ما الفارق بين المرأة الحديدية.. والمرأة الحريرية؟ وما الفارق بين القوة الناعمة.. والقوة اللائمة.. ولا أقول الغاشمة؟! الفارق هو ما تمثله امرأتان علي الشاشة الآن من نموذج القوة.. فوزية طه السباعي وعفت عبدالحميد الشربيني، والشاشة هي شاشة الدراما في رمضان، أي أوسع الشاشات انتشارا بين المصريين، والتي تتيح فرصة ذهبية لتأمل هذه النماذج الإنسانية التي أبدعتها قرائح كتاب قدامي وجدد، كتاب وليس كاتبات ما يعني أن المقدرة علي التعبير عن قضايا نصف الإنسانية ليست حكرا علي جنس دون الآخر. وفوزية طه السباعي هي المرأة التي تقوم بدورها الفنانة الكبيرة سميرة أحمد في مسلسل «ماما في القسم» للكاتب يوسف معاطي والمخرجة رباب حسين، وهي امرأة حقانية لا تحيد في حياتها عن الحق والعدالة في كل ما تفعله سواء في حياتها الخاصة أو العملية، فهي أم ربت ثلاثة أبناء كبروا وتنكروا لها، لأنهم تذكروا فقط لحظات قسوتها عليهم حين يخطئون ومحاسبتهم علي أي هفوة تصدر منهم، كانت تريد أن تخلق منهم «فارس وفريدة ورءوف» بشراً صالحين يقدمون ما عليهم ويحصلون علي حقوقهم دون زيادة أو نقصان، تركوها فاستمرت تعلم غيرهم بما آمنت به من خلال المدرسة التي تمتلكها وتديرها وتحمل اسم والدها العالم الفاضل الراحل.. وفيها سارت علي نفس المنهج مع العاملين بالمدرسة، لا تنظر للرتوش النهائية ونسب النجاح وإنما تختبر الناجحين لتدرك أنه نجاح مستحق وأن المعلمين يعلمون حقا وليس تسديدا للخانات، حتي الكافتيريا المجاورة للمدرسة التي تبيع للتلاميذ الساندوتشيات لم تتركها فوزية تمارس عملها بعد إصابة بعضهم بحالات تسمم.. فوزية ليست امرأة مستفزة كما حاول البعض داخل المسلسل وخارجه وصفها ولكنها حالة إنسانية لم يصبها ا،لتلف بعد ولا يرهبها أحد لأنها امرأة دوغري ومواطنة تدرك حقوقها ولا تخاف المطالبة بها، حتي لو طالبت بمحاكمة وزير الداخلية لأن موكبه عطلها هي وغيرها من المواطنين عن الذهاب لأعمالهم صباحا، وغيرها من الافعال الطبيعية التي أصبحت الآن في رأي الكثيرين منا تمثل ضربا من الجنون وعبثا لا فائدة منه. لكن فوزية لا تشعر بهذا كله بل علي العكس.. فالاستفزاز الأكبر لها هو أن تري الآخرين مستفزين منها، ليضعنا المسلسل في ورطة حقيقية.. كيف نعادي أو نستفز من صاحب الحق إذا طالب بحقه من الكبار قبل الصغار بلا خوف.. ولماذا نخاف؟ وعفت.. الناعمة كالحرير تنهض أما عفت الشربيني فهي المرأة التي أدت دورها الفنانة القديرة ليلي علوي في مسلسل «حكايات وبنعيشها» في جزئه الأول الذي انتهي عرضه منذ يومين وكان عنوانه «كابتن عفت» للكاتب محمد رفعت والمخرج سميح النقاش، وعفت هذه امرأة شابة توفي زوجها وترك لها ثلاثة أبناء في رعايتها مراهقين «ولدا وبنتا» وطفلا صغيرا هو عبدالعزيز الذي تناديه بزيزو، وأيضا أب وحيد بعد رحيل أمها «أسامة عباس»، وبالطبع تكتشف عفت أن معاشها الضئيل ما عاد قادراً علي إعالة الأسرة، ولا معاش الأب