نستكمل في الحلقة الثانية قراءة كتب «عالم الاسلام» الموجهة لأطفال المدارس في أمريكا ممن تتراوح أعمارهم بين 10-16 عاما والتي أصدرها مركز واشمان التعليمي التابع لمعهد أبحاث السياسة الخارجية اليميني في الولاياتالمتحدة. وبعد أن قرأنا كتاب «الاسلام الراديكالي» الأسبوع الماضي لمؤلفه الصهيوني آلان لوكسنبرج وهو أمريكي يهودي ومعلم في مدارس دينية، نقرأ هذا الأسبوع كتابا آخر عن العلاقات الاسلامية اليهودية.. لكن المؤلفة هذه المرة ليست يهودية فقط بل اسرائيلية؛ فبالرغم من أن اسرائيل لم تذكر في كتاب «الاسلام الراديكالي» علي الاطلاق، الا انه تم تناول حماس وما يعد في نظر الغرب ارهابا فلسطينيا ضد اسرائيل من بعيد.. لتترك مهمة تناول اسرائيل واليهود في يد الاسرائيلية تانيا سكلار الباحثة في مركز الأبحاث الدولي للشئون العالمية «جلوريا» اليميني التابع لمركز هرتزيليا الاسرائيلي. المسلمون واليهود قبل اسرائيل سكلار هي مؤلفة كتاب »العلاقات الاسلامية اليهودية قبل 1947« وهي تبدأ في سرد تاريخ العلاقات بين المسلمين ويهود قبائل بني النضير وبني قريظة وبني القينقاع منذ أيام الاسلام الأولي في عهد سيدنا محمد (ص)، ولا شك أن كتاباتها في هذا الشأن تنبع من تحيز واضح لا يمكن التشكيك فيه باعتبارها يهودية صهيونية في الأساس، فهي مثلا تقول ان العلاقات بين المسلمين واليهود كانت جيدة في البداية عندما وضع الرسول (ص) دستورا للمدينة حدد مسئوليات كل منهما وجعل مهمة الدفاع العسكري مهمة مشتركة، لكن العلاقات سرعان ما تدهورت بعد توسع المسلمين وزيادة قوتهم حتي نفوا يهود بني القينقاع وبني النضير «بعد صراعات متكررة مع المسلمين» وذبح يهود بني قريظة لتصل إلي نتيجة في آخر الكتاب مفادها أن القرن السابع (أي في عهد الرسول) شهد بعض أسوأ أشكال سوء المعاملة لليهود.. هكذا من دون ذكر التفاصيل المخجلة حيث يكمن الشيطان... التفاصيل التي تقول إن يهود بني القينقاع صبر عليهم الرسول (ص) واكتفي بتحذيرهم عندما تحرش رجل يهودي بسيدة مسلمة وجاء من خلفها ورفع ملابسها فانكشفت عورتها وصرخت حتي أتي رجل مسلم فقتل اليهودي ليقتل هو بعد ذلك علي يد اليهود، لكن يهود بني القينقاع استمروا في تحرشاتهم بالمسلمين وسب الرسول (ص) وصحابته بعد غزوة بدر غير آبهين بالمعاهدة الموقعة مع المسلمين والتي يعتبرون فيها أمة واحدة مع المسلمين حتي أن القبائل اليهودية الأخري مثل يهود بنو قريظة ويهود بني النضير تبرأوا مما كان يفعله يهود بنو القينقاع وشاعرهم كعب بن مالك الذي كان يؤلب مشركي مكة علي الرسول (ص) بعد أن كانوا يساندونهم لفظا ويحثونهم علي المواجهة العسكرية فتمادي يهود بني القينقاع في تحرشاتهم، فما كان من الرسول (ص) سوي تخييرهم بين احسان الجوار أو توقيع معاهدات جديدة أو القتال وهو ما اختاروه بالفعل، لكنهم عندما وجدا أن أحدا من القبائل اليهودية الأخري لم يأت لنصرتهم حاولوا العدول عن الحرب ولكن بعد فوات الآوان.. وبعد مداولات عديدة سمح لهم الرسول (ص) بالرحيل عن المدينة مع أسرهم دون قتال وبدون سلاح ووافق علي رحيلهم بأموال قليلة حتي لا يتمكنوا من شراء الأسلحة من جديد وشن الحرب علي المسلمين.. والتفاصيل التي تقول إن يهود بني النضير هموا بقتل الرسول (ص) عند قدومه اليهم طالبا المال لاكمال دية رجلين قتلهما المسلمون بطريق الخطأ، ورغم أن يهود بني النضير بينهم وبين المسلمين حالة سلم الا انهم غدروا بزعيم المسلمين وهو