"الأراجوز"، كلمة شهيرة جدا بمعجم المصريين، لكن ما هي حقيقة الأراجوز؟ هذه الدمية الخشبية، التي وصف الرحالة التركي "أولياجيلي" في القرن العاشر الهجري قدرتها علي تحسين حالة المرضي، والآن وبعد كل هذه القرون، انتهي الدكتور نبيل بهجت، مدير بيت السحيمي، من توثيق التراث الشفاهي للأراجوز وخيال الظل، من خلال مشروع يعمل عليه منذ عام 2000، سيتم رفع مادته علي الإنترنت، ليكون متاحا للجميع، بالتعاون مع المجلس الأعلي للثقافة وصندوق التنمية الثقافية، فكان من الأهمية رصد هذا المجهود، الذي يتوافق مع رغبة عامة في الحفاظ علي تراثنا الشعبي. كيف تري أهمية توثيق التراث الشفاهي؟ - توثيق التراث الشفاهي يعد حفظا للأرشيف القومي، وذاكرة الأمم، خاصة في ظل حالة الهجوم الاستهلاكي، وطرح النماذج الغربية، والاتجاه إلي استغلال النماذج المحلية، وتغريبها لصالح نماذج أخري، ومن قبل شركات عابرة للقارات تهدر حقوقنا؟! فمثلا نموذج مثل "علاء الدين" وهو نموذج عربي، يستخدمه الغرب دون مقابل مادي، ومن هنا كان ضروري أن يتم إعادة توظيف واستغلال هذا المنتج الثقافي، الذي تم إنتاجه عبر أجيال متعاقبة، اقتصاديا، من خلال أرشفته في البداية. ما الوقت الذي استغرقه هذا المشروع؟ وما الجهات التي قامت بدعمه؟ - الدعم المادي يعتبر عائقاً لأنه علي كيفية التمويل وليس كيفية العمل، فأنا أري أن عملي هو ما سوف يجلب لي الدعم، فأنا في بداية مشروع الأراجوز وخيال الظل كان الأهم عندي أن أوثق التراث بشكل جيد، وأنتجت أول كتاب في مصر متخصص عن الأراجوز وخيال الظل، وهو تحت الطبع لدي وزارة الثقافة، وكذلك 19 فيلما تسجيليا، تضم المادة الوثائقية للأراجوز، مدة الفيلم حوالي ساعة ونصف الساعة، من إجمالي 13 ساعة تقريبا. حدثنا عن خطوات العمل ومتي بدأت؟ - بدأت عام 2000 بالتعرف علي لاعبي الأراجوز والدخول في مجتمعاتهم، وكنت أتعرض لمشاكل طبعا، ولكني أصررت علي استكمال العمل فكنت أصور لحظات حية يؤديها الأراجوز، مثل عروضهم في مولد السيدة فاطمة النبوية، أو مولد السيدة زينب، والبعض كان يطلب مقابلا ماديا للتصوير، والبعض لا يطلب. ثم سافرت للبحث عن لاعبي الأراجوز في أماكن مختلفة مثل: الفيوم والشرقية والصعيد، فكان معظم تجمعاتهم في القاهرة، حتي المقيمين منهم خارجها، وقد بدأت بشارع محمد علي، وكان دليلي رجل موسيقي هناك اسمه عبد الحميد كامل، تعرفت منه علي العديد الذين اعتبروني مصدر عمل بمقابل مادي، فبدأت بمجموعة من اللاعبين منهم: "شيكو" و"صلاح المصري"، و"عم صابر المصري" عمدة الأراجوز. كيف كنت تفرق بين الفنان الحقيقي الذي يتخذها مهنة للكسب فقط؟ - أولا، كنت أبحث عمن هو هذا الرجل؟ ما هو تاريخه؟ ما شهادة الناس فيه؟ أنا أجمع فنا شفاهيا من معايشة الناس وصحبتهم، وقد توصلت إلي سبعة لاعبين فقط، وتأكدت أنهم لاعبون حقيقيون، فسجلت كل ما عندهم فأصبح عندي سبعة رواة ل19 "نمرة" مختلفة، والنمرة هي المسرحية الواحدة، منها: البربري، الشحات، الحانوتي، النصاب، فنان بالعافية، الأراجوز ومراته السودا، الأراجوز ومراته، حرب اليهود، الأستاذ ..... إلخ، وكنت حريصا علي جمعها بحالتها الطبيعية والحقيقية. هل الرواية تختلف من لاعب لآخر؟ - أنا جمعت النمرة الواحدة من سبعة لاعبين، كل منهم استمعت له في نفس النمرة أكثر من مرة في أوقات مختلفة، للوقوف علي الاختلافات الارتجالية. ما أهم ملامح لعبة الأراجوز بشكل عام؟ - أولا المكونات وأهمها اللاعب، فيكون حافظا ومتقنا للأداء، ثم "العرائس"، ويكون عددهم أكثر من 16 عروسة، وهو العروسة الرئيسية ومراته، وابنه فلفل والبربري والشحات...إلخ، وهنا تظهر التباينات، هناك مقومات للاعب الأراجوز أن يكون حسن الصوت وحافظا للنمر ومدرب، ثم يأتي مساعده وهو "الملاغي"، وهو عنصر مهم جدا حيث ينظم الحوارات بين العرايس وبعضها والحاضري، ثم يأتي الوسيط الثالث وهو "البرفان"، وهناك آخرون يستخدمون الخيمة مثل محمد كريم وآخر يستخدم عربية الأراجوز، وآخر يستخدم "الباربة" وهي مثل البرفان، تطبق علي اثنين ويحملها علي ظهره، أيضا تأثير عامل اختلاف المكان ففي المولد نجد العرض يضم ألفاظا خارجة وكلامًا جنسيا يضحك الجمهور، بينما عروض أعياد الميلاد تكون مهذبة، إذن الأراجوز ليس للأطفال فقط، أيضا شخصية اللاعب عامل مهم من حيث أخلاقياته. كفن ارتجالي كيف يتضح مدي تناغم العرض وتفاهم "الأراجوز" و"الملاغي"؟ - هذا يتشكل حسب سياق العرض ومكان وزمان العرض، وحسب طبيعة الملاغي بذاته، فإذا انسجم لاعب الأراجوز مع الملاغي، يكون العمل ناجحا، بينما إذا كانا غير منسجمين، ينهي العرض سريعا، كما أن لاعب الأراجوز يملك حسا فطريا للمقامات، فلا يسمح بأي نشاز أثناء العرض، فنجد أن العرض يشتمل علي الموسيقي أيضا، وهي من تخصص الملاغي، فهناك مساحات للارتجال موجودة، وتنشأ حسب العلاقات السياقية، علي مستوي الزمان واللحظة التاريخية، التي يعيشها هذا الشخص، ومدي استقباله ووعيه بها، والمكان الذي يتم فية العرض، أما العمود الفقري للعرض هو شكل القصة نفسها وهدفها ونهايتها. من خلال معايشتك للاعبي الأراجوز، ما أهم مشاكلهم؟ - لاعبو الأراجوز بمصر عددهم قليل، أهم مشاكلهم هم السبب فيها، ومن أهمها تقنيات عملهم، فمثلا "الأمانة" لا يعرف عنها أحد شيئًا إلا القليلين جدا، وهي عبارة عن شريط القطن الموجود في طرف الثوب الدمور، ويظل في الشاي ثلاثة أيام، ثم يكويه ويبدأ العمل به، وكان عم صابر هو الوحيد الذي يعرف هذا السر، ولم يبح به لأحد، وهناك جزء من مشروعي هو استرجاع العرائس الأصلية المصنوعة من الخشب، فأحضرت عرائس لآخر الصانعين مثل محمد الفران، وبدأت استنسخهم مرة أخري. كيف يمكن إحياء فن "الأراجوز" في عصر الإنترنت؟ - المباشرة والتفاعل أهم ما يميز هذا الفن عن غيره، الإنترنت والسينما تفتقد هذا الجزء الإنساني، حيث إنه يتفاعل مع الجمهور ويرد عليه ويشركه معه في العرض، فيصنع حالة من المشاركة والمباشرة في الأداء، والتفاعل المزدوج مما يعطي استمرارية للحياة. وماذا عن خيال الظل؟ - خدمني القدر في لقاء آخر لاعب خيال ظل شعبي قبل وفاته بثلاثة شهور، وهو حسن خنوفة، وصورت له ثلاث بابات هي: "علم وتعاديير"، و"التمساح"، و"العساكر"، وقد قمت بتصوير طريقته في صنع العرائس وصنع الشاشة، وأجريت معه عدة حوارات، عن حياته وطريقة أدائه، وقمت بتصوير أدائه من خلف الشاشة ومن أمامها، وجمعت كل أعماله، والآن فرقة "ومضة" تعمل علي استكمال مسيرته في إحياء هذا الفن الشعبي.