مرة أخري تؤكد الأحداث والأزمات التي تمر بها بلدنا من وقت إلي آخر أننا أمام حكومة عاجزة،وفاشلة، ويجب أن تُسحب منها الثقة، إذا ما كان لدينا برلمان أو حياة نيابية حقيقية في مصر. جاءت سيول سيناءوأسوان لا لتهدم البيوت وتشرد آلاف الأسر، وتُغرق الطرق، وتجرف أبراج كهرباء الضغط العالي، ولكن أيضا لتُغرق حكومة "نظيف" في بحار الفشل والعجز، وتظهر سوءات مجموعة وزراء ومسئولين يتحركون بلا خطة أوهدف ،سوي تأمين مصالحم، في الوقت الذي تركوا فيه مصالح الشعب تدار"بالبركة". ضربت السيول ليس فقط قري سيناء وبيوت أسوان ،ولكن أيضا تلك المصداقية التي تدعيها حكومة رجال المال والأعمال، ولعل أصدق ما يدل علي رفض الشعب المصري لتلك الحكومة المفروضة عليه، من رد الفعل الطبيعي من أهالي العريش تجاه رئيس تلك الحكومة التي لا تعمل إلا لصالح الأثرياء ورجال المال والأعمال. فقد غادر أحمد نظيف مدينة العريش بعد خمس دقائق فقط من بدء زيارته، بسبب احتجاجات المواطنين علي تعامل الحكومة معهم بعد كارثة السيول. وقوبلت زيارة نظيف باحتجاجات من قبل المواطنين، لدي رؤيته داخل مدرسة عباس صالح التي اتخذتها السلطات كمأوي عاجل للأسر المتضررة ، مما دفع الحرس الخاص به بالتوصية بمغادرة المدينة بعد 5 دقائق فقط من بدء الزيارة. ومما زاد من غضب المواطنين ،انشغال معظم أجهزة المحافظة بالزيارة ،وتركهم أعمال الإنقاذ في وقت كان بقرب المنطقة التي يزورها نظيف مواطنون يحاولون إنقاذ 4 أطفال سقطوا في بالوعات الصرف، ولم يساعدهم أحد. وقام عشرات من رجال الأمن الذين يرتدون ملابس مدنية بدفع المواطنين بعيدا عن الحافلة التي يستقلها رئيس الوزراء وتعالت هتافات المواطنين قائلين "ارحمونا يرحمكم الله وانتو فين والمساعدات فين". وكانت اشتباكات قد اندلعت بين قوات الأمن وعناصر من بدو جنوبسيناء اتهموا الحكومة بعدم منحهم ما يكفي من المساعدات بعد السيول التي غمرت بيوتهم وأراضيهم. واستخدم حوالي ألف من سكان أبو صويرة جنوبسيناء شاحناتهم، لغلق الطريق الرئيسية المؤدية من بلدتهم الي شرم الشيخ والقوا الحجارة علي الشرطة، احتجاجا علي تأخر المساعدات الحكومية. وقالت مصادر أمنية إن الاشتباكات أسفرت عن إصابة ضابط شرطة وسبعة جنود، فضلا عن ستة من البدو في اشتباك بمنطقة رأس سدر في محافظة جنوبسيناء المصرية. التقليل من حجم الخسائر ** وأكد المتظاهرون أن الحكومة قللت من فداحة الأضرار التي لحقت بهم بعدما غمرت مياه السيول منازلهم مع ارتفاع مستوي المياه أكثر من مترين ونصف، تمهيدا لعدم تعويضهم. تقلل حكومة "الأثرياء" من فظاعة الأضرار، حتي لايظهر تقصيرها الواضح في حماية المواطنين وتحقيق أمنهم، وحتي لا تظهر الحقيقة ،وتنكشف عورات تلك الحكومة التي لم تلتفت ولم تستفد من الدراسات والتقارير، سواء تلك التي أعدت لمواجهة السيول والاستفادة من مياهها، أو حتي من تحذيرات أجهزة الأرصاد الجوية قبل أن تندلع السيول. وأقل تقديرات لخسائر السيول تشير إلي أنها تصل إلي 400 مليون جنيه، وتشريد أكثر من ألفي أسرة، كما قدرت خسائر خطوط نقل الكهرباء من أسوان من جراء السيول المدمرة بما يقرب من 70 مليون جنيه، بالإضافة إلي توقف محطة كهرباء السد العالي. وأكدت التقارير انهيار 81 برجا من أبراج الضغط العالي ،منها 16 برجا لخط السد العالي القاهرة، و10 أبراج للخط الثاني المحاذي للطريق الصحراوي الغربي القاهرة _ أسوان، وانهيار خط ربط أسوان سلوا ،الممتد من منطقة خزان أسوان إلي الفيروسيلكون بإدفو ،الذي يربط شمال أسوان النقرة ، وتدمير 5 أبراج من خط شمال أسوان الأعقاب،وتوقفت مصانع الألومونيوم بنجع حمادي والحديد والصلب وبعض خطوط الأسمنت. إهمال جسيم ** والسيول ليست كوارث طبيعية!! وبالتالي، فإن الحديث عن عدم العلم بسبب عدم وصول معلومة من