هو محمد بن محمد بن أحمد، يكني بأبي حامد لولد له مات وهو صغير وشهرته الغزّالي: لقب الغزالي في حياته بألقاب كثيرة، أشهرها، كما عرف به في حياته، هو لقب حجة الإسلام وكذلك عرف عنه أنه: زين الدين، والعالم الأوحد، ومفتي الأمة، وجامع أشتات العلوم المبرز في المنقول منها والمفهوم، بركة الأنام، وإمام أئمة الدين. ولد في عام (450 ه) الموافق (8501 م) في الطابران من قصبة طوس، وهي أحد قسمي طوس. ويبدو أن أباه مال إلي الصوفية؛ حيث إن بضاعته كانت رمزا لهم، إضافة لفقره، والفقر منبع التصوف وكان الأب بوضوح رجلا زاهدا يميل إلي مجالس الوعظ علي نحو ما ذكر السبكي. وفي عام 465ه، بدأ الغزالي يدرس الفقه علي احمد الرادكاني بطرس؛ حتي إذا تمكن من العلم قليلا، رحل إلي جرجان طلبا للعلم علي يد الشيخ الاسماعيلي، وفي سنة 473ه، رحل إلي نيسابور يطلب العلم عند أبي المعالي عبد الملك الجويني، زعيم فقهاء مذهب الشافعية في نيسابور، وأحد منظري مذهب الأشعري، ورئيس المدرسة النظامية فيها؛ فدرس عليه مختلف العلوم التي يعرفها عصره، من فقه، وفقه مقارن، وأصول وكلام، ومبادئ في الفلسفة؛ حتي إذا ظهرت بوادر النبوغ السريع علي الغزالي، أظهر الجويني عناية خاصة به، حتي قال عنه إنه: بحر مغدق، وعلي ما يبدو أن الجويني كان يظهر اعتزازه بالغزالي لتلمذته عليه. نشأ الغزالي في عصر سادته الاضطرابات والفتن، فقد اخذ سلطان السنة يتقلص ويزول والفرق المناوئة تشتد وتقوي، فانتشرت الدعوة الباطنية انتشاراً عظيما وعظم نفوذها. فالشيعة بسطوا سلطانهم علي بغداد علي يد طغرل بغد. علي أن السنة لم تلبث أن استعادتها علي يد السلجوقيين إثر خلاف وقع بينه وبين أولاده بعد موته. فأنشأ الوزير نظام الملك المدارس وأعظمها المدرسة النظامية. وأخذ يعمل علي نشر العلوم الدينية والفلسفية. والي جانب هذه الفتن والفوضي السياسية فقد كان العصر يعج بالمذاهب والتيارات المتضاربة والمتعارضة. فلكل فرقة مذهب تدافع عنه وتتعصب له وتبدع أو تكفر من لا يؤمن به أو يعتقده. ومن هذه الفرق ما ترجع نشأتها إلي عهد الخلافات السياسية في العصور الإسلامية الأولي أو إلي الخلافات الدينية حول تفسير نصوص القرآن. ومنها ما نشأ نتيجة لانتشار الفلسفة اليونانية وغيرها من التيارات التي تسربت إلي الإسلام بدخول الحضارات الجديدة فيه وباتصال المسلمين بعد الفتح بالفرس والروم واليونان. لقد هاجم الغزالي الفلاسفة وقسمهم إلي فئات في كتابه: (تهافت الفلاسفة) ونقض آراء فلاسفة اليونان وفلاسفة العرب الذين أخذوا عن اليونان أمثال الفارابي وابن سينا، وقد راجع مجموع المسائل التي بحثوا فيها إلي عشرين مسألة أهمها قدم العالم وحشر الأجساد ونظرية السببية، وقد رد عليه ابن رشد في كتابه: (تهافت التهافت) فسخف أقواله وأحبط مساعيه. في الواقع لم يكن هجوم الغزالي موضوعياً لأنه لم يجد ثغرة يدخل منها إلي حرم الفلسفة سوي الدين، وكأني به أراد أن يأخذ ثقة الأكثرية من العلماء الإسلاميين الذين كانوا في حرب شعواء مع الفلاسفة في ذلك العصر الذي كان خالياً من الفلاسفة، فبعد ابن سينا لم نسمع بفيلسوف إسلامي أجمعت الناس علي اعتباره من الفلاسفة، سوي (نصير الدين الطوسي). أما أولئك الذين توهموا بأنهم فلاسفة أو الذين أطلق عليهم هذا الاسم جزافاً فلم يكونوا من الفلسفة بشيء، وانه يجب علي اعتبارهم من علماء الكلام أو رجال الفقه والدين لا أكثر ولا أقل ومهما يكن من أمر فإن الغزالي كان يسعي إلي التجديد بالبينة الدينية، غير أن تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح أمام التيارات والعلوم التي كانت تنتشر في مدارس الفلاسفة، وعلي العموم فإننا عندما نقول إن الغزالي لم يكن صاحب مكانة في شئون المعرفة، فلا نلبث أن نعود لتصحيح الخطأ والقول: إنه كان من أكابر المفكرين الذين عاشوا مراحل القلق والشكوك والضياع وفقدان الأمل بكل ما حوله وكانت وفاته في يوم الاثنين 14 جمادي الآخرة سنة 505 ه المصادف يناير من عام 1111م. ودفن في مقبرة الطابران بطوس.