ضيف عندهم، لولا أن نزل عليه الوحي (جبريل عليه السلام) وحذره.. فكانت النتيجة الطبيعية لهذه المؤامرة هي الحصار والاجلاء لأشخاص (أو مواطنين بالمعني الحديث للدولة) حاولوا التآمر لقتل زعيم الأمة ورحلوا فقراء أذلاء عن المدينة... أما يهود بنو قريظة الذين تصف المؤلفة الاسرائيلية ما تعرضوا له بأنه «مذبحة» لقتل 700 رجل منهم، فقد ناصروا قريشا وأطرافا عربية مشركة أخري جاءت لقتال المسلمين في غزوة الأحزاب حين تحالفت قبائل المشركين علي المسلمين ونقض يهود بنو قريظة عهدهم مع المسلمين وأرادوا الفتك بالمسلمين أثناء غزوة الأحزاب التي كانت معركة أعصاب ولو كان تم ما خطط له هؤلاء اليهود لكان قضي علي المسلمين وأبيدوا تماما لأن اليهود كانوا في ظهر المسلمين الذين أمنوا لهم بينما كان المشركون أمامهم وهو ما يعني أن المسلمين كانوا بين كماشة اليهود والمشركين، وبعد انقضاء حرب الأعصاب بسبب الخندق المنيع الذي بناه المسلمون والريح العاتية التي اقتلعت خيام المشركين أثناء حصارهم للمسلمين، كان الوقت قد حان لاتخاذ موقف من اليهود الذين قاموا بأعمال حرب تصنف بمفهومنا الحالي علي أنها «خيانة عظمي» فحاصرهم جيش المسلمين ورفض اليهود القتال أو الدخول في الاسلام ولجأوا الي حكم سعد بن معاذ سيد الأوس الذين كانوا الأقرب لليهود من بين المسلمين وارتضاه اليهود حكما، فحكم بقتل الرجال وسبي الذرية وتقسيم الأموال.. ليتكشف لاحقا أن يهود بني قريظة جمعوا 1500 سيف و2000 رمح و300 درع وغيرها لابادة المسلمين. هذه هي قصص القبائل اليهودية الثلاث بني القينقاع وبني النضير وبني قريظة التي لا تذكر الكاتبة الاسرائيلية شيئا عنها، مكتفية بذكر ما فعله المسلمون سريعا دون الاشارة الي «الفعل اليهودي» أو حتي رد الفعل.. وكأن اليهود كانوا دوما في محل المتفرج أو كأنهم ملائكة يشاهدون ما يفعله بهم المسلمون دون أي فعل من جانبهم.. بالرغم من أن التساؤل المهم الذي يجب طرحه في هذا السياق هو: ماذا لو كانت هذه الوقائع جرت مع المسلمين الأمريكيين؟ ماذا لو غدرت منظمات اسلامية أمريكية بالولاياتالمتحدة ابان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي وثبت تآمرهم في محاولة لضرب أمريكا بالسلاح النووي مثلا للقضاء عليها (وكان الحال مشابها لحال المسلمين الذين كانوا يواجهون خطر الابادة الجماعية لو كان مخطط اليهود والمشركين قد نجح) أو شاركت في التآمر لتنفيذ هجمات سبتمبر الدامية؟ ألم تكن الأجهزة الأمنية الأمريكية لتتخذ ضدهم أشد عقاب؟ ألم تكن لتنكل بهم وتعذبهم أو ترسلهم لسجون تعذيب سرية حتي ولو في بلادهم علي غرار ما حدث لمعتقلي جوانتانامو علي الرغم من أن هؤلاء المعتقلين لا يحملون الجنسية الأمريكية فيما عدا حالات قليلة؟ فما بالنا لو كانوا مواطنين أمريكيين تمتعوا بكامل حقوقهم في الدولة ثم انقلبوا عليها وأرادوا الفتك بمواطنيها وتنكروا للعهد الموقع وغدروا بوطنهم في الوقت الذي كان يحتاجهم فيه؟ وما بالنا أكثر اذا كان الفرق هائلا في ميزان القوي بين الولاياتالمتحدة اليوم وبين المسلمين آنذاك.. فاذا كانت أقوي دولة في العالم لتفعل ذلك بفئة من مواطنيها تآمروا ضدها فما بالك بفئة تآمرت ضد دولتها الضعيفة المحاطة بالأعداء من كل جانب ولا تقوي علي مجابهتهم بالمنطق العسكري؟ ألا يدعو السناتور الديمقراطي جوزيف ليبرمان لسحب الجنسية الأمريكية من الارهابيين الأمريكيين وفق مشروع قرار «ترحيل الارهابي» الذي يتدارسه الكونجرس حاليا؟ موقف يتماشي مع المنطق ولا يرفضه سوي الظالم الجاحد.وتشير المؤلفة الاسرائيلية في الكتاب الي نجاح الرسول (ص) في القضاء علي الوثنية في مكة، مستخدمة مصطلح »قمع الوثنية« وكأنها تتهم المسلمين الأوائل بشكل غير مباشر بأنهم كانوا لا يسمحون بحرية الأديان. أهل الذمة وعبر صفحات الكتاب المختلفة، تستطيع أن تلمس محاولات دؤوبة للكاتبة الاسرائيلية لاظهار المسلمين بشكل سلبي تحركهم اعتبارات المصلحة فقط في معاملاتهم مع غير المسلمين؛ فعندما كانوا في بداية توسعاتهم ونشرهم للاسلام، كانوا أكثر تسامحا مع غير المسلمين من سكان البلاد التي يفتحونها بسبب حاجتهم اليهم (لمهاراتهم الادارية والتجارية كما يذكر الكتاب) لكنهم بعد انتفاء السبب وبعدما تمكنوا من السلطة ولم يعودوا في حاجة لمعونة غير المسلمين، بدأوا في اجبارهم علي اعتناق الاسلام وبدأ سريان مفهوم «مواطني الدرجة الثانية» (أهل الذمة) ودفع الجزية وقصر الانضمام للجيش علي المسلمين وتمييز غير المسلمين بزي معين أو بعلامات معينة توضع علي منازلهم، في ايحاء متعمد من الكاتبة الصهيونية لتشبيه الاسلام بالنظام النازي في مخيلة الأطفال الصغار دون أن يتم ذلك بشكل مباشر. هذا التفسير المظلم للجزية تجانبه حقائق عدة وهي أن الجزية فرضت علي غير المسلمين كما فرضت الزكاة علي المسلمين وكلاهما يعرف في وقتنا الحاضر بأنه الضريبة التي يدفعها المواطن في الدولة بغض النظر عن ديانته، أما مسألة الانضمام لجيش الدولة الاسلامية فمن الطبيعي أن تكون أهدافه وطنية واسلامية في الوقت نفسه بمعني أنه قد يتدخل للدفاع عن المسلمين في أي مكان بالأرض اذا دعت الحاجة فأين المنطق في أن يدافع غير المسلمين عن أوطان أخري غير أوطانهم وشعوب أخري يختلفون معهم في عقيدتهم؟ ألم يكن هؤلاء المنتقدون لهذه الأوضاع ليستمروا في انتقاداتهم بل ويزيدون الوضع اشتعالا اذا كان الجيش الاسلامي يضم جنودا من غير المسلمين وذهب للدفاع عن مسلمين مقهورين في بلد آخر؟ ثم وهل تمييز المسلمين عن غيرهم في حد ذاته يعني الاضطهاد بالضرورة؟ ألا توجد خانة للديانة ببطاقات الهوية في كثير من الدول العربية؟ ان الدين جزء من الهوية مثل اسم الشخص مثلا واذا عرفت اسم الشخص فهذا تمييز لكنه تمييز ايجابي ولا يحمل شبهات الاضطهاد الا اذا ثبت ذلك بالفعل ضده.. واذا اعتبرت الكاتبة اليهودية المتطرفة أن المشكلة ليست في التمييز في الزي في حد ذاته وانما في الاضطهاد الذي سيترتب علي هذا التمييز فقد كان الحال كذلك في الغرب قبل وصول هتلر إلي الحكم.. وكان هذا النظام معمولا به في فرنسا وانجلترا والبرتغال وروما والنمسا واسبانيا التي لم تمر الكاتبة اليهودية علي أي منها ولم تذكرها علي الاطلاق سوي في موضع آخر وعلي استحياء حين الحديث عن ارتباط القومية العربية والايرانية والتركية بالاسلام وارتباط القومية الفرنسية والبولندية بالكاثوليكية فكان مصير اليهود سواء في هذا الجانب أو ذاك هو الاضطهاد، في مخطط لذكر الحقائق التي تستهوي مركز أبحاث السياسة الخارجية اليميني وتشكيل عقول الأطفال الصغار علي هواه. وفي نهاية الأمر، فان كل هذه القواعد والأحكام خاضعة للاجتهاد والتجديد أي أنها ليست ثابتة نافذة لا تتغير بتغير الظروف مثل الفرائض مثلا فهي ترجع للأمور الفقهية التي تتحمل أكثر من رأي ويتوقف البت فيها علي الظروف والزمان والبيئة المحيطة.. والدليل أن بعض الدول الاسلامية اليوم يدفع سكانها سواء مسلمين