نشر الإعلان الكبير عن مشروع المتحف المصري الكبير والذي سيشيد بمنطقة الأهرامات، ومن المنتظر أن يقام هذا المتحف علي مساحة ضخمة إذ تبلغ المساحة الكلية الداخلية لمبانيه 108 آلاف متر مربع.. ومن المتوقع أن يجذب أنظار العالم كله لما به من آثار.. ولكنه ذكرني بالمتحف المصري القديم الكائن في ميدان التحرير وبعدد هائل من المتاحف الرائعة التي تضم آثاراً نادرة ليس في القاهرة فحسب بل في كثير من المحافظات ومدن مصر شمالاً وجنوباً.. وتذكرت أن تلك المتاحف تخلو من أهم الزائرين. فنادراً ما تجد مجموعة من طلاب المدارس في أي من مراحلها يزورون المتحف المصري مثلا بالرغم من أن منهج مادة التاريخ المقررة عليهم يتناول التاريخ الفرعوني!! ولا تجد في متحف القلعة مثلا عددا من الطلاب الذين يدرسون تاريخ مصر في عصر الدولة الأيوبية وما تلاه من عصور تعكس حضارتها القلعة ومتاحفها!! وبالرغم من أن الكتب المدرسية توصي الطلاب في (المعلومات الإثرائية) بزيارة تلك المتاحف والمناطق الأثرية، لا يتم تفعيل ذلك بصورة عملية من الجهات التعليمية. وغالبا ما يعتمد الأمر علي أولياء أمور الطلاب الذين قد يصطحبون أبناءهم لزيارة المتحف، وقد لا يستطيعون القيام بذلك.. والحقيقة أن غالبية الآباء والأمهات لا يقومون بهذا الدور.. إما لعدم وجود وقت كاف للقيام بهذه الرحلات، أو لقصر ذات اليد، وبخاصة إذا أخذنا في عين الاعتبار أن الطلاب وآباءهم لا يقطنون جميعهم القاهرة أو الإسكندرية، ولا يتمكنون من السفر والانتقال لزيارة المتاحف خارج مدنهم.. أضف إلي ما سبق أن وعي الآباء بالتاريخ والآثار قد لا يكون بالقدر الذي يكفي لتوفير الوقت والمال لزيارتها.. وأن كثيرين يفضلون الرحلات الترفيهية علي الرحلات الثقافية. وبالتالي صار عبء الثقافة التاريخية مضافا إلي العملية التعليمية.. ومن الضروري أن ندرك جميعاً أن تلك الثقافة التاريخية يمتد دورها لربط الطفل ببلده وتنمية شعوره بالانتماء.. وهكذا أصبح علي مدارسنا العودة إلي تفعيل أنشطة الرحلات الثقافية كما كان الحال منذ عشرين سنة وأكثر.. وصار من الضروري إلزام المدارس بالقيام بهذا الدور وبخاصة مع وضع المناهج الجديدة والتي من الممكن أن تشمل دروساً لا تتناول التاريخ فقط بل تشمل زيارة الآثار والمتاحف وتحتوي علي آداب الزيارات من هذا النوع. ولا يقف دور المؤسسة التعليمية علي المدرسة بل يمتد ليشمل الجامعات والتي ندرت بها رحلات الثقافة في مقابل عشرات بل مئات من الرحلات الترفيهية لمدن الملاهي والمصايف والمشاتي.. أما أن يذهب الطلاب غير طلاب الفنون في رحلة لمتحف محمود مختار، أو يزورون قصر محمد علي، أو يذهبون إلي مساجد وكنائس مصر القديمة، هذا ما لا يحدث تقريباً. حين قرأت عن المتحف المصري الجديد المزمع إقامته تذكرت أنني سألت طلاب في إحدي المحاضرات عمن زار منهم المتحف المصري فلم يتجاوز عددهم ربع الطلاب الجالسين في المدرج.. هل من الممكن أن تحفز كل هذه المتاحف القائمين علي العملية التعليمية لتثقيف الأطفال والشباب المصريين وربطهم بتاريخهم وتنمية انتمائهم الوطني؟