كتب عصام عبدالله أسبوع واحد من اليوم، وتبدأ أصعب مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في الثاني من سبتمبر 2010 بواشنطن، بحضور الرئيس مبارك والملك عبدالله عاهل الأردن وتوني بلير ممثل اللجنة الرباعية . في شهر ديسمبر 2008 انهارت المحادثات المباشرة بين الجانبين، وفي شهر مايو الماضي أي بعد توقف دام 17 شهرا، اتفق نتانياهو وأبو مازن علي استئناف الاتصالات غير المباشرة التي عُرفت باسم "المحادثات المتقاربة"، بتوسط جورج ميتشل المبعوث الأميركي الخاص للسلام في الشرق الأوسط . ميتشل أطلق في 20 أغسطس الجاري أخطر وأهم التصريحات بشأن الصراع في مؤتمر صحفي عالمي، تمثل «إنجازا» يحسب لمصر وسياستها الخارجية أساسا، التي حققت اختراقا تاريخيا لإنهاء الصراع في المنطقة قبل 31 عاما . ناهيك بالتزامها الجاد والمستمر بالمفاوضات المباشرة منذ عام 1979، والعمل علي نجاح عملية السلام عبر المسارات العربية الأخري، رغم الأنواء والعواصف والاستفزازات المتواصلة من الجميع . لكن الأهم في تصوري هو أن خبرة مصر (التاريخية) ورؤيتها الاستراتيجية المستقبلية، تجلت أخيرا في تحويل عملية إنهاء الصراع : من مجرد (مصلحة) دولية وإقليمية وقُطرية، إلي (قضية) أمن قومي أمريكي في المقام الأول ... كيف؟ لأول مرة، تعترف الإدرة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما "بأن إنهاء الصراع يصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة " علاوة علي مصالح الطرفين، ومنطقة الشرق الأوسط برمتها " ... البديل - برأي ميتشل - صعب، إن لم يكن مستحيلا، وهو : " العيش في نزاع لا نهاية له، وصعوبات لا حدود لها " ... " إن أملنا في اتفاق ينهي النزاع تماما، وينتج عنه قيام دولة فلسطين القابلة للحياة، الديمقراطية والمستقلة، تعيش جنبا إلي جنب في سلام وأمن مع إسرائيل " ... " إن حكومة أوباما تسعي من أجل تحقيق هذا الهدف بصبر ودأب وتصميم " ... وبالمشاركة الكاملة، والتشاور المستمر مع مصر والأردن ومساهمة اللجنة الرباعية " . في نفس اليوم، 20 أغسطس، أصدرت اللجنة الرباعية المشكلة من الولاياتالمتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة، بيانا أكدت فيه مجددا أن المفاوضات المباشرة الثنائية لتسوية قضايا الوضع النهائي مثل المستوطنات الإسرائيلية، والحدود، والأمن، ووضع القدس، وحق الفلسطينيين في العودة ،ينبغي أن تقود "إلي تسوية يتفاوض بشأنها الأطراف، تنهي الاحتلال الذي بدأ في عام 1967 . قبل شهر واحد من هذا التاريخ، وفي 20 يوليو الماضي اجتمعت (لجنة مبادرة السلام العربية)، وأعلنت من (القاهرة) : أن النجاح سيتطلب دعما إقليميا ودوليا مستداما للمفاوضات وللعملية الموازية لها، والمتمثلة في بناء الدولة الفلسطينية والسعي إلي سلام إقليمي شامل وعادل ودائم، كما أقرته مرجعية مدريد ومقررات مجلس الأمن ومبادرة السلام العربية . عودة الإسرائيليين والفلسطينيين إلي طاولة المفاوضات المباشرة، ليست مجرد " إعادة انتشار" للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، كما يتردد الآن بقوة في معظم وسائل الإعلام، وبخاصة أن هذه العودة تزامنت مع عملية الانسحاب العسكري من العراق، وتصاعد " أزمة الملف النووي الإيراني "، كما أنها ليست محاولة لتغيير الأولويات وتبديل في الأدوات السياسية، وهو ما كشفت عنه تصريحات ميتشل أيضا، بقوله : البديل هو : " العيش في صراع لا نهاية له، وصعوبات لا حدود لها " .. أي محاولة ( تأبيد الصراع ) من الجانبين، بمعني : جعله أبديا ولا نهائيا عن طريق تحويله إلي (صراع ديني) بين دولتين دينيتين، يهودية وإسلامية . العلاقات الداخلية (الفلسطينية - الفلسطينية) وصلت إلي منحني خطير، فقد خرج إسماعيل هنية قبل أيام ليعلن أن السلطة الفلسطينية تشن " حرباً علي الله " ! . وهذا معناه أن الخلافات داخل البيت الفلسطيني تخطت الحاجز السياسي إلي التكفير الديني . إنه خلاف أساسا علي شكل الدولة وطبيعة حكمها (وهي دولة متاخمة للحدود المصرية ) . وهو ما تنبهت إليه مصر مبكرا في تعاطيها مع ملف المصالحة ، إذ تضمنت الورقة المصرية محاولة للملمة هذا النوع (الخطير) المستجد من الخلاف الذي يتجه بسرعة نحو التصعيد . قد يكون هذا الخلاف قديماً، لكنه يظهر للمرة الأولي في هذا الشكل الفج، سواء من جانب حركة " حماس " وتصريحات قادتها، أو من جانب السلطة الفلسطينية التي بدأت بمحاصرة عمل المساجد خشية تمدد الحركة الإسلامية في الضفة الغربية . علي الجانب الإسرائيلي أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أنه سيدير المفاوضات شخصياً أمام الفلسطينيين دون تشكيل طواقم في المرحلة الأولي بهدف التوصل إلي "اتفاق مبدئي" للتسوية. وأن الاعتراف الفلسطيني بما وصفه ب (يهودية الدولة الإسرائيلية ) أحد شروط التوصل إلي اتفاق سلام، مشيرا إلي أن هذا الاتفاق صعب جدا لكنه ممكن. إسرائيل ستطالب أيضا ببقاء غور الأردن وقمم الجبال المطلة عليه تحت سيطرتها، لضمان مراقبة المجال الجوي الإسرائيلي، والتأكد من عدم تهريب وسائل قتالية أوتسلل مقاتلين إلي أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية. كما ستطالب إسرائيل بأن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح وتستخدم الوسائل القتالية التي ستحصل عليها لأعمال قوات الشرطة فقط، وبأن يحظر عليها عقد اتفاقات أمنية مع أطراف ثالثة . إلحاح إسرائيل علي مفهوم " الدولة الدينية " (اليهودية)، هو نوع من التهرب المسبق والالتفاف علي استحقاقات السلام، إذ يعني إلغاء القرار رقم 181 الذي أصدرته الأممالمتحدة عام 1947 القاضي بتقسيم فلسطين بين الفلسطينيين واليهود، كما يلغي القرار رقم 194 لسنة 1948 الذي يقضي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلي أرضهم، علي اعتبار أن قدسية الدولة تستلزم أن تتطهر من أي عرق أو ديانة أخري غير يهودية، وهو ما يحفز الأصوليات الدينية الأخري في المنطقة علي إقامة دول دينية بالمثل، تنبذ الأقليات والديانات المختلفة والملل والنحل في الشرق الأوسط، الذي يتشكل من أكبر فسيفساء (إثنية وعرقية ودينية) لتبدأ مرحلة دموية جديدة من الصراع في المنطقة، والعالم أيضا .