هو أبوبكر محمد بن زكريا الرازي العالم والطبيب والكيميائي البارع، ولد أبو بكر الرازي في بلاد فارس في مدينة صغيرة تقع إلي الجنوب من طهران. 240 - 320 ه «854 - 932م»، وقد انتقل الرازي في بدء حياته إلي بغداد، وهناك تلقي كثيرا من العلوم والمعارف علي يد العلماء الذين عاشوا في بغداد في هذا العصر. وقد كان الرازي شغوفا بالعلم إلي حد كبير، وعرف عنه حبه الشديد لعلوم الطب والكيمياء، حتي أنه تخصص فيهما فيما بعد، وطبقت شهرته الآفاق في كل منهما، خاصة في علوم الطب التي اشتهر بها وبرز فيها، حتي قيل عنه إنه فريد عصره، ووصف بأنه من أعظم أطباء المسلمين، بل من أعظم أطباء القرون الوسطي، وأطلق عليه لقب «جالينوس العرب» تقديرًا لعلمه الغزير، ولبراعته الفائقة في ممارسة الطب. تقول الكتب القديمة إن الرازي مارس الكيمياء أولا، وألف فيها - ثم انصرف - بعد ذلك - لدراسة الطب ولكن البعض يعتقد أن اشتغال الرازي في مجال الكيمياء كان خلال مرحلتين من مراحل حياته: فالمرحلة الأولي: كانت في بداية حياته، حيث اشتغل بالكيمياء وألف في مجالها، وربما أثرت المواد الكيماوية وأبخرتها علي عينيه في هذه الفترة، حيث يقول البيهقي: «فرمدت عيناه بسبب أبخرة العقاقير المستعملة في الإكسير» ويضيف أنه ذهب إلي طبيب لمعالجته، ولا شك أن هذا كان قبل أن يدرس الطب، أي في مقتبل حياته، وقد يصح أن الرازي انصرف بعدها إلي دراساته الأخري في الطب والفلسفة وغيرهما من العلوم، كما ورد لدي المؤلفين، وتأتي بعد ذلك المرحلة الثانية التي عاود فيها الرازي اشتغاله بالكيمياء، وربما طغي الجانب النظري أي جانب الدراسة والتأليف علي الجانب العملي في هذه المرحلة التي نعتقد أنها كانت في أواخر حياته، ونستدل علي معاودة الرازي للاشتغال في مجال الكيمياء في أواخر حياته مما جاء في مقدمة كتابي الأسرار، وسر الأسرار من أنه ألف هذين الكتابين بناء علي طلب أحد تلاميذه من أهل بخاري، وهو عالم بالرياضيات والعلوم الطبيعية والمنطقية، ولا شك أن هذا كان بعد شهرته وتتلمذ كثير من طالبي العلم علي يديه، أي بعد مرور مدة طويلة علي المرحلة الأولي، وترد في نفس المقدمة اشارة تدل علي تقدم الرازي في السن حيث يقول: «ولولا علمي بانصراف أيامي دون أجلي، ومخافتي من فوت ما آمله وأرومه لم أكن بالذي أجمع له هذا كله في كتاب واحد بهذا الاستقصاء». أما ممارسة الرازي للطب فكانت في سن متقدمة، وقيل إنه مارس الطب بعد سن الأربعين، ويري أحد الباحثين المحدثين حيث يعتقد أن الرازي بدأ اشتغاله بالطب في حداثته، ويستخلص دلائله علي ذلك من مخطوطات وكتب الرازي، ومن المصادر الأخري. ولعل كثرة عدد كتب الرازي المؤلفة في هذا المجال وتنوعها، يؤيد رأي الباحث المذكور ويتوافق معه. وقد مارس طبه مدة طويلة في المشافي، وينعته ابن جلجل بأنه «طبيب مارستاني»، وقد احتل الرازي مناصب مهمة في المشافي التي عمل فيها، فتولي إدارة بيمارستان الري. وعندما قصد بغداد وأقام فيها أدار أحد بيمارستاناتها، كما تذكر نفس المصادر. ويتميز أبوبكر بوفرة إنتاجه العلمي، فقد زادت مؤلفاته علي «220» مخطوطة ورسالة وكتابا، ولكن للأسف الشديد لم يصل إلينا من هذه المؤلفات إلا عدد قليل. ويرجع السبب في ذلك إلي حدوث بعض الاضطرابات والانقلابات السياسية في بعض الدول العربية في العصور التي تلت عصره، وكان لمثل هذه الاضطرابات أثر سلبي علي تقدم ونمو الثقافة وازدهارها في كثير من هذه البلدان. وقد ترك أبوبكر الرازي ثروة من المؤلفات القيمة، وربما من أشهر هذه المؤلفات كتاب: «الطب الروحاني»، وكتاب: «سر الأسرار». وكتاب: «الحاوي»، وكتاب: «الأسرار في الكيمياء». ولقد كان للرازي منهج علمي دقيق سبق به علماء الغرب بعدة قرون، وأخذ وصفه الواضح لهذا المنهج بألباب علماء أوروبا، حتي أن أحد العلماء الفرنسيين قام بترجمة هذا المنهج ترجمة حرفية، ونسبه إلي نفسه، ومازال علماء الغرب ينسبون هذا المنهج لهذا العالم الفرنسي حتي اليوم. ولقد تميزت حياة الرازي بقلة بل ندرة المعلومات الثابتة المتعلقة بمختلف جوانبها، وما وصل إلينا من معلومات عنها كان غامضا وغير محدد، ولكن تميز الرازي أيضا بتنوع وثراء واتساع أعماله، مع شدة تأثيره في مجالات العلوم التي «طرقها والتي وصلت إلينا، خاصة في الطب والفلسفة والإلهيات وعلم الكيمياء، ونستطيع أن نذكر بخفر مساهمته في وضع الأسس العلمية التجريبية لعلم الكيمياء. كما أننا نستطيع من خلال دراستنا لأعماله الطبية وصف الرازي بأنه أعظم أطباء عصره، وأن نضعه في صف أعظم الأطباء في تاريخ الطب بشكل عام.