وسط الجدل الدائر بين القضاء والكنيسة حول حكم تصريح الزواج الثاني للمطلق المسيحي، أكدت حيثيات الحكم الذي أصدره القضاء الإداري أنه لا يتدخل في المعتقد الديني، وشددت الحيثيات التي حصلت «روزاليوسف» علي نسخة منها أن امتناع الكنيسة عن منح التصريح بالزواج يدفع لطريق الرذيلة، خاصة أن المشرع أقر لكل مواطن حقه الدستوري في تكوين أسرة وحمايتها بغض النظر عن العقيدة، لكن البابا شنودة أصر علي موقفه وقال في عظته الأسبوعية أمس إن مجلس الدولة غير مختص والحكم أخطأ في تطبيق القانون، وجدد تهديداته لأي كاهن ينفذ الحكم بالشلح! وأفادت الحيثيات أنه مادامت انتهت العلاقة بين الزوجين بطلاق بائن فمن غير المقبول حرمان المطلق من الزواج الثاني كنسيا، ومن ثم يكون ذلك تمييزا مخالفا للقانون وقرارا سلبيا يتم إلغاؤه، وأوضحت أن شرط المجلس الإكليركي إحضار خطيبته لإعلامها بالظروف لمنح المطلق الزواج الثاني لا يجوز التحجج به لأن لائحة الأحوال الشخصية كافية في ذلك، وما هو إلا محاولة لعرقلة إصدار التصريح، مؤكدة أن الأحكام القضائية تعلو اعتبارات النظام العام، وقرارات الكنيسة إدارية تخضع للرقابة من القضاء. صدر الحكم برئاسة المستشار محمد الحسيني رئيس مجلس الدولة وبعضوية المستشارين احمد الشاذلي وعادل بريك وصلاح الجرواني ومجدي العجرودي وبسكرتارية كمال نجيب. المحكمة الإدارية العليا رفضت طعن البابا، وأكدت في حيثياتها أن الكنيسة الأرثوذكسية تقوم بحسب الأصل علي رعاية الاقباط الأرثوذكس كافة، وهي في سبيل ذلك خولها القانون السلطات اللازمة بموافقة الأقباط وحسن سيرها وتقديم الخدمات اللازمة لهم، وهذه المهمة هي من مهام الدولة، ومن ثم فإن ما تمارسه الكنيسة في هذا الخصوص إنما هو نشاط إداري دعت إليه اعتبارات الصالح العام وتعد القرارات الصادرة منها علي هذا النحو قرارات إدارية تتعلق بتنفيذ القوانين واللوائح التي تخضع لرقابة القضاء من حيث مدي مشروعيتها ولذلك، فإن التصريح بالزواج ثانية كنسيا حسبما ورد النص عليه في المادة 69 من لائحة الاقباط الأرثوذكس الصادرة سنة 1938 لا يعدو في حقيقته إلا أن يكون قراراً إدارياً يخضع لرقابة القضاء الإداري وبطلب الغائه يدخل في الاختصاص المعقود لذلك القضاء بمقتضي المادة «10» من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ولا يمس المعتقد المسيحي ولا يتصادم مع أصل من أصوله طالما استكمل شرائط صحته وضوابط نفاذه للتيقن من ان الرئيس الديني وهو يباشر اختصاصه في منح أو منع التصريح لم يتجاوز سلطاته المنوطة به بموجب قواعد شرعية الأرثوذكس وهو ما لا يعد تدخلاً من القضاء في المعتقد الديني وإنما هو اعلاء له لتحقيق مقاصد تلك الشريعة دون خروج عليها أو تجاوز لها، الامر الذي يغدو معه الدفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الاداري بنظر الدعوي محل الطعن لانتفاء ولايته او لانتفاء القرار الاداري لاسند لهمما من القانون يتعين طرحهما والالتفات عنهما. وأكدت المحكمة بأن التشريع المصري وفي الصدارة منه الدستور قد حرص علي حماية الأسرة بغض النظر عن العقيدة التي تدين بها، واقر المشرع لكل مواطن حقه الدستوري في تكوين أسرته بما يتفق والعقيدة التي ينتمي اليها، وفي اطار منظومة تشريعية تتخذ من احكام الدستور والقانون السند لحماية الحقوق والحريات مع تحديد للواجبات اللازمة في ذلك التنظيم الأسري ومن ثم فليس مقبولاً من أي جهة دينية ان تلتحف بخصوصية بعض الأحكام الدينية لديها مما قد يختلف الرأي بشأنها لدي آخرين ممن يتبعون تلك العقيدة خاصة ان التنظيم التشريعي لذلك الأمر أينما يكون وليد إرادة شاركت فيها الاجهات الدينية المختلفة بالرأي والقرار قبل اصدار مثل ذلك التشريع، ومتي كان ذلك وكانت لائحة الأحوال الشخصية التي اقرها المجلس الملي في عام 1938 بما تضمنته من قواعد وعلي ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة «3» من القانون رقم 1 لسنة 2000 باصدار قانون تنظيم بعض اوضاع واجراءات التضامن في مسائل الاحوال الشخصية تعتبر تلك اللائحة شريعتهم التي تنظم مسائل احوالهم الشخصية، فقد عينت تلك اللائحة بالأحكام التفصيلية للزواج باعتباره سراً مقدساً يتم وفقا لطقوس كنسية بقصد تكوين اسرة جديدة، فنظمت اللائحة احكام الخطبة واحكام عقد الزواج وبينت شروطه وموانعه كما نظمت احكام الطلاق وحالاته، فأوجبت اللائحة في المادة «6» منها علي الكاهن قبل تحرير عقد الخطبة أن يتحقق من عدم وجود مانع شرعي يحول دون الزواج سواء من جهة القرابة أو المرضي أو وجود رابطة زواج سابق، كما لم تجز المادة «25» لأحد الزوجين أن يتخذ زوجاً ثانياً ما دام الزواج قائماً ورتبت المادة «68» علي الطلاق انحلال رابطة الزوجين من تاريخ الحكم النهائي الصادر به فتزول بمقتضاه حقوق كل من الزوجين وواجباته قبل الآخر ولا يرث أحدهما الآخر عند موته، وأجازت المادة «69» من ذات اللائحة لكل من الزوجين بعد الحكم بالطلاق أن يتزوج من شخص آخر إلا إذا نص الحكم علي حرمان احدهما أو كليهما من الزواج وفي هذه الحالة لا يجوز لمن قضي بحرمانه أن يتزوج الا بتصريح من المجلس الأكليريكي. والثابت من الأوراق ان المطعون ضده وهو مسيحي أرثوذكسي حصل علي حكم بالتطليق من زوجته وتزوجت مطلقته من المدعو اسامة اميل بموجب عقد زواج للطوائف متحدي الملة في 2006/4/27 . واشارت المحكمة الي ان المبادئ الاصولية في الشريعة المسيحية انها تقوم علي وحدانية الزوجة بما لا يجوز معه للمسيحي ان يكون له سوي زوجة واحدة فإذا انفصم عقد الزواج زال المانع وجاز له الزواج ثانية، ولما كان الثابت ان الكنيسة قد اعتدت بطلاق زوجة المطعون ضده واجازت لها الزواج ثانية، باعتبار ان العلاقة الزوجية بينهما قد انفصمت بطلاق بائن، لذا فغير المقبول حرمان المطعون ضده من الزواج ثانية كنسياً علي اعتبار ان سند الاحكام القضائية الصادرة في تلك المنازعات ليست مستمدة من الشرائع السماوية بصفة مباشرة، ومن ثم يكون امتناع الكنيسة عن التصريح للمطعون ضده بالزواج به تمييز بين اصحاب المراكز المتماثلة علي خلاف حكم القانون ومكوناً لقرار سلبي يتعين إلغاؤه ويقوم به ركن الجدية، كما يتوافر ركن الاستعجال من ان استمرار امتناع جهة الادارة عن اصدار التصريح له بالزواج الثاني يحول دون احصانه وقد يدفع به الي طريق الرذيلة، كما يحول بينه وبين ممارسته لحقه الانساني والشرعي والدستوري في الزواج وتكوين اسرة التي هي اللبنة الأولي للمجتمع ووفقا لأحكام شريعته التي يدين بها وهي نتائج يتعذر تداركها. وأوضحت أيضا إلي أن قرار المجلس الاكليريكي هو قرار تمهيدي ذلك ان المجلس هو المنوط به دون غيره اصدار تصريح الزواج دون ان يتوقف ذلك علي موافقة اي جهة اخري وفقا لحكم المادة «69» من لائحة الاحوال الشخصية، كما لا يجوز التحجج بأن المجلس اتخذ قرارا بالتصريح للمطعون ضده بالزواج ثانية شريطة احضار خطيبته للمجلس لإعلامها بظروفه، ذلك ان موثق عقد الزواج ملزم بموجب اللائحة بالتثبت من خلو كل من الزوجين من الموانع الشرعية والقانونية للزواج، كما ان نموذج وثيقة الزواج التي يبرمها الموثق المنتدب تتضمن ضرورة تحققه من ذلك اضافة الي اقرار كل من الزوجين فيها من خلوه من الامراض التي تجيز التفريق وما اذا كانا قد سبق لهما او لأحدهما الزواج، الأمر الذي يصبح معه قرار المجلس الاكليريكي باشتراط احضار الخطيبة واعلامها بظروفه لمنح التصريح ما هو إلا محاولة لعرقلة اصدار التصريح وافراغه من مضمونه، كما ان المجلس لم يفصح عن تلك الظروف التي ينبغي اعلام خطيبة المطعون ضده بها فضلا عما يمثله من المساس بحجية الأحكام القضائية التي تعلو اعتبارات النظام العام وبالتالي يكون حكم القضاء الاداري متفقاً مع القانون ولهذه الأسباب فالمحكمة تقضي برفض طعن البابا وإلزامه المصروفات عن درجتي التقاضي.