لأول مرة يشهد صالون الأوبرا الثقافي بالمسرح الصغير بدار الأوبرا، استضافة فنان تشكيلي يرسم ويحاور الجمهور من خشبة المسرح، وهو اللقاء الذي كان ضيفه الفنان طه القرني، الذي قدم تجربة رسم حي أمام الجمهور، في حدث هو الأول من نوعه علي مستوي الفن التشكيلي العربي. استطاع الفنان أن يقدم لجمهور الصالون الثقافي، سهرة طربية تشكيلية متنوعة الإيقاع، لثلاث نغمات لونية قادها بأدواته الوجدانية والفنية، قدم من خلالها ثلاث لوحات بأسلوب تأثيري في زمن قياسي لم يتجاوز 25 دقيقة، اللوحة الأولي مجموعة من الزهور تمثل نغمة هادئة أهداها إلي كل الحاضرين، واستغرق رسمها خمس دقائق، واللوحة الثانية نغمة درامية رمزية الأسلوب، أعلن بها رفضه لضرب الاحتلال الإسرائيلي لقافلة الحرية واستغرقت نحو عشر دقائق، واللوحة الثالثة نغمة تعبيرية حماسية ووطنية عبر بها عن قضية النيل في عشر دقائق أيضا. قال الكاتب أسامة هيكل الذي أدار الصالون والمناقشة: الفنان طه القرني دائم البحث عن التميز والتفرد، يسعي لإعادة علاقة الفن التشكيلي بالمجتمع، وكنت أخشي من عدم حضور جمهور، لأنها فكرة جديدة لم يشهدها الوسط الثقافي العربي من قبل، ولكن ما حدث جاء خارج حساباتنا وتوقعاتنا، فقد امتلأ المسرح بالكامل، وساده هدوء وترقب من الجمهور في أثناء تأدية الفنان لعمله الفني، وتفاعل الجمهور بعد الانتهاء من اللوحات أكد علي وجود حالة تواصل إيجابي بين الفنان وجمهوره. وقد وجه "أسامة هيكل" للفنان" طه القرني" عدة أسئلة: ما الفرق بين هذه التجربة وتجربة الفنان "سلفادور دالي" في أوائل السبعينيات الذي قدم عروضًا فنية علي المسرح؟ وهل هذه اللوحات سوف تكملها فيما بعد؟ وهل إذا قمت برسم هذه الموضوعات في مرسمك الخاص هل سوف تتشابه النتائج؟ أجاب القرني: سلفادور دالي لم يكن يحتاج لاجتذاب جمهور بل كان يقدم تجربته الفنية بأسلوبه الخاص وآليات أخري، ولكن قصدت من تجربتي الوصول إلي الجمهور، لأن أزمة الحركة الفنية التشكيلية في مصر في تزايد، وهي الافتقار إلي الجمهور، ومعظم قاعات العرض بدون حضور باستثناء يوم الافتتاح. وأكمل: أما عن اللوحات واستكمالها ، فأعتبرها انتهت لأن بانتهاء الحالة الانفعالية التي كانت ترجمة شعورية للحظة تفاعل بيني وبين الموضوع الفني، وبين وجود جمهور خاص ، بمعني لا يمكن استعادة الحالة الشعورية . واعتقد إذا رسمت نفس الموضوعات في مرسمي سوف تكون نتائج مختلفة ، باختلاف الشحنة التي تسيطر علي الفنان. وأضاف القرني : دائما تشغلني قضية اين الفن التشكيلي من المجتمع المصري والبيت المصري. هذه التجربة احمل من خلالها عدة اهداف ، اعتاد الجمهور علي رؤية المعارض واللوحات مكتملة وليس لدي الكثير من الجمهور فكرة عن كيف يبدأ الفنان العمل الفني أو ومضة المنتج الفني واللوني . وهدف آخر كسر الحواجز الوهمية بين الفنان والجمهور. كما أن إجراء حوار مباشر بعد هذا العرض هو تفعيل إيجابي يرصد رد فعل الجمهور بشكل مباشر . وهذا التزاوج بين الفن التشكيلي وجمهور المسرح لم يحدث من قبل . ومكسبي الحقيقي من هذه التجربة هو وجود الجمهور نعم "كسبنا الجمهور"، وهذا المكسب مسئولية علي عاتقي وعلي كل فنان تشكيلي مصري، ومن أهم نجاحات التجربة أني قدمتها علي مسرح الدولة، وأيضاً الأعمال الفنية التي رسمتها قضايا مؤثرة ويتفاعل بها المتلقي أيا كانت ثقافته. كما وجه الفنان القرني الدعوة: إلي كل فنان مصري وكل جهة سواء نقابة أوهيئة معنية بالفن التشكيلي أن يعيد البحث عن الجمهور، لأن قيمة الفنان الحقيقة في تواجد أعماله الفنية بين الجمهور، ولا بد للفنانين أن يسعوا لاستكمال النصاب القانوني كمواطنين مصريين لهم دور فعال من خلال الفن. أما عن تجربة الرسم علي خشبة المسرح فأشار القرني: إلي أن الرسم أمام جمهور مسرح قد يعتبر بالنسبة لأي فنان أمرا صعبا إلي حد ما، عندما بدأت الرسم باللوحة الأولي انفصلت تماماً بحواسي ودخلت عالمي الخاص بألواني، كان بداخلي وأنا علي المسرح حالة انفعالية، لا تصفها العبارات أو الكلمات، ولكن بالتأكيد شعر بها كل الفنانين التشكيليين الحاضرين، الذي جعلني في حالة هدوء نسبي هو صمت الجمهور. وأكمل القرني: وبعد رسم اللوحة الأولي لوحة الزهور، تلقيت تصفيقا من الجمهور، هذا التصفيق أزاح عني أي توتر، واكد لي مدي اندماج شعوري مع مشاعر الجمهور، وحملني مسئولية وجدانية، ثم اللوحة الثانية أكدت بها أن موضوعات الفن التشكيلي ليست كلها موضوعات خاصة بذاتية الفنان، فقد عبرت عن رفضي لضرب أسطول الامدادات الإنسانية للشعب الفلسطيني، واللوحة الثالثة عن قضية النيل التي تهدد أمن مصر.