كانوا أم غير ذلك الضرائب للدولة وهم متساوون في ذلك لا فرق بينهم علي أساس الدين، واضافة إلي هذه الضرائب يدفع المسلمون زكاة أخري كما حددها الشرع الاسلامي وبالتالي فهم ينفقون أكثر مما ينفقه غير المسلمين في دولتهم.. وكذلك الحال بالنسبة للانضمام للجيش فقد انخرط الكثيرون من غير المسلمين في الصفوف العسكرية في دولهم وحاربوا جنبا إلي جنب مع المسلمين وذلك بعد أن اقتصرت مهام الجيش علي الدفاع عن الوطن ولم تعد هناك النظرة البعيدة الرامية إلي حماية ونجدة المسلمين في أي بقعة من الأرض. حتي عندما تحدثت سكلار عن تحسن وضع اليهود في اسبانيا (الأندلس) تحت حكم المسلمين عن المسيحيين، فانها أرجعت ذلك للرغبة في نشر الاستقرار في البلاد وتوحيد أملاك الاقطاعيين لتسهيل أعمال التجارة.. أي أن المعاملة الحسنة التي يلقاها غير المسلمين من المسلمين لا تحركها سوي المصلحة وليس تعاليم دينهم! وتتنقل الكاتبة بين فترات عاش فيها اليهود بسلام تحت الحكم الاسلامي في مصر مثلا وبين فترات أخري (وأكثرها أحداث ومواقف بعينها وليس فترة زمنية) واجه فيها اليهود بعض الصعوبات أو تعرض بعضهم فيها للقتل مثل ايران وجرانادا علي سبيل المثال متطرقة لبعض الفترات التي وصل فيها اليهود إلي مناصب عليا في الدولة كمستشار للحاكم وغيره إلي أن تصل إلي فلسطين. أين الارهاب الاسرائيلي؟ وتسرد الكاتبة الاسرائيلية بعض الحوادث التي تعرض لها اليهود في الدول العربية قبل قيام اسرائيل، لكنها بالطبع لا تذكر شيئا عن أفعال العصابات اليهودية الاجرامية في فلسطين من الهاجانا أو الأرجون أو شتيرن وكلها منظمات ارهابية كما تم تصنيف بعضها من قبل السلطات البريطانية نفسها هاجمت السكان المدنيين العزل وتطول قائمة جرائمهم، الا انها شاركت في الوقت نفسه في تشكيل الجيش الاسرائيلي بعد قيام الدولة وبعضها يدعو لاعتبار اسرائيل دولة من النيل إلي الفرات، ورغم ذلك فان سكلار تزعم في الكتاب «ان البريطانيين أو الفرنسيين الذين كانوا يسيطرون علي الدول العربية منعوا العنف العربي اليهودي»، مع ملاحظة استخدامها لمصطلحات العرب واليهود وكأن الصراع هو مع اليهود كدين وليس مع الصهيونية وكأنه أيضا لم يتواجد يهود في الدول العربية ولم يتحدثوا بلغتها ولم يعيشوا بسلام في جنباتها! معاداة السامية! وتختم الكاتبة الاسرائيلية كتابها بهذه النتيجة: «ان الصهيونية وانشاء اسرائيل لعبا دورا كبيرا في اثارة الخصومة والعنف تجاه المجتمعات اليهودية في الدول ذات الغالبية المسلمة، الا أن هذا الدور يجب ألا يتم تضخيمه أو المغالاة فيه، لأن الاسلام دائما ما حمل نبرة من معاداة السامية... ان القصة باختصار هي أن اليهود كانوا متروكين لحالهم بشكل عام في الدول ذات الغالبية المسلمة يتعرضون للاضطهاد في فترات مختلفة لكنهم لم يندمجوا بأي شكل اجتماعي أو سياسي، الا أن التطور الذي شهده الغرب باتجاه المواطنة الكاملة وتحديد مفهوم الجنسية والمواطنة ابتعدا تماما عن الدين وهو ما لم يتحقق أبدا في الدول ذات الغالبية المسلمة».. وكيف لم يندمجوا وقد وصلوا لمراكز عليا في فترات عديدة في الدول الاسلامية كما تقول سكلار نفسها في مواضع أخري بالكتاب؟! وبعد هذه الخاتمة، تجد صورة لقبة الصخرة بلونها الذهبي الرائع وتعليق يقول: »منظر لقبة الصخرة في القدس والتي بنيت بين عام 688 و691.. وتقبع القبة الاسلامية فوق جبل الهيكل.. الأرض المقدسة لليهود«. ونستكمل قراءة الكتب الاثنين القادم