للاسم دور مهم في جذب المشاهد منا إلي الجلوس أو البحث عن هذا العمل أو ذاك، فاسم «الجماعة» يثير في النفس قدراً من الرهبة يساويه قدر من الغموض، واسم «موعد مع الوحوش». مثلا هو دعوة لترقب جرعة مؤكدة من العنف، أما «اختفاء سعيد مهران» فلابد أنه يعيدنا لتذكر اسم بطل قصة محفوظ الشهيرة «اللص والكلاب» وماهية علاقته بهذا المسلسل الجديد الذي يعرض في رمضان الحالي علي شاشات عديدة ولن أتوقف بالطبع عند أسماء لأعلام وضعها صناع الدراما علي العنوان، فهي عالم بذاته فيه كل ما يمكنا تخيله حين نقرر أن نتابعه. اسماء مثل «كليوباترا» التي نسجت حولها أساطير كثيرة، ومثل نازلي ملكة مصر التي فضل صناع مسلسلها كتابة عنوان «ملكة في المنفي» بدلا من اسمها ليذكرونا بهويتها ومأساتها في آن واحد وكذلك «زهرة وأزواجها الخمسة» العنوان الجاذب لقصة امرأة وضعتها الظروف في موقف جاذب للمتابعة والفرجة وأخيراً يأتي اسمان آخران لعملين تحدثت عنهما في المقال السابق هنا وهما «ماما في القسم» و«كابتن عفت»، وكل اسم منهما يشير إلي جزء مهم من قضية العمل، وربما يكون القصد منه هو استفزاز المشاهد لرؤية هذه الغرائب، وهي ذهاب امرأة إلي قسم البوليس أو ممارستها مهنة التدريس الرياضي وحصولها علي لقب الكابتن. واللعب علي المفارقات والغرائب في حياة المرأة ليس جديدا في الدراما ولكنه هنا هذا العام يأخذ شكلا أبعد حين يطرح مسلسل باسم «امرأة في ورطة» عن العلاقة بين الزواج العرفي والصراع الاجتماعي لدي أهل القمة مع أن أمور هذا الزواج أصبحت أمرا شخصيا. في مسلسلات أخري مثل «الحارة» ومثل «نعم مازلت آنسة» وهذا المسلسل الأخير هو جزء من نوبة صحيان أو انفتاح علي قضايا النساء المتأزمة في مجتمعنا التي كانت ضمن جدول العيب وانتقلت منه الآن إلي جدول المطالبة بالحلول والاستحقاقات. فغير «نعم مازلت آنسة» يعرض مسلسل أكثر صراحة في هذا الاتجاه هو «عايزة أتجوز» وبطلته في حالة حراك دائم وبحث عن عريس بكل الطرق، وهي تختلف كثيرا عن بطلات «العار» الأكثر جرأة وانتهازية، بينما تعاني الأكبر سنا، منهن من الماضي والحاضر معا، زوج وأب ظالم وأولاد أصبحوا ضحاياه بعد موته. وهناك من نساء هذه الأيام من تعاني بسبب استضعاف المجتمع لها ومحاولة سرقتها بعد موت أبيها كما في «قضية صفية»، أما أصعب ما تعانيه المرأة هنا في المسلسلات التي تطرح ما في الحياة فهو جعلها «هدية محبة» أو دليل وئام عائلي بعد خلاف طويل أو جزء من صفقة بين الرجال بغض النظر عن أن هذه «الهدية» تصبح مشكلة لأن المهدي إليه متزوج من أخري وهو ما نراه في «اختفاء سعيد مهران» حين يتزوج همام من «عبلة» قريبته تنفيذا لوعد أمه رغم زواجه من «ثريا» التي أحبها كثيرا، ثم يقبل هدية الرجل الكبير الذي يعمل معه لاسترداد حقوقه «فاضل بك» بالزواج من «باكينام» ابنته! وكذلك يفعلها رجل آخر غير ضعيف هذه المرة بل قوي فهو شيخ القبيلة وهو «همام شيخ العرب» في حين يتزوج امرأة صغيرة بناء علي إلحاح أبيه برغم محبته الفائقة لامرأته «صالحة» التي تشاء الأقدار أنها التي تنجب له وليست الصغيرة، وفي «موعد