في كتابها الأول «الحرب في وول ستريت جورنال.. حقيقة النضال للسيطرة علي إمبراطورية الأعمال الأمريكية» تغوص سارة إليسون المحررة السابقة بالجريدة لشئون الإعلام، في أعماق الصفقة التاريخية التي تمت عام 2007 بين ملياردير الإعلام روبرت ميردوخ (79 عاما) وعائلة بانكروفت مالكة شركة «داو جونز»، وفاز علي إثرها ب«الجورنال» مقابل 5 مليارات دولار، تكتب عن تفاصيل القصة واللاعبين الرئيسيين فيها بشكل سينمائي، معتبرة ما حدث غزوا أو احتلالا إعلاميا، أو معركة نفسية، كانت أسلحتها الفاعلة هي الدوافع والأمزجة الخبيثة. في تقريرها قاسي اللهجة ضد ميردوخ، الذي نشرته ال«نيويورك تايمز» عن الكتاب في ملحق عروض الكتب الأحد الماضي، ذكر المحرر أن كلمة حرب التي استخدمتها إليسون ربما تكون حقيقية لكنها ليست الكلمة المناسبة، إذا ما اتفقنا علي أن الحرب تعني منافسة عنيفة بين خصمين أو أكثر، من المفترض أن يكونا متكافئين، وتفسر «التايمز» ذلك بأن هيمنة ميردوخ وجبروته الإعلامي شيء أكيد ومفروغ منه وما من شك فيه، لكن ما تحاول إليسون، التي تركت العمل في «الجورنال» بعد استيلاء ميردوخ عليها، توضيحه هو أن لهذه الهيمنة أبعادا أخري، أدت إلي وقوع صدام بين الثقافات، في إشارة إلي الاتجاه الغريب وغير المضمون الذي انتهجته «وول ستريت جورنال» الجديدة لمنافسة صحيفة «نيويورك تايمز» وخطف قرائها منها، عبر ملحق «أخبار نيويورك» الذي أصدرته «الجورنال» مؤخرا. إليسون، التي كانت واحدة من فريق "وول ستريت" الذي تولي متابعة تطورات الصفقة المخزية التي استغرقت أشهر، تغطي في كتابها أبعاد "مكيدة" ميردوخ - كما تصفها - للاستيلاء علي الصحيفة وضمها إلي مملكته، وتصف حربه مع «نيويورك تايمز» بتكسير العظام، وأن «التايمز» شكلت «حوت ميردوخ الضخم والمخيف»، وكانت علي ما يبدو مصدر إزعاج واستياء شديد يقلل من شعبية الملياردير المزعومة، وهو ما لا يخدم أبدا مصالحه السياسية والتجارية، وتدلل إليسون علي كره ميردوخ للنيويورك تايمز بما نشرته مؤخرا «ذا جورنال» علي صدر ملحقها الأسبوعي «ويك إند»، عبارة عن صورة للنصف السفلي من وجه آرثر سولزبيرجر جونيور، ناشر صحيفة «التايمز»، كما يجري اختصار ال«نيويورك تايمز» إعلاميا، ملحقة بتقرير عن النساء اللاتي ينجذبن للرجال مؤنثي المظهر. الصراع الرئيسي الذي تسرده إليسون في كتابها، هو الضمير في مقابل الطمع، وبعيدا عن الشبهات التي تدور حول أصوله اليهودية، تركز المؤلفة علي الطموح الجامح لميردوخ في السيطرة علي «وول ستريت جورنال» واستخدامها لمصالحه الشخصية، في الوقت الذي ينحدر فيه مستوي الصحيفة، ويبدو أنها لن تستطيع استعادة مجدها السابق، ماليا علي الأقل، فالصحيفة ذات التاريخ العريق، تأسست عام 1889، وحازت 33 جائزة بوليتزر بين أعوام 1947 و2007، وكانت تتميز بالعدل خصوصا في تحقيقاتها ومقالاتها الأنيقة، فضلا عن تعليقاتها المحافظة بخصوص الموضوعات الشائكة، وكانت في العموم أقل جرأة من صحيفة نيويورك بوست و«ذا صن» البريطانية التي يمتلكها ميردوخ صاحب "نيوز كورب"، لكن النتيجة المنطقية التي آلت إليها الأمور هي كما تقول سارة: «كان لابد للمنطق الغاشم للمال أن ينتصر»، مضيفة في نهاية كتابها أن ميردوخ وفريقه سعداء بلعبتهم الجديدة، لكنهم مثل الأطفال القصر، تكون نهاية لعبهم تخريبها، فمن الواضح بحسب سارة أنه بالنسبة لميردوخ "لا يشكل الربح المالي بالضرورة الأولوية الأولي، لأن عمل الصحف من وجهة نظره يشبه رياضات الصيد الدموية». لقد جمعت إليسون معلوماتها التي وصفتها بالاستخباراتية من كل الجوانب، حتي أنها استغلت خبراتها في الأوقات القليلة التي جمعتها وجها إلي وجه مع ميردوخ نفسه وكذلك مع أولاده الشباب، وتفوقت في ذلك بحسب تقرير ال"نيويورك تايمز" علي الناقد الإعلامي الشهير ميشيل وولف في السيرة التي جمعها عن ميردوخ في كتاب بعنوان «الرجل الذي يملك الأخبار». "كالعادة، يصدِّر ميردوخ جبهته النحاسية وهو يدقق في الإمساك بلعبته الجديدة اللامعة، ولم يتم بعد تحديد ما إذا كان فوزه ب«وول ستريت جورنال» سيعد بكارثة باهظة الثمن، أم برؤية تغيير جريئة «هكذا تترك سارة إليسون نهاية قصتها السينمائية مفتوحة، يقلقها مستقبل صحيفتها التي انتسبت إليها يوما ما بعدما سيطر عليها شخص من المعروف ميله نحو الكم أكثر من النوعية، وساق الصحيفة الاقتصادية الأولي إلي موضوعات أخري بعيدة عن دورها التقليدي المعني بالنشاط التجاري، وخرجت بها عن عالم المال والأعمال.