ربما لا يعلم كثيرون أن في مصر نظاما للإنذار المبكر يتنبأ بهطول الأمطار تم تنفيذه بالمشاركة مع الاتحاد الأوروبي عام 2007 ورغم أن هذا النظام يظهر إشارات تحذيرية قبلها ب 5 أيام للتنبيه كما حدث مع السيول التي ضربت سيناء مؤخراً، لكن أحداً لم يتحرك إلا بعد وقوع خسائر وضحايا. وربما أيضا لا يعرف كثيرون أن لدينا مؤسسة علمية اسمها معهد تنمية الموارد المائية والري في سيناء، «روزاليوسف» كانت هناك في لقاءات ميدانية مع خبراء المعهد وعادت بتفاصيل خطيرة. عندما أسس المعهد في السبعينيات كما يقول عميده الدكتور سامح صقر كان مختصا بدراسة الموارد المائية بحوض النيل، ولكن بعد عودة سيناء وتحريرها بالكامل أصبح المعهد مسئولا عن تقييم وتنمية الموارد المائية بسيناء. لم تكن هناك معلومات إلا التي خلفها الإسرائيليون من تقارير منشورة، فبدأ المعهد من الصفر وكانت له الريادة في تحديد واكتشاف خزانات للمياه الجوفية تصل أعماقها إلي 150 متراً. صقر يشير إلي أن معدلات تدفق مياه السيول من مصر الي اسرائيل والعكس تتغير حسب اتجاه العواصف والأودية التي تنبع روافدها من الأراضي المحتلة تارة ومن أراضي سيناء تارة أخري، ويوضح أن التنبؤ يساعدنا علي وضع خطط لحجز مياهنا والاستفادة منها. ولا يقتصر دور المعهد علي التنبؤ بل إن التحدي الحقيقي يكون في حجز مياه السيول وتخزينها تحت الأرض وحمايتها من الانحدار خارج الحدود، والاستفادة من المياه في أعمال التنمية بسيناء بدلا من تركها لتذهب إلي إسرائيل التي تحتاجها لتبريد مفاعل ديمونة وبناء مزيد من المستوطنات. فيما يكشف د. جمال قطب نائب مدير المعهد أنه يجري العمل حاليا علي إعداد أطلس للسيول، وهو مجموعة من الخرائط التوضيحية للخصائص الجيولوجية للأودية ومخراتها والتي تمكن من ترويضها ومواجهة مخاطرها. أيضا يجري إعداد الكود الاسترشادي لكيفية تعايش المباني في مخرات السيول مثل المطارات من خلال وضع النظم والمعادلات الرياضية وأساليب هندسية للمباني في مخرات السيول والواجب اتخاذها للتصميم الهندسي القادر علي التعامل مع الكارثة. وكما يوضح د. جمال عبد الله أمين عام المعهد فإن دور الباحثين بالمعهد تحديد ماهي كميات الأمطار الحرجة التي تسبب السيول والشدة المتوقعة. ويكشف أن وادي الأرزاق الذي تبني فيه إسرائيل العديد من سدود التخزين يمنع تماما جريان المياه السطحية ناحية الأراضي المصرية، ولكن نتيجة شدة العاصفة الأولي للسيول امتلأت سدودهم وتخطتها المياه لتجري نحو سيناء وساهمت في ملء الخزان الجوفي بالعريش بعد أن تم تجميعها خلف سد الروافعة وحقنها بخزان العريش الجوفي لاستخدام هذه المياه في خطط التنمية لتوطين البدو. وتقول د. ايمان احمد حسن رئيس قسم دراسات الهيدرولوجية أن فريق العمل بالقسم مسئول عن دراسة وتقدير كميات المياه الساقطة من الامطار التي تسبب سيولاً، للحفاظ علي كل نقطة مطر من خلال شبكة أرصاد والتي سنتوسع بها واعداد النماذج الهيدرولوجية للأمطار والسيول الناتجة عن الأمطار والأعمال الصناعية اللازمة. المهندسة نهي يوسف تلتقط أطراف الحديث وتقول: لدينا بيانات ترجع الي 100 سنة تحدد أكبر قيمة للعواصف والبرامج الإحصائية بما يمكننا من التوقع لكن ليس بدقة بمواقع وزمن حدوث السيول من 20 الي 50 سنة قادمة. أما الدقة الحقيقية ففي النماذج الرياضية لبيانات الأمطار التي يتم تحديدها قبلها بخمسة أيام والتأكد اليقيني قبلها ب 72 ساعة. د عبد الحافظ حسن محمد رئيس قسم الجيوهيدرولوجي علم المياه الأرضية يوضح أن المياه السطحية الساقطة علي شبه جزيرة سيناء تتركز في 3 خزانات أرضية في المناطق الساحلية من رفح وحتي بالوظة في الغرب والحجر الجيري المتشقق في وسط وشمال سيناء من نفق أحمد حمدي حتي النقب، فضلا عن الخزان الرئيسي الحجر الرملي النوبي وهو علي شكل حدوة فرس في الجنوب والوسط. ويؤكد أن مياهنا تذهب إلي داخل حدود إسرائيل لانحدار الأرض، مطالبا بوضع تشريع دولي لادارة الخزانات الجوفية المشتركة بين الدول، خاصة أن سحب المياه بكثرة يعمل علي خلخلة النظام الهيدروليكي. أما د. أسامة عبد الرءوف أستاذ مساعد الجيوفيزيا، المسئول عن دراسات ماقبل الحفر للآبار العميقة لاصطياد المياه، فيلفت إلي استحداث طرق مغناطيسية بالجاذبية الأرضية والكهربائية فضلا عن طريقة الرادار للقيام برصد مياهنا الجوفية. وكشف عن وجود أجهزة رادار من علي المريخ لاستكشاف المياه الجوفية وتصل الي كيلو ونصف الكيلو تحت الأرض، ويطمح إلي أن يتم توفيرها للمعهد مشيراً إلي أن إسرائيل تستخدمها حاليا. ومن داخل قسم نظم المعلومات الجغرافية يقول أحمد صديق أن المعمل هو المطبخ الذي يتعامل مع جميع مصادر المعلومات والبيانات الممثلة في الخرائط والصور الفضائية لأجهزة الاستشعار عن بعد والبيانات المناخية لمعرفة مدي امكانية حدوث امطار وتحديد كمياتها قبلها بأيام لمساعدة متخذي القرار. المهندس أحمد شوقي بوحدة الاستشعار وهو شاب لم يتجاوز عمره 26 عاما، كان صاحب إشارة التحذير الأولي من السيل الأخير والذي استقبله من خلال نموذج جهاز وحدة استقبال القمر الصناعي بسيناء يوم الجمعة 16 يناير الماضي. ويشرح شوقي أن التوقع جاء عبر جهاز الكمبيوتر المحمول والذي أظهر أن الخطر يبدأ من الساعة الرابعة داخل سيناء وحتي الساعة السادسة. وبعد أن تم إعطاء إشارة الخطر لجميع الاقسام بالمعهد تأكد الجميع من المعلومة في الساعة 11 صباح اليوم التالي. وكما يقول مهندس الاستشعار تم تشكيل مجموعات عمل سافرت للتفتيش علي مخرات السيول خاصة أن الدورة المناخية تتغير من 20 الي 25 سنة، موضحاً أن البيانات التاريخية قد تعطينا نتائج مشوشة، وهو ما أدي لمفاجأة الإسرائيليين والدليل انجراف كميات كبيرة من المياه إلينا ومعها السيارة الجيب.