من وصف ابن الأثير لحالة الدولة العباسية في عهد الرضي (322 - 329ه) تقف علي أسماء الولايات التي كانت تتألف منها هذه الدولة المتداعية، واستبداد كثير من الولاة واستقلالهم عن الدولة: (ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها، والحكم في جميعها لابن رائق ليس للخليفة حكم. وأما باقي الأطراف فكانت البصرة في يد ابن رائق وخورزستان في البريدي، وفارس في يد عماد الدولة بن بويه، وكرمان في يد أبي علي محمد بن الياس، والري وأصبهان والحبل في يد ركن الدولة بن بويه ويد وشكير أخي مرداوايج يتنازعان عليها، الموصل وديار بكر ومضر ربيعة في يد بني حمدان، ومصر والشام في يد محمد بن طغج، والمغرب وإفريقية في يد أبي القاسم القائم بأمر الله بن المهدي العلوي وهو الثاني منهم ويلقب بأمير المؤمنين، والأندلس في يد عبد الرحمن بن محمد الملقب بالناصر الأموي، وخراسان وما وراء النهر في يد أحمد الساماني، وطبرستان وجرجان في يد الديلم، والبحرين واليمامية في يد أبي طاهر القرمطي ). وقد ذكر ابن الأثير الصفات التي يجب أن يتحلي بها من يرشح لولاية الأقاليم وتدبير شئونها والعمل علي إسعاد أهلها، فقال: إنه لا يصلح لهذا الأمر إلا (رجل قد تكاملت فيه خصال أربع: حزم يتقي به عند موارد الأمور حقائق مصدرها، وحلم يحجزه عن التهور والتغرير في الأشياء إلا مع إمكان فرصتها، وشجاعة لا تفضها الملمات مع تواتر حوائجها، وجود يهون تبذير الأموال عند سؤالها، وشرعة مكافأة الإحسان إلي صالح الأعوان، وثقل الوطأة علي أهل الزيغ والعدوان، واستعداد للحوادث إذ لا تؤمن حوادث الزمان). ولم يغير العرب نظم الحكم في مصر تغييرا يذكر بعد الفتح، حتي جاءت الدولة الفاطمية فأدخلت عليه كثيرا من التغيير. فقد عمل جوهر الصقلي علي إحلال المغاربة الشيعيين محل المصريين السنيين في المناصب المهمة ليفتح المجال أمام هؤلاء المغاربة. ومن أهم الأعمال الإدارية التي أسندت إلي الشيعيين: الوزارة، وجباية الخراج، والقضاة والحسبة، وفي عهد الفاطميين كانت مصر مقسمة إلي أربع ولايات كبري هي: ولاية قوص وولاية الشرقية، وولاية الغربية، وولاية الإسكندرية. ولم يختلف نظام الولاية علي الأقاليم عند الفاطميين والأمويين في الأندلس اختلافا يذكر عنه في عهد العباسيين. الدواوين: كانت الدولة العباسية أشبه باتحاد يتألف من ولايات كثيرة، لكل ولاية ديوان ببغداد يشرف علي شئونها. وينقسم كل ديوان قسمين: الأول، ويسمي الأصل، ويخص بسن الضرائب وحملها إلي بيت المال، والثاني، الزمام أو ديوان المال. واستمر هذا النظام إلي أن ولي المعتضد الخلافة (سنة 279ه)، فضم كل دواوين الدولة بعضها إلي بعض، وكون منها ديوانا واحدا أطلق عليه (ديوان الدار)، ويسمي أحيانا (ديوان الدار الكبير). وقد أثني هلال بن الصابئ علي نظام الدولة العباسية في عهد المعتضد (279 - 289ه) في هذه العبارة فقال: (وسمعت مشايخ الكتاب يقولون إنه لم يجتمع في زمن من الأزمنة خليفة ووزير وصاحب ديوان وأمير جيش مثل المعتضد بالله، وأبي القاسم عبيد الله ابن سليمان، وأبي العباس بن الفرات وبدر). وقد قسم المعتضد الديوان أقساما ثلاثة: ديوان المشرق، وديوان المغرب، وديوان السواد (يعني العراق)، وأسند (الأصل) لشخص واحد و(الزمام) لشخص آخر. وفي القرن الرابع الهجري كانت إدارة الدولة (تنقسم إلي ما يشبه وزارتين، إحداهما للداخلية، وهي ديوان الأصول، والأخري للمالية، وهي ديوان الأزمة، وكان كل ديوان كبير ينقسم أقساما تسمي دواوين أيضا، لأنه كان لكل ناحية ديوانها، ولكن لما كان الوزير، هو رئيس السلطة المركزية، هو الذي يتولي إدارة ديوان السواد بنفسه، فإن كثيرا من دواوين الولايات ببغداد كانت تقوم مقام دواوين الدولة. (للحديث بقية)