الأرصاد الجوية، من قبل بعض المحافظين، حجة غير مبررة أو مقبولة لتقصيرهم، وهو أيضاً تعبير عن سوء الإدارة ،فمن البديهي، أنه طالما أن السيول تقع في موسم مُعين، فإن المحافظة تستعد بما هو لازم في هذا الموسم ومن ضمن الإستعدادات، أن تكون المحافظة علي إتصال يومي، بالأرصاد الجوية للمتابعة معها حول ما تتنبأ به علمياً فيما يتعلق بالسيول! إن اجتياح السيول لمحافظات مصر، ووقوع ضحايا بسببها، ليدل علي إهمال جسيم ،لابد من محاكمة المسئولين عنه، ولوأننا نمتلك مجلسا نيابيا علي قدر المسئولية لتم سحب الثقة من تلك الحكومة، التي لم تستفد أبدا من دروس الكوارث الكثيرة التي حدثت لمصر علي يديها. نعم لقد أتت السيول بما لا تشتهي الحكومة،جاءت السيول لتعرية المسئولين وكشف أصابع الفساد والإهمال والتقصير فيما يخص أرواح "بني آدمين" المحروسة.. وعلي الرغم من أن الفراعنة أول من تنبأ بها بل ونجحوا باقتدار في إقامة السدود وروضوا السيول لصالحهم إلا أننا فشلنا باقتدار فائق في تجنب أخطارها "لنغرق في شبر ميه". تصريحات وهمية ** تعرف حكومتنا جيدا أن موسم السيول يبدأ في مصر من فصل الخريف حتي شهر مايو،حيث تتكاثر السحب المنخفضة والمتوسطة ويصاحبها سقوط أمطار غزيرة علي مناطق كثيرة، أهمها أو أكثرها سيناء وسلاسل جبال البحر الأحمر، ثم مناطق الصعيد، ومع ذلك لم تتعد استعدادات حكومتنا سوي التصريح بإعلان حالة الطوارئ في المحافظات المتوقع دائما نزول السيول فيها مثل سيناء، ومحافظات الجنوب ،والإعلان عن عمليات صيانة لجمع المعدات واللودرات وماكينات شفط المياه، ووضع خطة لتأمين الكابلات وعمليات صيانة دورية خاصة بجميع مخرات السيول وتطهيرها وتجهيز مراكز الإيواء.. وبالرغم من ذلك وكل هذه الكلمات السابقة تحدث الكوارث، وتقع الخسائر!!. دراسات لم يلتفت إليها أحد ** حكومة نظيف أو بالأحري حكومة "الكوارث" لم تلتفت إلي الدراسات العديدة التي قامت بها الجامعات ومراكز الأبحاث عن السيول ومواجهتها، ومنها تلك الدراسة المهمة التي قدمتها جامعة المنوفية عام 2001، من خلال ثلاثة مشروعات بحثية لحماية مدن سوهاج والغردقة والقصير من أخطار السيول والاستفادة من مياهها ،بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وقتها أكد د. مغاوري شحاتة دياب رئيس الجامعة أن المشروع الأول لمحافظة سوهاج يهدف إلي دراسة حماية مواقع المدن، والاختيار الأمثل للمواقع المناسبة للاستثمار المستقبلي، وتأمين المحاجر والمناجم، وأسفرت نتائج المشروع عن تحديد وحصر الوديان التي يحدث علي سطحها سريان السيول وقوة اندفاعها ودرجة الخطورة التي تتعرض لها، بجانب دراسة الاستفادة من أخطار السيول بدراسة التربة وتصنيف الأراضي، ودراسة العلاقة بين الأمطار والبحر والتسرب ولكن من الواضح أن الدراسة دخلت أدراج الحكومة ولم تخرج. الدراسة الثانية قدمها علاء النبراوي بالمركز القومي للمياه، أكد فيها أن هناك مناطق تقليدية يحدث بها سيول هي سيناء خاصة في الجنوب والبحر الأحمر وصعيد مصر، وهذا لأن رياح الخريف تأتي من جنوب غرب مصر، وتكون محملة بالبخار وتحدث السيول عند اصطدامها بسلاسل جبال البحر الأحمر. هدم المخرات!! ** وتؤكد الدراسات أن مخرات السيول هي إحدي الطرق المهمة لتجنب آثار السيول، حيث من المفترض أنها تستوعب كميات المياه الساقطة من الجبال بعد تجميعها، لهذا لابد من اتساعها وإبعادها عن المناطق العمرانية، وهناك 108 مخرات سيل بالوجهين البحري والقبلي، وهناك اقتراح بتنفيذ 80 سدا حتي عام 2017 بتكلفة 164 مليون جنيه مصري، يوجد في المنيا فقط 32 مخرا سيليا، منها 6 مخرات في ملوي و5 في أبوقرقاص و3 بالمنيا و7 بسمالوط و5 بمغاغة و2 بدير مواس ومخر واحد ببني مزار ،هذا بخلاف ما هو موجود في البحر الأحمر وسيناء وباقي محافظات