قرب نهاية شهر مارس من كل عام تنشغل مصر كلها بذكري رحيل العندليب عبدالحليم حافظ، فلماذا لا نجد الاهتمام نفسه يوم ميلاده في الواحد والعشرين من يونيه؟ وهل يتحتم أن ينتصر الموت؟! عشرات المطربين الموهوبين أنجبتهم مصر عبر تاريخها الحديث والمعاصر.. ولا جدال في أن عبدالحليم ليس الأقوي والأجمل صوتا ولا الأعظم، كما في التراث الذي خلفه علي الساحتين الغنائية والسينمائية لكنه يختلف عن الجميع ويتفوق، فهو حالة خاصة وتعبير عن زمن وهو حلم جميل قصير العمر رائع التعبير يثري الوجدان وينعش القلوب ويبهج الأرواح به، ومعه انتقل الفن الغنائي إلي عهد جديد يتجاور فيه العاطفي والاجتماعي والسياسي فالحب عنده ليس كسابقيه أو لاحقيه ومراودة المستقبل في أعماله تتسم بذلك التوهج الفريد الذي نحلق من خلاله إلي سموات نلامسها بالأيدي والمشاعر والأحاسيس. يغني عبدالحليم بكل ذرة في كيانه وكم يبدو الموهوب النحيل عادي الملامح قريبا من آذان وقلوب مستمعيه فلا يشعرون في حضرته بالغربة ويندمجون في همساته الصادقة التي تراود عالماً جديداً بهيجا مشرقا حافلا بالألوان والجمال حتي في أحزانه وأشجانه. كان عبدالحليم حافظ شاهدا بغنائه علي مرحلة بالغة الأهمية في تاريخ مصر، شهدت تحولات جذرية في الثقافة والسياسة والاقتصاد والحراك الاجتماعي ومازالت آثار هذه الحقبة تؤثر في إيقاعنا ومسيرتنا ومشاعرنا.. قد نختلف كثيرا حول زمن عبدالحليم وما ترتب عليه من آثار ونتائج سلبية كانت أم إيجابية، لكن أحدا لا يختلف حول روعة التعبير بالحنجرة الذهبية التي تغني للحياة والوطن وتنتصر للإنسان العادي البسيط الذي يتطلع إلي آفاق بلا نهاية. لن يستعاد الزمن الذي عنه وله غني حليم لكن أغانيه خالدة لا تعرف الذبول والترهل. ويا أيها العندليب الذي أمتعنا وصالحنا مع الحياة.. كل سنة وأنت طيب.