الدواوين في عهد الرسول والخلفاء الراشدين: لقد وجد الديوان منذ عهد الرسول -صلي الله عليه وسلم- دون أن يتسمي بهذه التسمية، وللدلالة علي صحة هذا القول، أنه كان للرسول -صلي الله عليه وسلم- كتبة وقراء من الصحابة بلغ عددهم أكثر من اثنين وأربعين شخصًا، فقد كان عثمان بن عفان يكتب له أحيانا، وأحيانا علي بن أبي طالب، وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي، وكان أول من كتب له أبي بن كعب، وإذا غاب كتب له زيد بن ثابت، وقد كتب له أيضا عبدالله بن سعد بن أبي سرح، وكتب له أيضا معاوية بن أبي سفيان وحنظلة الأسيدي. ويكفي هذا العدد من الأشخاص لأن يؤلفوا ديوانا للكتابة والإدارة وكان جميع هؤلاء يكتبون -بطبيعة الحال- باللغة العربية وليس بلغة ثانية، بل إن ثقافة أحدهم بلغت حد إجادته عدة لغات أجنبية من النادر أن تجتمع في شخص واحد في تلك الفترة، فقد كان زيد بن ثابت ترجمان الرسول -صلي الله عليه وسلم- بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية واليهودية.. يترجمها إلي اللغة العربية. ومن الدلائل علي وجود المفاهيم الديوانية عند المسلمين، أن النبي -صلي الله عليه وسلم- أراد مرة إحصاء المسلمين فقال: اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس..فكتبوا له ألفا وخمسمائة رجل. ولم يكن قبل ذلك يجمع المسلمين كتاب حافظ، أي ديوانًا مكتوبًا.. بالرغم من أن الرسول -صلي الله عليه وسلم- أحصي المسلمين وسجل أعدادهم. لقد كان إحصاء المسلمين الأول خطوة أولي نحو التدوين إذ بمثل هذه الطرق تم الإحصاء وإعداد من اعتنق الإسلام، والظاهر أن الرسول اتخذ هذه الخطوة ليقف علي أعداد من اعتنق الإسلام، وذلك لدفع أموال الزكاة ولصرفها علي المحتاجين من المسلمين، والأخذ ممن يتوجب عليهم الدفع.. وللتأكد أيضا من أعداد المسلمين الذين يمكن لهم الاشتراك في العمليات القتالية. وقد اقتدي الخليفة أبوبكر الصديق بما ساد في عصر الرسول -صلي الله عليه وسلم- من أنظمة أولية، إذ أن من كتب للرسول -صلي الله عليه وسلم- كان يكتب أيضا للخليفة أبي بكر الصديق ومنهم زيد بن ثابت وعثمان بن عفان.. علي أنه مما لا شك فيه أن نواة (بيت المال) وجدت في أيام الخليفة أبي بكر.. ولما تولي عمر بن الخطاب الخلافة، طور الأنظمة السائدة في الدولة، وأضاف إليها أساليب إدارية متبعة في بلاد فارس، ففي 15ه فرض علي المسلمين الفروض ودون الدواوين، وأعطي العطايا علي السابقة في الإسلام.. ولما أراد عمر وضع الدواوين لتوزيع الأموال علي المسلمين، قال له علي بن أبي طالب وعبدالرحمن بن عوف: ابدأ بنفسك. قال: لا، بل ابدأ بعم رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب. ومن الذين دونوا للخليفة عمر عقيل بن أبي طالب، ومحزمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وكانوا من نبهاء قريش لهم علم بالأنساب وبالناس. وكان السبب في تدوين عمر للدواوين، أن أبا هريرة قدم عليه من البحرين ومعه مال، فلقي عمر فقال له عمر: ما جئت به؟ قال: خمسمائة ألف درهم، فقال عمر: أتدري ما تقول؟ قال: نعم مائة ألف درهم، ومائة ألف درهم، ومائة ألف درهم ومائة ألف درهم ومائة ألف درهم، فقال عمر: أطيب هو؟ قال: لا أدري، فصعد عمر المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أيها الناس قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلناه كيلا، وإن شئتم أن نعده عدا. فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديوانا لهم، قال دونوا الدواوين. ويقال إنه استشار عثمان بن عفان، والوليد بن هشام بن المغيرة الذي قال له: قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانا وجندوا جندا، فدون ديوانا وجند جندا. فأخذ يقول من استشارهم بعد أن رأي أنه لا بد من ضبط الأموال التي ترد علي الدولة ومن ثم معرفة أعداد الجند لفرض العطاء لهم ولأسرتهم، وما يقتضي ذلك من تنظيم للقضايا المالية والعسكرية. (للحديث بقية)