مرة اخري فلقد تحدثت فيه من قبل وسأبتعد عنه وأشير إلي برنامجين حقيقيين قلت من قبل انهما خارج هذا الاسفاف ،واحب اليوم أن اثني عليهما ثناء كبيرا. الاول هو "بين قوسين" الذي تقدمه الاعلامية الكبيرة عزة مصطفي رئيسة القناة الاولي، ويشرف علي إعداده الصحفي المثقف والكاتب الحقيقي وائل لطفي. في هذا البرنامج رأينا حوارات ومناقشات بين خصوم او مختلفين فكريا حول قضايا حقيقية اجتماعية وسياسية وإعلامية دون الخوض في الأعراض والقيل والقال فبدا البرنامج وكأنه محاصر بالحوارات الاخري التي كانت تبحث عن فضائح او توقع الناس في بعض. حتي اذا احتد البعض مثل منتصر الزيات وخبط الترابيزة بيده وكسرها بسبب الاديبة والناشطة عفاف السيد، فلقد كان الموضوع جديرا بالنقاش. اجل نظرة الجماعات السلفية للمرأة موضوع كبير ومهم. لقد اعطي هذا البرنامج لتليفزيون الدولة قيمة اكبر من غيرها، وإذا اضفنا المسلسلات التي انتجتها الدولة او ساهمت فيها وعلي رأسها الجماعة وسقوط الخلافة وشيخ العرب همام وأهل كايرو والحارة وماما في القسم وبرة الدنيا مثلا. حتي لو كانت مساهماتها قليلة تتلخص في شراء هذه المسلسلات وعرضها ، اقول أعطي البرنامج وتفاعل الدولة مع المسلسلات الجيدة هذا العام، قيمة لتليفزيون الدولة أرجو ان يحافظ عليها . وارجو ان يستفيد من الدرس ويكف عن البرامج الحوارية التي يتيحها لراغبي الحديث في الفضائح والامور الشخصية . البرامج الحوارية يجب ان تضيف للمشاهد فكرا وليس معلومات عن علاقات الضيف النسائية ولا القضايا التي رفعها او رفعت عليه وكيف خطفت فلانة زوج فلانة. ومن ثم فبرنامج صغير ولطيف جدا يقدمه عمر طاهر بعنوان مصري أصلي يترك اثرا طيبا اكثر من برامج الاتهامات ويترك ايضا مشاهدا مرتاحا نفسيا وسعيدا . البرنامج الثاني الذي أحب ان اتوسع في مدحه هو "كان ياما كان" الذي تقدمه ريم ماجد علي قناة الاون تي في .وريم ماجد لمن تابعها في برامجها حاضرة بطريقتها الشعبية الحميمية وغزارة معلوماتها ورشاقة عباراتها وهذا البرنامج بالذات درس جميل لأنه ينقلنا او ينقل الينا عصورا جميلة في الصحافة والثقافة .طللنا منها علي بلادنا وكيف كانت الفنون والاداب والاخبار السياسية والفنية التي صارت طرائف الآن ، عنوانا علي وطن مريح ومرتاح يعرف ما يريد من أبنائه، ويعرف ابناؤه ما يريدون له . وكيف كان ما ندينه اليوم من فنون ومظاهرها عاديا وإنسانيا ،ودون اي تعليق منها علي ما جري نعرف كيف دفنا الجمال باسم الحرام ولم يكن كذلك .نعرف اسعار العملات وانواع الاعلانات الجميلة والمبهجة والبضائع التي اكلها اهلنا او اكلناها نحن ، جيلي أقصد ، اطفال دون ان نتعرض للسموم !! في حلقة كانت كلها من مجلة الجيل في الخمسينيات عرفنا كيف وفرت المجلة جائزة لمن يعرف الاجابة الصحيحة من قرائها علي السؤال المطروح ،جنيها واحدا . ودون تعليق مباشر من ريم ماجد تتركنا نفكر كيف كانت قيمة الجنيه تستحق ان تكون جائزة كبيرة في اواسط الخمسينيات . ويظهر التعليق في نبرة صوتها ودهشتها المريحة. الأمر مثير لشخص مثلي لا يستطيع ان يتآلف مع الجنيه المعدني الجديد، وأسميه دائما" صاغ " لأنه يشبه القرش صاغ القديم، حتي بت أخشي ان يصبح الصباح فأجده مخروما كما كان القرش تعريفة زمان !! أعطيه للاسف للشحاذين ولمنادي السيارات ،واعتذر قائلا معلش مافيش فكة غير قرش صاغ . ينظرون لي بدهشة كبيرة وهم يتناولونه وينظرون اليه ولا أحد يقول لي إنه جنيه . وقلت مرة لكاتبة صديقة حين ظهر هذا الجنيه انه انتصار للحركة النسائية ولا علاقة له بالاقتصاد ولا التضخم وسألتني كيف ؟ قلت لها يحتاج في حفظه إلي " بوك" ولا يحمل البوك غير النساء . وضحكنا . انتهي رمضان الكريم وأرجو ألا ينتهي برنامج "بين قوسين "حتي يألف الناس الأحاديث والحوارات المثمرة ولا يأخذهم احد الي مستنقعات القيل والقال . وأرجو ألا ينتهي برنامج كان ياما كان . والحقيقة نحن في حاجة الي قناة متخصصة عن الماضي ،أو إلي ساعات كبيرة عن الماضي . نحن في حاجة إلي قناة تاريخية . وهي موجودة في تليفزيونات أوروبا وأمريكا . وفي حاجة إلي بساطة وعمق ثقافة معدي كان ياما كان ومقدمته . وللاسف انتهي شهر الصيام . رغم اغنية شريفة فاضل الجميلة، وكل عام وأنتم بخير.