يعد مشروع القراءة للجميع الذي نحتفل بمرور 20 عاما علي إقامته من أهم المشاريع القومية في مجال نشر الثقافة، بل نعتبره المشروع الوحيد الموجود حاليا، الذي يطبق مفهوم «العدل الاجتماعي» في مجال الثقافة، بعد غياب هذا المفهوم في مجال الاقتصاد، في ظل تزايد ثراء الأثرياء، وفقر الفقراء، ويأتي مشروع القراءة للجميع ليحقق مفهوم «العدل الاجتماعي» ثقافيا، حيث يتيح هذا المشروع الحصول علي أمهات الكتب بأسعار زهيدة جدا عند المقارنة بأثمان الكتب في المكتبات ودور النشر، بل وعند المقارنة بأسعار الخضر والفاكهة، إنه مشروع يتيح للفقراء وهم الأغلبية الحصول علي الكتب القيمة بأثمان مشجعة علي الشراء والاقتناء بل وأتاح المشروع لأمثالنا من الأكاديميين اقتناء عشرات الكتب التي كان من الصعب - بل من المحال - اقتناؤها بسبب ارتفاع أسعارها في المكتبات ويزيد من الصعوبة تلك المرتبات الهزيلة لمعظم أساتذة الجامعات، أما شباب الباحثين فهم الأشد حاجة لمثل هذا المشروع في بحوثهم ودراساتهم، ومن ثم الإقبال عليها والانتظار بشوق لمواعيد إصدارها، باختصار يعد هذا المشروع من المشاريع التي لا تقل أهمية - إن لم تزد- عن المشاريع الصناعية والاقتصادية لأنها تتعلق ببناء الإنسان، العقل والوجدان، أساس إقامة الصناعات، الثقيلة منها والخفيفة. وهذا يذكرنا بما كان عليه الوضع في عقد الستينيات وبالتحديد في العهد الثوري ونشأة وزارة الثقافة التي تولي أمرها ثروت عكاشة فيومها حدثت طفرة هائلة في ترجمة الكتب ونشرها، وظهور مشاريع ثقافية منها مشروع «الألف كتاب» والمكتبة العربية، ومؤسسة التأليف والنشر وظهور العديد من السلاسل الدورية كسلسلة «تراث الإنسانية» وكانت تهتم بالدراسات لأمهات الكتب العربية، وسلسلة «أعلام العرب» التي صدر منها نحو مائة كتاب، لتعريف القارئ بأبرز الأعلام في التراث العربي، كما وجد العديد من دوائر المعرفة منها «دائرة المعارف الإسلامية» التي اهتمت بتسجيل تاريخ الأمة بأقلام صادقة بعيدة عن الغلو والتطرف، وغيرها من عشرات الأعمال الثقافية، التي تميز بها عقد الستينيات من القرن الماضي بفضل ثورة يوليو التي نحتفل هذه الأيام بعيدها الثامن والخمسين، ويأتي مشروع القراءة للجميع ليذكرنا بهذه الأعمال العظيمة لثورة يوليو. وهنا نقول: إن هذا المشروع له عشرات الأبعاد التربوية التي تضفي عليه الدرجة القصوي من الأهمية وتتلخص هذه الأبعاد في أهمية القراءة في تكوين العقل المستنير والارتقاء بالوجدان، وإنه وعلي الرغم من هيمنة وسيطرة تكنولوجيا المعلومات وفي القلب منها «شبكة الإنترنت» فإن الكتاب سيظل يحتل مكانة بين مختلف مصادر المعرفة، وسيظل القول المأثور «وخير جليس في الزمان كتاب» صادقا ومؤثرا وهذا ما أدركته الدول المتقدمة، التي تعمل علي توفير الكتب البسيطة أو ما يسمي بكتاب «الجيب» الذي لا يفارق المواطن الأوروبي في إقامته وترحاله. وفي هذا الصدد لا بد أن نعترف بأن العقل العربي المعاصر يعاني خواء فكريا لاعتماده في تعليمه علي التلقين والاستظهار والاعتماد علي كتاب مدرسي مشكوك في محتواه من حيث الضعف في التأليف والصدق في العرض، وبالتالي أصبح أبناؤنا نهبا لكل الاتجاهات والتيارات وكتب الجمود والتخلف ونشر الخرافة التي تمتلئ بها الأرصفة، الأمر الذي يفرض ضرورة توفير الكتاب وبالثمن الزهيد لأبنائنا في مختلف المراحل التعليمية، وهذا ما يمكن أن يقوم به مشروع القراءة للجميع الذي يهتم بنشر أمهات الكتب، وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم يمكن أن تصل هذه الكتب للتلاميذ والطلاب، وأيضا بالنسبة للجامعة يمكن للاتحادات الطلابية فيها نشر هذه الكتب بين الطلاب بدلا من تلك الكتب المليئة بالتطرف وإثارة الفتن الطائفية والتي تمتلئ بها الأرصفة والمكتبات داخل الكليات. علي أي حال تبقي التحية واجبة لصاحبة هذا المشروع القومي العملاق السيدة الفاضلة سوزان مبارك، ومع المزيد من العطاء علي هذا الطريق.. والله من وراء القصد.