من أطرف التصريحات التي صدرت عن أحد المسئولين العرب في الفترة الأخيرة، ما ورد علي لسان السيد عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الجزائري، الممثل الشخصي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. قال بلخادم، محاولا شرح موقف بلاده من نزاع الصحراء الغربية، أن المسئولين المغاربة لا يعرفون ماذا يريدون من الجزائر، مضيفا: "أن الإخوة في المغرب يتفاوضون مع البوليساريو ممثل الصحراويين، ويقولون في الوقت نفسه إن الجزائر وراء عرقلة مساعي التسوية. أنهم لا يعرفون ما يريدون بالتحديد مع أن لوائح الأممالمتحدة واضحة، فهي تحدد طرفي الخصومة بوضوح، وهما المغرب وجبهة البوليساريو، ولكن كلما تكلم المغاربة في الموضوع، يشيرون إلي الجزائر". هل كلام بلخادم صادر عن شخص جدي يعرف شيئا عن الموضوع الذي يتحدث عنه، هو الذي كان إلي ما قبل فترة قصيرة وزيرا للخارجية في بلده، أم أنه يعتقد أن في استطاعته بيع الأوهام والتذاكي إلي أبعد حدود علي المواطن العربي، بما في ذلك المواطن الجزائري والمغربي؟ هل يستطيع بلخادم إقناع أفراد عائلته بما يقوله؟ هل هناك عاقل، أو شخص يتمتع بحد أدني من التعقل والفهم للقضايا العامة، لا يعرف أن لا وجود لشيء اسمه "بوليساريو" وأن تلك الجبهة مجرد اختراع جزائري لا يشكل سوي أداة لابتزاز المغرب؟ قليل من التواضع يبدو ضروريا. مثل هذا التواضع سيساعد السيد بلخادم علي كسب احترام رئيسه الذي يعرف أنه لن يستطيع أن يكون بومدين آخر. يتخيل يوتفليقة أنه قادر علي أن يكون بومدين آخر... علما بأن الرئيس الجزائري يعرف أكثر من غيره كمية الأخطاء التي ارتكبها هواري بومدين منذ توليه السلطة في العام 1965 وحتي وفاته في العام 1979 يعرف بوتفليقة تفاصيل التفاصيل عن بومدين، بما في ذلك ابتعاده عن الحلقة الضيقة التي كانت تحيط به لدي زواجه في سن متأخرة. لم يعد بوتفليقة بعد زواج بومدين صديق الرئيس ونديمه. صار مجرد وزير للخارجية لا أكثر ولا أقل. ما معني أن يكون بوتفليقة مجرد وزير للخارجية بعدما كان صديقا للرئيس؟ يعرف بوتفليقة اكثر ما يعرف أن بومدين كان قادراً علي تغطية اخطائه التي أوصلت الجزائر إلي أحداث العام 1988 بفضل عائدات النفط. لماذا يصر الرئيس الجزائري الحالي علي تكرار الأخطاء نفسها بما في ذلك التعاطي بكثير من العنجهية مع الوضع الإقليمي، خصوصا مع المغرب؟ ماذا إذا هبطت أسعار النفط بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو سنة؟ لماذا لا تفكر الجزائر في المستقبل وفي أن ما يضمن لها مستقبلها ومستقبل شعبها مشاريع تنمية حقيقية في الداخل ووفاق مع الدول المجاورة في مقدمها المغرب؟ لماذا تنسي الجزائر أن المتظاهرين في انتفاضة اكتوبر (تشرين الأول) 1988 هاجموا أول ما هاجموا مكاتب "بوليساريو" في جادة ديدوش مراد في العاصمة الجزائرية؟ كان المتظاهرون، ومعظمهم من الشبان، يريدون أن يقولوا للحكومة إن الشعب الجزائري احق بالأموال التي تصرف علي "بوليساريو" التي ليست سوي أداة لاستنزاف المغرب لا أكثر. لماذا تنسي الجزائر أن المغرب كان أول من مد يد المساعدة للجزائر وللشعب الجزائري لدي وقوع احداث 1988 . لو كان السيد بلخادم صادقا بالفعل مع رئيسه، لكان قال له إن المغرب يعرف تماما ماذا يريد من الجزائر. لكان قال له إن مشروع الحكم الذاتي الموسع في الصحراء هو المشروع الوحيد القابل للحياة وهو المشروع الوحيد الذي يصب في مصلحة المغرب والجزائر في الوقت نفسه. ولكان قال له إنه إذا كانت الجزائر حريصة كل هذا الحرص علي حقوق الصحراويين، المنتشرين في كل المناطق من موريتانيا إلي جنوب السودان مرورا بتشاد، لكانت أعطتهم دولة في جنوبالجزائر. يصعب تصديق أن شخصا مثل السيد بلخادم يستطيع قول الكلام الذي قاله، لو لم يكن همه إرضاء بوتفليقة. ولكن كيف يمكن لشخص مثل الرئيس الجزائري الحالي، مر بكل ما مرّ به من تجارب أن يبقي أسير شخصية هواري بومدين وطموحاته التي اخذت بالجزائر إلي الهاوية؟ لا يختلف عاقلان علي أن الصحراء الغربية مشكلة افتعلتها الجزائر وأن الهدف الوحيد للجزائر إيجاد دولة مصطنعة في تلك المنطقة تكون مجرد جرم يدور في فلكها ويؤمن لها ممرا إلي المحيط الأطلسي. أكثر من ذلك، لو كانت هناك مشكلة حقوق إنسان في الصحراء الغربية، كما تدعي "بوليساريو" هذه الأيام، لماذا لا يقيم زعيمها محمد عبدالعزيز في مخيمات تندوف التي ليست سوي وسيلة لإبقاء بعض الصحراويين رهينة لدي الجزائر وتحويلهم وقودا في حربها غير المباشرة علي المغرب؟ معروف جيدا أين يعيش عبدالعزيز، وهو نجل ضابط صف في الجيش المغربي. إنه لا يقيم الا في احياء فخمة في الجزائر أو خارج الجزائر، بدل أن يكون بين أبناء شعبه في تندوف الجزائرية، هذا إذا كان في الإمكان الحديث عن شعب صحراوي في منطقة محددة مثل الصحراء الغربية التي كانت دائما جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي. أو ليست موريتانيا دولة معظم سكانها من الصحراويين؟ وماذا عن أجزاء من مالي والنيجر وتشاد والجزائر نفسها والسودان؟ قليل من الحياء مفيد احيانا. المغرب يعرف تماما ماذا يريد من الجزائر والجزائر تعرف تماما ماذا تريد من المغرب. المغرب يرفض التخلي عن جزء من أرضه الوطنية كي تكون الجزائر القوة الإقليمية المهيمنة في المنطقة. والجزائر تعرف تماما أن المغرب دولة حقيقية ذات مؤسسات راسخة وأن "بوليساريو" أداة لشن حرب استنزاف عليها بأقل كمية من الدولارات. هذا ما لا يتجرأ السيد بلخادم علي قوله بصفته موظفا لدي بوتفليقة الذي جعل من نفسه أسيرا لعقدة اسمها هواري بومدين... أما الباقي فهو تفاصيل مهمة، إلي اشعار آخر، ما دامت الجزائر تمتلك احتياطات مالية بفضل ارتفاع اسعار النفط لا أكثر ولا أقلّ! هل من دولة تحترم نفسها تبني سياستها علي اسهار النفط بدل البحث في كيفية استخدام الثروة النفطية لإقامة بنية تحتية ومؤسسات تعليمية تضمن استمرار التنمية في المدي الطويل بدل الاستثمار في كل ما يشجع الإرهاب والتطرف الديني؟