إن وجوب الطاعة المزعومة للزوج علي زوجته بالمفهوم الاستعبادي السائد في كل مجتمعاتنا العربية والإسلامية الآن هو أشبه بحبل مشنقة يوضع حول عنق الزوجة منذ اللحظات الأولي لزواجها، بل هو بئر من المهانة والإذلال يلقي بالمرأة في ظلمة غياباتها لتحيا فيها وأبناؤها - إن جاز تسمية ذلك بالحياة - إلي أن ينتشلها الموت وينقذها منها. ولقد ساهمت كثير من الأفكار الدينية المشوهة لحقيقة الدين في تأصيل وشرعنة وجوب تلك الطاعة العمياء من الزوجة لزوجها، بل جعلت الزوجة أطوع لزوجها من الحذاء في رجله، وجعلت الزوجة تخلع منذ الليلة الأولي علي عتبة باب زوجها وبمحض ارادتها، حريتها وارادتها واختيارها وكرامتها، وقد ساهم دعاة الدين الملقنون وانتشار القنوات الفضائية الدينية في نشر مثل هذه الثقافة المهينة الجائرة بين الرجال والنساء وعدوها دينا شرعه الله وبلغه رسوله، وعدوها عاصية لله ورسوله كل امرأة تبدي أي اعتراض أو امتعاض أو عدم امتثال لهذه العبودية المذلة التي ترفع لافتة عريضة كاذبة مكتوبا عليها: (طاعة الزوجة لزوجها حق وفريضة دينية). وكان المساهم الأكبر في ذلك كثير من الروايات التي نسبت إلي النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وهي روايات لا يمكن أن تمر ببال شخص واحد قرأ القرآن الكريم حق قراءته وألم بمقاصده وتعاليمه السامية المُعْلِيَة من شأن آدمية الإنسان رجلا كان أو امرأة، فروايات مهينة للزوجة كتلك لا يمكن أن تتسق في فكر عاقل مع تعاليم القرآن السامية، بل لابد أن يلحظ المنصف الحصيف مدي التناقض والتضارب بل والتصادم الشائن بين تلك الروايات وتعاليم القرآن الكريم، ولا يمكن أن يصدق عاقل أن تكون تلك الروايات والقرآن الكريم قد خرجا معا من مصدر واحد لما بينهما من التباين والتضاد والتنافر. وسيتضح ذلك جليا حين نقوم بسرد ومناقشة أشنع وأبشع هذه الروايات المهينة والحاطة لآدمية الزوجة وهي رواية (سجود المرأة لزوجها) لانتشارها الواسع بين الناس في العالمين العربي والإسلامي، وكثرة ترديدها في معظم البرامج الدينية علي مسامع الناس ليل نهار، بل والاقتناع وقبول وإيمان ملايين الناس بها رجالا ونساء، بل أصبحت شعارا ترفعه جميع النساء العربيات المسلمات ويرفعه أزواجهن في وجه كل من يحاول إنقاذ المرأة من عبوديتها المقنعة بقناع الزواج. هذه وغيرها من الروايات التي أشبهها بالمرض الفتاك والوباء المنتشر الذي تحول وانتقل من محيط الأسرة الصغيرة المتمثلة في الزوج والزوجة والأولاد إلي محيط وجوانب وأركان الأسرة الكبيرة المتمثلة في الوطن العربي علي اتساعه وامتداده. إن ما تحمله تلك الروايات من تفاصيل حياتية وحقوق أسرية مزعومة ومذلة للمرأة هو في الحقيقة عبارة عن مفسدة لفكر وثقافة الإنسان العربي في جميع مجالات عيشه، فقد يعد بعض أو كثير من الناس مناقشة مثل تلك الروايات ومساءلتها وإعادة قراءتها معاول لهدم الأسرة العربية والمسلمة، أما أنا فاعتبرها في الحقيقة هي اللبنات الأساسية التي تكونت منها بنية شخصية المسئول الفاسد، ورجل الأمن الفاسد، ورجل الأعمال الفاسد والمدير الفاسد، والموظف الفاسد، والمعلم الفاسد، والطبيب الفاسد، والمفكر الفاسد، والمثقف الفاسد، والإعلامي الفاسد، الذين يعاملون من تحت مسئوليتهم ومن في سلطتهم كما يعاملون زوجاتهم، وينظرون إلي حقوقهم عليهم كما ينظرون إلي حقوقهم علي زوجاتهم، فثقافة أسرية فاسدة كتلك لن تترك لكل الشعوب العربية مجتمعة فرصة لتستشعر معني الحرية ومعني تكريم وتقديس إنسانية الإنسان، وما لم تستشعر هذه الشعوب رجالا ونساء معني الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة في محيط بيوتهم فلن يجدوا لها معني أبدا في محيط أوطانهم. (للحديث بقية)