في عودة لأجواء حرب الجواسيس التي كانت مشتعلة إبان الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا، تكشف أمس المزيد من التفاصيل في قضية شبكة التجسس الروسية علي أمريكا حيث تم الكشف عن ملف مكون من 55 صفحة ويروي كيف عاش الجواسيس العشرة في منازل متواضعة في ولايات بوسطن ونيويوركوواشنطن، وطلب منهم استخدام أسماء أمريكية للاختلاط بجموع المواطنين وجمع معلومات من مراكز الأبحاث والمسئولين الحكوميين. وتوضح الوثائق أن إحدي كلمات السر التي كان يتعرف بها الجواسيس علي عناصر المخابرات الروسية كانت سؤالاً يوجهه العنصر الروسي للجاسوس يسأله "عذرا لكن ألم نلتق في كاليفورنيا الصيف الماضي؟" فيجيب الجاسوس "لا أعتقد أننا التقينا في هامتونز". وذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن المحور أو العنصر الرئيسي في شبكة الجواسيس الروسية امرأة حسناء تدعي آنا تشابمان التي لقبها البعض بال"المرأة اللعوب" وهي تبلغ من العمر 28 عاما، وكانت قد عملت سابقا في قسم المبيعات بشركة "نت جيتس" الأوروبية في بريطانيا قبل أن تنتقل للعمل في نيويورك. وكشفت صحيفة "نيويورك ديلي نيوز" عن أن احدي الجاسوسات وتدعي سينثيا ميرفي ربما تكون قد حاولت الانضمام لفريق عمل هيلاري كلينتون ابان خوضها سباق الانتخابات الرئاسية عام 2008 . وقالت الصحيفة ان ميرفي حاولت تمهيد طريقها لدائرة أصدقاء كلينتون، اذ عملت بشركة مالية بوسط المدينة وتعرفت من خلالها علي آلان باتريكوف أحد كبار المتبرعين لكلينتون عندما كانت مرشحة للرئاسة الأمريكية. كما أعلن مصدر أمريكي ان من بين الجواسيس المتهمين بنقل معلومات للمخابرات الروسية صحفية من بيرو تعمل في نيويورك منذ 20 عاما وعرفت بضلوعها في قضية خطف مفبركة في بيرو قبل أن تهاجر للولايات المتحدة. وتعمل الصحفية واسمها فيكي بيلايز مع صحيفة "لا برنسا" التي تصدر باللغة الاسبانية وهي تكتب لها مقالات غالبا ما تكون انتقادية بحق السلطات الأمريكية. وذكرت "الجارديان" أن أحد أعضاء الشبكة وتدعي تريسي لي آن فولي استخدمت جواز سفر بريطانيا مزورًا أعطته لها المخابرات الروسية، بينما تبين أن جاسوسا آخر هو ريتشارد ميرفي كان يحمل جواز سفر أيرلنديا مزورًا. وقالت الصحيفة ان جاسوسا آخر هو ميخائيل سيمنكو نشر صورا شخصية له علي موقع "أودنوكلاسنيكي" الاجتماعي الروسي وهو أمام البيت الأبيض وفي لباس البحر علي شاطئ ميامي وأخري وهو مع شقراء وفي الخلفية تظهر ناطحات مانهاتن. وأضافت "الجارديان" انه كما يبدو فان مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يعلم بالشبكة منذ عام 2000 علي أقل تقدير وظل يتعقب تحركاتها عن كثب في مقاهي وبارات مانهاتن حيث يبعث العملاء بمعلوماتهم للقيادات الروسية عبر أجهزة "اللاب توب" الخاصة بهم. وأوضحت تقارير أنه علي ما يبدو أن تجنيد جواسيس لصالح روسيا في الولاياتالمتحدة هو أمر سهل اذ يتم اغراء عملاء صغار عبر الانترنت ب"مغامرة رومانسية ممتزجة بمغامرة جاسوسية". وتشمل دعوة التقدم للوظيفة وصفا للمهام الأساسية مثل "ساعد بلادك في تنمية اقتصادها وسعيها لتحقيق التقدم العلمي والتقني". وكشفت الوثائق المقدمة من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي مفارقات في قضية الجواسيس، كما نقلت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية، اذ قام مسئولون أمريكيون