هادية مبارك "المسلمة الساحرة" ويسرا جمعة "المسلمة التقية"، فرحان لطيف وريكاردو بينا ومارتا جاليداري والضابط كريس إيروين الذي شارك في حرب العراق، وغيرهم نماذج لشباب مسلمين يحملون الجنسية الأمريكية، نقترب في هذا الكتاب من تجارب صمودهم أمام التحديات التي فرضها التمسك بعقيدتهم عقب أحداث 11 سبتمبر، التي تقول عنها مؤلفة الكتاب "جنيف عبده" وهي صحفية أمريكية من أصل عربي، إنها غيرت حياة المسلمين في أمريكا تغييرا جذريا، وجعلت العديد منهم يشاركون فيما يطلق عليه "حركة الرافضين" التي من أول وأهم مبادئها تكوين هوية إسلامية أمريكية محددة وقوية، تتناسب مع الظروف الجديدة، وتسمح بظروف ملائمة للتأقلم والتوفيق بين تعاليم عقيدة الإسلام التي أصبحت متهمة بالإرهاب، وبين طبيعة الحياة اليومية في أمريكا الحديثة أو أمريكا المعاصرة، فيما يمكن تسميته بحسب جنيف "بالإحياء الإسلامي". "مكة والاتجاه العام.. حياة المسلمين في أمريكا بعد الحادي عشر من سبتمبر"، هو عبارة عن رحلة ميدانية من نوع خاص ومختلف، استهدفت منها المؤلفة التعرض لتفاصيل تعرف مجموعة متنوعة من المسلمين الشباب في الولاياتالمتحدة علي أفضل طريقة للحياة بكرامة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث تصف المؤلفة واقع مسلمي أمريكا بعد 11 سبتمبر، قائلة: "فجأة لم يعودوا في الظل كأقلية، وأصبح يلتفت إلي كل كلمة يقولونها، لقد تسبب هذا الحادث في تكوين الأمريكيين لحقيقة واحدة: إن المسلمين إرهابيون والإسلام دين عنف، والمسلمين متأخرون ويشعرون برغبة في الانتقام من الغرب". تقول المؤلفة أن أحداث 11 سبتمبر في سبيل بناء سبل جديدة من قبل شباب المسلمين الأمريكيين تتفق والحياة الحديثة اليومية في أمريكا، تشير المؤلفة عبر شهادات حية إلي تغير دور المسجد كأحد أكبر وأخطر التحديات التي تواجه الإسلام الأمريكي، فيما أطلقت عليه تعبير "المسجد المتطور"، أي بعد أن كان دوره يقتصر علي العبادة، أصبحت المساجد في الولاياتالمتحدة مركزا للنشاط الاجتماعي. إلي جانب تناول واقع حياة المسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، تتبع المؤلفة بسرد تاريخي رصين أهم مراحل تطور الأقليات المسلمة في الولاياتالمتحدة، ومن بين أهم الخلاصات التي نقرأها في كتاب "مكة والاتجاه العام"، وهي خلاصة يستنتجها أغلبنا، أنه لدي أغلب الأمريكيين انطباعات سلبية عن المسلمين، مع أنهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام، ويتحدثون عن المسلمين كما لو كانوا جنسا مختلفا، وتُعَقِّب المؤلفة في هذا الصدد علي أن أغلب خلفيات موجة العداء تجاه المسلمين تعكس نقص المعرفة عن الإسلام، الذي لم يتغير منذ وصول أول المسلمين إلي أمريكا منذ أكثر من 300 عام، وهنا تحدٍ آخر يواجه المسلمين في أمريكا، أن المسلمين اليوم، ربما يكونون أكثر أجيال المسلمين تفككا وارتباكا علي مدي التاريخ، وذلك بسبب طبيعة المرجعية الدينية. من هنا بالتحديد بدا تفسير عنوان الكتاب سهلا "مكة والاتجاه العام"، حيث يشير إلي غياب المرجعية الدينية الذي تسبب بدوره في غياب سلطة دينية بالولاياتالمتحدة، وهو ما جعل جيل المسلمين الأول من المهاجرين إلي أمريكا من مختلف الجنسيات يعتمدون علي الشيوخ من مصر أو السعودية للنهل الديني، وهذه المراجع الدينية بحسب المؤلفة لم تتمتع بالتأثير الميداني المطلوب لدي الحياة الحديثة في أمريكا، فنتج عن ذلك استغلال النصوص الدينية الإسلامية من جانب نوبل ردو علي وإليجا محمد، وغيرهما من المسلمين السود الذين اعتنقوا الإسلام، إذ لم يكن هناك من يعارض قراءتهم المحرفة للعقيدة التي اعتمدت علي التفريق بين الأبيض والأسود، إلي أن ظهر كما تستطرد المؤلفة أشهر وأهم رموز تيار "المسلمين السود" في الولاياتالمتحدةالأمريكية، هو الراحل مالكولم إكس، الذي هجر القراءات الإسلامية المحرفة التي تبنتها جماعة "إليجا محمد" علي الخصوص، بسبب تأثير أدائه لشعيرة الطواف حول الكعبة المشرفة سبع مرات، وهي الشعيرة التي فتحت عينه علي عالم جديد لا يعترف إلا بالأخوة الإسلامية، وليس باختلاف الجنس، أو لون البشرة. تتطرق الكاتبة إلي التحديات الأخري التي تواجه المرأة المسلمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتختزلها في الحجاب والمسجد أيضا، حيث تؤكد جنيف عبده أن دور النساء في مساجد أمريكا يمثل "أرض المعركة المحورية"، وفي هذا السياق تروي جنيف عبده حكاية دالة عن دعوة الشيخ علي سليمان علي "شيخ من غانا، يلبس اللباس الأفريقي التقليدي، وهو إمام في أحد مساجد ولاية ميتشجن" لبعض النساء بأن يصبحن عضوات في مجلس إدارة المسجد. من هو الصوت الإسلامي الموثوق به؟ هذا هو السؤال الأكثر إلحاحا، الذي يردده الكثير من المسئولين الأمريكيين بعد 11 سبتمبر، وتستخلص جنيف أن شباب الأمريكان المسلمين الذين قدّمت نماذج لهم في كتابها، يعتبرون هويتهم الإسلامية أكثر أهمية من هويتهم الأمريكية، لكن ذلك لا يمنعهم من قبول ما تقدمه لهم أمريكا من حرية، لأن كما تقول المؤلفة: "الأمريكيون المسلمون يمكن أن يكونوا أول مجتمع إسلامي في العالم يتصالح مع ما أصبح يعتقد أنه صراع بين العالم الإسلامي والغرب".