ولا المدخرات، فكلها نفدت ولا سبيل لها إلا النزول إلي الساحة والبحث عن عمل، ولأن «الميري» هو أول ما يتبادر إلي الذهن فإن عفت خريجة كلية التربية الرياضية القديمة تذهب إلي وزارة الشباب والرياضة فيطردها الموظفون بلطافة فلا يوجد مكان لاحد لكنها تقتحم مؤتمرا صحفيا للوزير بالتحايل وتحرجه أمام عدسات الفضائيات ومندوبي الصحف وتفلح في دفعه إلي الاعلان عن مسئوليته عن توظيفها ولا تضيع وقتا، فقد فتحت لنفسها جبهتين للعمل، جبهة المنزل الذي اتخذت من سكانه مستشارين لها وعلي رأسهم الأب «الكبير» وزيزو «الصغير» وجبهة الخارج حيث وجدت في صحفي معد بإحدي الفضائيات تعاطفا حقيقياً مع قضيتها برغم رغبته الأساسية في الحصول علي «سبق إعلامي» وقصة لها امتداد تدعم موقفه. هكذا انطلقت عفت ولم تغضب حين تم تعيينها في مركز شباب اسمه «نادي الشهداء» بمنطقة شعبية فقيرة، وفيه وجدت الخراب بعينه وحوله الذئاب ممن يحلمون باستغلال الموقع والاسم والنشاط الوهمي لتحقيق مكاسب علي الورق، إما لترقية أو لحشد الانصار في انتخابات مقبلة. ولم تخف عفت أو تتراجع ولم تخجل من الاعتراف بضعف موقفها بعد سنوات التخرج والجلوس في البيت فسعت إلي تلقي دورات تدريب علي الإدارة وعلي كل ما تعلمته زمان ونسيته، غيرت «اللوك» وقررت أن تخوض المعركة علي أرض الملعب، وفي حواري المكان ومع الناس الذين كان بعضهم غاضبا لأن أولاده محرومون من دخول ملعب قريب منهم فانصرفوا إلي أنشطة هدامة كالجلوس علي القهاوي وشرب الحشيش وبعضهم رأي أن إغلاق الملعب فرصة لدفع الأولاد الي البحث عن عمل يساند الأسرة. كانت عفت تواجه نفسها في مرآة المنزل وتسألها! هل تقدرين علي مواجهة كل هذا؟! ويأتيها الرد من «زيزو» الصغير بأنها تستطيع، فتشعر بالقوة، وتذهب وقد حددت مهمتها في رفع الروح المعنوية للجميع ثم رفع الأمور المادية، فلا يمكن لمن خوت بطونهم وخلت بيوتهم من الطعام أن يقدموا شيئا للآخرين. ونجحت «كابتن عفت» القوية الناعمة كثيراً والحديدية أحيانا أخري في أن تكون إنسانة حقيقية قادرة علي «تحريك» الآخرين في الاتجاه الصحيح. أيهما أكثر فاعلية.. فوزية أم عفت وأي الطرق أفضل من غيرها في الوصول الي الناس للتأثير فيهم ومساعدتهم في الحركة الي الاتجاه الصحيح؟! ليس هناك كلام نهائي حول هذا، ولكنني الآن بعد أن رأيت «كابتن عفت» وأتابع «ماما في القسم» أعتقد أن الانحياز للحق والعدالة يحتاج إلي كل النماذج وليس فوزية وعفت فقط، وأن «بث» فكرة الشوق إلي «العدالة» والجهد من أجلها هو عامل مهم وملهم للكثيرين علي تبنيها بداخلهم حتي لو لم يتم إثبات هذا من خلال استطلاعات المشاهدة وتقاريرها الصماء.. وهذه هي مسئولية الدراما وأصحابها حين يكتبون لنا هذه المسلسلات الممتدة ويطرحون شخصياتهم وأفكارهم.. لأن كل شيء يذهب سريعاً إلا هذه الأفكار. وأروع ما يقدمه كاتب في النهاية أن يترك لنا فكرة نبيلة ويرحل لتبقي هي وتتفاعل داخلنا في اتجاه متصاعد.