الصعيد. وفي الوقت الذي قدمت فيه السعودية تجربة رائدة في الاستفادة من مياه السيول ومخراتها بمنطقة عسير، حيث أقامت شبكة كاملة من الحواجز والسدود لترويض مياه السيول، وإبعاد الكتل البشرية عن طريق المخرات، والاستفادة بلك المياة في الري، نجد أننا في مصر للأسف نهمل تلك المخرات مما يؤدي إلي انسدادها، حيث نجد البعض يزرع آلاف الأفدنة في هذه المخرات أو يبني منازله عليها، مما يزيد من الخسائر الممكنة في حالة حدوث السيل. ورغم أن الأرقام والوثائق تؤكد أن أكثر من 50 سيلا ضربت مصر خلال الثلاثين عاما الماضية، فمنذ عام 1974 وحتي الآن تتعرض مصر لسيول ما بين قوية الجريان ومتوسطة وضعيفة أو غير واضحة الأثر، ولكن معظمها كان كارثيا وأكثرها كان في الصحراء الشرقية ثم الغربيةوسيناء، إلا أن حكوماتنا لا تستفيد ابدا من دروس الماضي، ولا تعمل من أجل المستقبل. تحذيرات بلا جدوي ** ومن المفترض أن مواعيد السيول معروفة ولهذا تقوم هيئة الأرصاد الجوية بالتنبؤ بها، حيث يمكن تفادي الخسائر أو علي الأقل تقليلها، وهذا ما حدث بالفعل _ كما يؤكد د. علي قطب مدير عام التحاليل والتنبؤات بهيئة الأرصاد الجوية - مع السيول التي حدثت في 17، 18 يناير الماضي ،فقد تنبأت بها الهيئة العامة للأرصاد الجوية قبل حدوثها بثلاثة أيام، وتم إصدار بيان تحذيري من الهيئة، وتم إرساله لجميع وسائل الإعلام المختلفة مقروءة ومسموعة ومرئية، كأنه أُرسل أيضا إلي محافظتي شمال وجنوبسيناء وكذلك محافظة أسوان، وتضمن البيان التحذيري أن هذه السيول سوف تسقط أمطارا غزيرة ورعدية تؤدي إلي حدوث السيول في مناطق سيناء والصعيد والبحر الأحمر وجنوب البلاد، وستكون أخف علي شمال الجمهورية بالقاهرة تحديدا والوجه البحري، مع ذلك لم يلتفت إليها أحد من مسئولي حكومتنا الذكية،ولم تتخذ الاستعدادات اللازمة لتفادي الخسائر، أو الاستفادة من كمية الأمطار التي نزلت وأدت إلي السيول ،وهي تكفي لري المناطق المزروعة في تلك الصحراء عشر سنوات علي أقل تقدير،وهنا يظهر تقصيرالأجهزة المحلية واضحا، ويجب محاسبة المحافظين في محافظات السيول عما حدث من إهمال تسبب في تلك الكارثة. مسئولية وزارة الري ** وزير الري أيضا مسئول عما حدث، فقد اكتفت وزارة الري بإبلاغ المحافظات قبل وقوع الكارثة ب 24 ساعة، رغم وجود دراسات ومعلومات في أدراج الوزارة تؤكد أن السدود والممرات الموجودة بالمحافظتين في حاجة لصيانة دورية، مثل سد رافع الذي يعتبر أكبر سد أمام مخرات السيول في مصر، وتركت الأمر في أيدي المجالس المحلية ،رغم تأكيد الارصاد الجوية بحدوث هذه السيول بنسبة 90% قبل ثلاثة أيام من الكارثة. والجدير بالذكر أن محافظتي سيناءوأسوان اللتين كانتا "مسرح الكارثة" هما أكثر المناطق الزراعية المصرية افتقارا للمياه، ويعتمد الري فيها علي مياه الأمطار والسيول منذ عقود، وبدلا من الاستفادة من "الخير الإلهي" حدث التدمير البشري، ومازالت خطط الري في هذه المحافظات قابعة في أدراج الوزارة، بجانب الدراسات والمعلومات التي حذرت من إمكانية وقوع الكارثة. ** والسؤال الأهم الآن: هل تقدير الخسائر وتعويض المتضررين هو وظيفة حكومتنا الرشيدة، وهو الواجب المكلف به كل "محافظ" أم أن وظيفة المسئولين الرئيسية، بمن فيهم الدكتور أحمد نظيف والوزراء هي "الحفاظ" علي أرواح وممتلكات المواطنين؟ ويرتبط بهذا السؤال أيضا سؤال مهم،وهو إلي متي سيظل مجلس الشعب المصري صامتا أمام أخطاء تلك الحكومة مدافعا عنها، متناسياً مشاكل وآلام المصريين وما يحل بهم من كوارث علي يد حكومة الحزب الوطني صاحب الأغلبية الصامتة عن حقوق المصريين ومصالحهم؟ وأيضا سؤال آخر إلي وسائل الإعلام الحكومية ألتي تهلل وتطبل لتلك التعويضات الهزيلة التي تدفعها الحكومة، وتترك أساس المشكلة، دون بحث أو تفسير ومساءلة؟