في كتاب مثير صدر حديثا لصحفي أمريكي حائز علي جائزة بوليتزر، يكشف ايان جونسون كيف استخدمت ألمانيا النازية ومن بعدها الولاياتالمتحدة الإسلام كأداة لتحقيق مصالحها السياسية في مواجهة الاتحاد السوفيتي، حتي قبل غزو السوفييت لأفغانستان بعشرين عاما، وكيف انتهي الاستغلال بجماعة الاخوان المسلمين. القصة كما يرويها جونسون في كتابه الذي صدر في مايو الماضي تبدأ وهو يتجول بين كتب الأدب الاسلامي في احدي مكتبات لندن ليشاهد خريطة كبري للمساجد الاسلامية في العالم والتي تضم الكعبة والمسجد الأقصي والمسجد الأزرق في تركيا والمركز الاسلامي في ميونيخ، فيتعجب لوجود مركز ميونيخ مع هذه المساجد الكبري رغم أنه ليس ضخما بل إن هناك مساجد أكبر منه في ألمانيا وحتي ميونيخ ليست مركزا للإسلام مثل بعض المدن الأوروبية، مما أثار تساؤلاته التي قادته في النهاية لاكتشاف أن هذا المسجد كان دوما بؤرة سياسية استخدمها النازيون والأمريكيون ومن بعدهم الاخوان المسلمون. وبعد بحث استمر ثلاث سنوات، اكتشف الصحفي الأمريكي أن تاريخ الاستغلال السياسي لمسجد ميونيخ يرجع الي الحرب العالمية الثانية عندما خطط النازيون لاستخدام المسلمين السوفييت القادمين من أوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان في دعايتهم المضادة للنظام الشيوعي، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها استقر بعض هؤلاء المسلمين السوفييت في ميونيخ ويقدر الكتاب عددهم بنحو ألف.. لتبدأ قصة مسجد ميونيخ. ويضيف الكتاب أن جماعة الاخوان المسلمين جاءت بعد النازيين والأمريكيين لتستخدم المسجد من بعدهم في نشر أجندتهم الراديكالية الاسلامية في أوروبا، لافتا الي أنه ليس من قبيل المصادفة أن مسجد ميونيخ علي صلة بكثير من الهجمات الارهابية الكبري في الغرب من بينها الهجومين علي مركز التجارة العالمي. وقد اهتمت مراكز الأبحاث الأمريكية مثل معهد هدسون اليميني ومجلس كارنيجي للشئون الدولية بكتاب جونسون الذي استعان فيه بوثائق للمخابرات المركزية الأمريكية "سي آي ايه" ومكتبة أيزنهاور الرئاسية في كنساس التي اطلع فيها علي اجتماع عقده أيزنهاور في الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1953 مع سعيد رمضان (والد المفكر الاسلامي طارق رمضان) مندوب الاخوان المسلمين الذي كان يعيش في أوروبا وهو زوج بنت حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان، وذلك في سياق سعي ادارة أيزنهاور لاستخدام الاسلام في محاربة الشيوعية وهو ما اسماه مستشاروه "العامل الديني" وكان احتضان جماعة الاخوان جزءا من هذه السياسة، وهو ما تولته المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي ايه" عبر رجلها بوب دريهر الذي تولي التنسيق مع رمضان الذي كان يوصف بأنه وزير خارجية الاخوان. كما اعتمد المؤلف أيضا في كتابه علي حوارات أجراها مع شخصيات اسلامية نافذة في جماعة الاخوان المسلمين مثل مهدي عاكف المرشد السابق للإخوان الذي سبق أن تولي مهام ادارة مسجد ميونيخ في الثمانينيات عندما كان في المنفي ويوسف ندا الذي ساهم في تمويل المسجد وساعد الاخوان علي التواجد في أمريكا وغالب همت رجل الأعمال السوري ورئيس المسجد لمدة 30 سنة وهو يسكن بجوار ندا في ايطاليا وابراهيم الزيات الذي خلف همت في ادارة المسجد بعد هجمات 11 سبتمبر بالاضافة الي المفكر جمال البنا شقيق مؤسس جماعة الاخوان. ويضيف جونسون أن الخارجية الأمريكية نظمت مؤتمرا اسلاميا في نوفمبر 2005 في عهد ادارة بوش جمع 65 بلجيكياً مسلماً وخبراء أمريكيين من جمعية "المجتمع الاسلامي لأمريكا الشمالية" (اسنا) التي شاركت في تنظيم المؤتمر رغم أنها علي صلات وثيقة بقيادات الاخوان في أوروبا، مما جعل الخارجية الأمريكية تبدو وكأنها تستورد اسلاميين من الاخوان ممن لهم جذور أوروبية لتقول لمسلمي أوروبا كيف يندمجون في مجتمعاتهم. يقول جونسون في مقال بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الصادرة عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أن أحد المشاركين في هذا المؤتمر كان مايكل بريفوت نائب رئيس منتدي الشباب الأوروبي المسلم وهي منظمة تابعة للإخوان المسلمين وأيضا كان نائب الأمين العام لمركز اسلامي بمنطقة فيرفيير البلجيكية وكانت تعد مركزا لأنشطة الاخوان في بروكسل، وبالتالي مثل المؤتمر فرصة لبريفوت للقاء نظرائه بالولاياتالمتحدة. وحتي في عهد أوباما، يقول جونسون إن الخارجية الأمريكية مولت زيارة لقيادات اسلامية من ألمانيا لأحد معاقل الاخوان في أمريكا وهو المعهد الدولي للفكر الاسلامي لبحث قضايا اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية. يقول الصحفي الأمريكي إن استخدام المسجد لأغراض سياسية من قبل النازيين ومن بعدهم الأمريكان في صراعهم الفكري مع الاتحاد السوفيتي واستخدام الاسلام بشكل عام لأغراض سياسية، هو وسيلة متبعة الي يومنا هذا، مذكرا بالرئيس جورج بوش السابق وحتي الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما نفسه. ويقول جونسون "في الوقت الذي تحاول فيه حكوماتنا أن تعرف كيف تتعامل مع الاسلام، فاننا في حاجة لمعرفة تاريخنا أولا".