بفك رسالة مشفرة تم ارسالها الي اثنين من المتآمرين المشتبه فيهما مضمونها "انه تم ارسالكما لأمريكا في رحلة تستمر لفترة طويلة وكل ما نوفره لكم سواء أكان تعليمًا او حسابات مصرفية أو سيارة أو منزلاً إنما هو من أجل خدمة هدف واحد هو انجاز المهمة الرئيسية المكلفين بها وهي البحث وتنمية وتطوير علاقات بدوائر صنع السياسة بأمريكا وإرسال تقارير مخابراتية إلي "سي" وهو الاسم الكودي لمقر المخابرات الخارجية الروسية بموسكو". وأضافت الصحيفة :إن المعلومات التي تم تجميعها ونقلها من جانب الجواسيس المتهمين تتناول البحث الأمريكي الخاص بالقنابل الارتدادية الخاصة بقصف منشآت تحت الأرض. من جانبها، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: إن شبكة التجسس الروسية حصلت علي جميع الترتيبات اللازمة لأغراض التجسس من الطراز العالمي مثل التدريب الفائق واستخدام المبتكرات المتطورة والحصول علي المعرفة العميقة للثقافة الأمريكية، معتبرة أن الشيء الوحيد المفقود في هذه العملية التي استمرت عقدا هو الأسرار الحقيقية التي أرسلت إلي روسيا. وفي قبرص، اعتقلت الشرطة أمس الأول ممول شبكة التجسس الروسية والجاسوس رقم 11 في الشبكة وهو كريستوفر ميتسوس أثناء محاولته الهروب جوا للمجر، قبل أن تفرج عنه محكمة قبرصية بكفالة قدرها 20 ألف يورو بما يثير مخاوف من هروبه للشطر التركي من الجزيرة أو إلي تركيا أو سوريا. وقال المتحدث باسم الشرطة القبرصية ان الافراج عن ميتسوس كان خطوة صادمة وغير متوقعة، موضحا أن الشرطة تعمل علي جمع وثائق من واشنطن تدينه لتذهب بها مجددا الي المحكمة، بينما أكد محاميه انه كان يقضي عطلته في قبرص وسيبقي بالجزيرة لحين جلسة الاستماع المقررة نهاية من يوليو. وفي البيت الأبيض، امتنع أوباما عن التعليق علي شبكة التجسس الروسية، بينما أوضح روبرت جيبس المتحدث باسم البيت الأبيض ان أوباما كان علي علم بالتحقيقات التي تجري عندما اجتمع بنظيره الروسي ميدفيديف الا انه لم يكن علي علم أن الاعتقالات ستكون وشيكة. وأضاف جيبس ان توقيت الاعتقالات كان مسألة اجرائية بحتة لم يتدخل فيها الرئيس وانما حددها أحد أعضاء الشبكة الذي كان يفترض أن يغادر الأراضي الأمريكية. واستبعد جيبس أن يؤثر الكشف عن شبكة الجواسيس علي العلاقات بين واشنطنوموسكو، فيما اعتبرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الامريكية فضيحة التجسس بأنها لطمة علي وجه ميدفيديف. سياسيا عبر رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين أمس الأول عن أمله في ألا تلحق قضية شبكة التجسس الضرر بالعلاقات بين البلدين، وقال بوتين موجها كلامه إلي بيل كلينتون الرئيس الأمريكي الأسبق الذي يزور موسكو: إن الشرطة الأمريكية "بالغت في تصرفاتها". ونفي كوفاليوف رئيس المخابرات الروسي السابق- الذي يشغل مقعدا الآن بالبرلمان- الاتهامات الأمريكية معتبرا أنها "محض ترهات" وأضاف أنها تشبه "رواية جاسوسية رخيصة". وجددت وزارة الخارجية الروسية قولها أن "المواطنين الروس" الذين اعتقلوا بأمريكا للاشتباه بقيامهم بالتجسس "لم يمارسوا أي نشاط مباشر ضد المصالح الأمريكية"، حسب قولها. من جانبه، لم يستبعد جينادي جودكوف نائب رئيس لجنة الامن في مجلس النواب بالبرلمان الروسي نظرية المؤامرة، موضحا أن قوي سياسية معارضة لسياسات الرئيس أوباما هي المسئولة عن فضيحة التجسس الاخيرة".