شهد الأسبوع الماضي ثلاثة أحداث مهمة في اطار حملة الدبلوماسية العامة النشيطة التي أعادت اطلاقها ادارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، كان أولها قمة ريادة الأعمال في واشنطن التي شاركت فيها أكثر من 50 دولة اسلامية وكان لمصر فيها أكبر وفد ضم 16 شخصا من رجال الأعمال وأصحاب الأعمال الصغيرة وقيادات المجتمع المدني في مبادرة أمريكية ضخمة للشراكة مع العالم الاسلامي تكون فيها مصر المحطة الأولي التي ينطلق منها هذا المشروع الذي سيقدم قروضا ميسرة لأصحاب أفكار المشروعات المبتكرة أو المفيدة للمجتمع وتدريب ودعم المبتكرين ورجال الأعمال العصاميين. الحدث الثاني كان جولة اقليمية تمولها الخارجية الأمريكية لمغن أمريكي مسلم من أصل مصري هو كريم سلامة الذي نشأ في ولاية تكساس الجنوبية وهو حالة تستحق الملاحظة فهو علي قدر من التدين لكن تدينه لم يمنعه من تقديم أغاني الكانتري ميوزيك أو ما يعرف بأغاني الريف الأمريكي لتمتزج فيها خيوط الثقافة والدين والسياسة وحتي اللغة فتجتمع في جمهوره أطراف قد تبدو في الواقع أنها تعادي بعضها لكنها تجد في فنه أرضية مشتركة مع الآخر. أما الحدث الثالث فكان افتتاح الركن الأمريكي بالمكتبة المركزية في جامعة القاهرة في احتفال حضرته السفيرة الأمريكية مارجريت سكوبي، في خطوة كانت تعد مستحيلة قبل بضع سنوات وقت اشتعال جذوة الكراهية لكل ما هو أمريكي ابان حرب العراق، ومثل هذا الاحتفال ايذانا ببدء عهد جديد مع الشباب المصري الذي عاود التردد بأعداد كبيرة علي مكتبة السفارة والمشاركة في الندوات واللقاءات المختلفة التي تنظمها السفارة.. خاصة أن "النافذة الأمريكية" بجامعة القاهرة هي بداية لنوافذ أخري بجامعات أسيوط والمنيا ومرسي مطروح. كل هذه الجهود كانت محط بحث في مراكز الفكر الأمريكية المعبرة عن التيارات المختلفة مثل معهد بروكنجز ومؤسسة هيريتدج - أو التراث -المحافظة ومركز بلفر بجامعة هارفارد ومركز كارنيجي للسلام الدولي وغيرها الكثير مما فتحت فيها مناقشات عديدة حول مفهوم ريادة الأعمال والدبلوماسية العامة الأمريكية في سياق أوراق بحثية أو ندوات وحلقات نقاشية بدأت منذ نحو أسبوعين وتستمر حتي أواخر الشهر القادم كما هو موضح ببرامجها القادمة المنشورة علي المواقع الاليكترونية للمراكز البحثية. كان اللافت في المناقشات التي أجراها أكبر مراكز الفكر الأمريكية هو الاعتراف الصريح بأهمية دور القطاع الخاص في جهود الدبلوماسية العامة والذي يعد دوره أهم من دور الحكومة والقياس علي النجاحات التاريخية للعمل الأهلي في الدبلوماسية العامة حتي أن الدكتور مايكل والر أستاذ الاتصالات الدولية بمعهد السياسة الدولي اعتبر أن الحكومة الأمريكية متأخرة عن القطاع الخاص بنحو 10 سنوات علي الأقل في قضايا الدبلوماسية العامة. من المبادرات الخاصة مشروع "سوليا" للحوار بين الطلاب العرب والأمريكيين وشركة "ليالينا" للانتاج التي أنشئت عام 2002 وتعمل علي انتاج برامج باللغتين العريية والانجليزية تعرض علي القنوات التليفزيونية وتستهدف اقامة جسور بين العرب والأمريكيين وموقع "أرضي مشترك" أو Common Ground الاليكتروني لتشجيع التفاهم المشترك واعطاء الأمل والفرص للحوار من خلال مقالات يكتبها شباب وخبراء من الشرق والغرب ويعاد نشرها في