مع الوحوش» يفرض الأب عرباوي علي ابنه الشاب زوجة أخري حتي يقوي علاقته بنائب مجلس الشعب. وليس هذا حصرا لقضايا المرأة في مسلسلات هذا العام ولكن لبعض ما قدم عنها من أفكار بعضها لم يخترعه الكتاب والمؤلفون، وإنما فرضته ظروف الواقع المتأزم التي كانت أقوي من أن يتغاضوا عنها حين يكتبون أعمالهم للملايين. ومع ذلك كله فإن هناك من لم يكتف بتقديم شخصياته وإنما حاول تشريحها من الداخل، وسواء وفق في ذلك أو لم يوفق فإننا أمام مجموعة من النماذج النسائية اللافتة في أعمال مثل «الحارة» التي تكاد تكون فاترينة أو عرضاً نابضا بالحياة للنساء المتواضعات اجتماعيا وجهدهن الجبار لاستمرار حياتهن وأسرهن وفي «قصة حب» دراما للحياة خلف النقاب وما تكشف عنه مما هو متوقع أو غير متوقع بالمرة، وربما لأول مرة تقدم الدراما التليفزيونية بطلة ترتدي النقاب في الدراما المصرية ولأول مرة أيضا تظهر بطلة ونجمة بدون شعرها طوال الحلقات حليقة الرأس علي الزيرو تتحدث عن ظلم المصريين في وطنهم من مكان لمكان في مسلسل «السائرون نياماً» للكاتب سعد مكاوي الذي كتب روايته عن عصر المماليك والبطلة الحليقة هي فردوس عبدالحميد في دور «بهلولة» من البهاليل الذين كثروا في هذا الزمن. أما «صافي» بطلة «أهل كايرو» أحد المسلسلات اللافتة الآن فهي المرأة التي يتسبب موتها في حفل زفافها في البحث عنها وعن القاتل طوال الحلقات من قبل رئيس المباحث بطل المسلسل خالد الصاوي، ومشكلة هذا العمل أنه يبدأ من القمة، قمة الحدث، ولكنه حين يهبط بك إلي التفاصيل المهمة لحياة امرأة من أصل متواضع جدا أصبحت نجمة مجتمع لا يستعيد قصتها بأسلوب يضع يدك علي أسباب معاناتها التي دفعتها لترك الاسرة والحي والطبقة وصولاً إلي القمة التي أرادتها، ولكنه ينصرف إلي هدف آخر هو تقديم صورة أوسع لعالم الفساد في القمة الذي ارتبطت هي بالعديد من نجومها وكانوا سبب مأساتها ومع ذلك فإن البرومو الذي تعرضه قنوات التليفزيون المصري بإصرار منذ ما قبل رمضان وإلي الآن في نهاية الشهر يقول علي لسان ضابط الشرطة الباحث عن الجاني إن المرأة أو النساء «قوة قتل ثلاثية» وهذا نموذج للاستخدام التجاري للكلمات بعكس المنطق. منطق الدراما هنا ومنطق الحياة التي مازالت المرأة فيها ضحية للرجال والقوانين والأعراف والثقافة السائدة وغيرها من النظم وهذه قضية مهمة لابد من مناقشتها في موضع آخر لأن ما يصدر من دعاية عن العمل الفني داخل الجهاز الإعلامي الذي يعرض هذا العمل لابد أن نتعامل معه بمنتهي الحساسية وليس بالمنطق التجاري والبحث عن كلمات بعينها لتصديرها طوال ساعات الليل والنهار لنا، وأعلم أن من يقوم بهذا العمل أي المونتاج وإعداد فقرات الدعاية للمسلسلات ما بين الفقرات هم شباب متعلم ومحترف، ولكن هذا لا يكفي لأن الإعلان عن عمل فني قد يفيد تقديمه للناس أو يجعلهم يسيئون فهمه، وإذا كان البعض قد أقام مذبحة لبعض الأفلام الجيدة بسبب إعلاناتها في التليفزيون كجهاز لابد أن يضع المسئولية الاجتماعية كشرط أساسي لما يتم الإعلان عنه للناس من المسلسلات والبرامج خصوصاً الإعلانات.