صحف عديدة حول العالم. واتساقا مع هذا النهج، دشنت أمريكا مبادرتها الجديدة للشراكة مع العالم الاسلامي في مجال ريادة الأعمال أو Entrepreneurship الذي لا تزال ثقافته غير منتشرة في عالمنا العربي بالقدر الكافي وفي حاجة لتعريف دقيق وبالتالي فلا تزال الوظائف الحكومية تستهوي الكثيرين حتي وان كانوا مشاركين بالفعل في مشروعات خاصة. يكتسب مفهوم ريادة الأعمال أهميته من واقع يقول أن 25% تقريبا من الشباب في الشرق الأوسط والذين تتراوح أعمارهم بين (15-24) عاما هم عاطلون عن العمل أي أن هناك أكثر من 10 ملايين شاب يعانون من مشاعر الاحباط في سوق العمل.. هذا بالطبع بخلاف الملايين الآخرين غير الراضين عن عملهم الحالي. هذه البيانات تم رصدها في ورقة صادرة مؤخرا عن مركز ولفنسون للتنمية بمعهد بروكنجز لأربعة من رواد الأعمال من بينهم ايهاب عبدو مؤسس جمعية "نهضة المحروسة"، أوصوا في النهاية بانشاء منتدي استثماري اجتماعي اقليمي يكون هدفه جمع مبادرات الشباب ودراستها تمهيدا لتمويل الجيد منها بعد أن لوحظ أن جميع الهيئات الممولة للمشروعات الصغيرة والمبتكرة في الشرق الأوسط تقع في الدول الغربية ولا يوجد منبر اقليمي واحد يهتم بها بالشكل المطلوب. أهمية هذا المنتدي أو الصندوق كما تقول الورقة هي أن المنظمات الأجنبية الممولة غالبا ما تتطلب اجادة للغة الانجليزية تبدو من خلال طلبات التقديم علي التمويل وبالتالي فالدعم لا يصل لمستحقيه المحليين الصغار ممن لا يعرفون الانجليزية وهم نسبة كبيرة في فئة رواد الأعمال داخل المجتمعات العربية، اضافة إلي أن هذا يعمق الشعور بأن مفهوم هذه المشروعات نفسه هو مفهوم غربي في الأساس مستورد من الخارج نظرا لأنه يصل فقط إلي الحاصلين علي قدر جيد من التعليم اذ يحمل معظمهم شهادات جامعية ممن حصلوا علي دورات تدريبية لصقل مهاراتهم كما أكمل خمسهم دراسات عليا وحصل بعضهم علي درجة الدكتوراة، كما أن أكثر من ثلث هؤلاء درس أو عاش فترة من حياته في الخارج حيث احتك بخبرات غربية في مجال ريادة الأعمال ومن ثم شكل هذا عاملا مهما في نجاحه. ولهذا بدأت مؤسسة جولدمان ساكس في تمويل مشروعات مبتكرة في مصر عبر الجامعة الأمريكية خاصة بين النساء القاطنات في المحافظات المصرية المختلفة.. الا أن الجامعة قوبلت بعقبة كبيرة في الوصول لرائدات الأعمال المحليات لعدم وجود أي قناة للاتصال. وبحسب البيانات المتوفرة فان هناك 78 رائد عمل وصاحب مشروع صغير مبتكر في المنطقة، منهم 43 في مصر وحدها التي صنفتها الدراسة كأكبر دولة في المنطقة من حيث رواد الأعمال نظرا لعدد سكانها الكبير، تليها غزة والضفة ب12 شخصا ثم الأردن ب8 ولبنان ب6 وأخيرا المغرب ب4 أشخاص. وذكرت الدراسة أن مشروعات رواد الأعمال تقع في جميع المجالات وان غلبت عليها قضايا التعليم وتنمية المهارات والصحة والتنمية المجتمعية.. من أجل النهوض بمفهوم ريادة الأعمال في المجتمع المصري حتي تتحول الحرف لصناعة، يجب توفير تدريب جيد ومدارس جيدة للنهوض بالمجتمع. وحسب الدراسة، فان هذا التدريب يجب أن يحتوي علي ستة مكونات تشمل تعريف المهمة أو الهدف والاحتياجات الاجتماعية وتحديد مصادر التمويل وتقييم النتائج وإدراك الفرص المتاحة وانشاء نموذج للتجارة المستدامة وتشجيع الابتكار وأخيرا قياس التأثير النهائي.