في اسرائيل متطرفون ليست لديهم حسابات مبنية علي التعايش مستقبلا مع الفلسطينيين ، في مقدمة هؤلاء جماعات المستوطنين الذين يشبههم بعض المراقبين بالقطعان التي لا عقل لها وليس لها هم الا الاستيلاء علي أراضي الفلسطينيين ومساكنهم ، هناك أيضا من يري أنه لا غني لتل أبيب عن واشنطن . المزعج للرأي العام الاسرائيلي أن خلافات نشبت علي مدي سنوات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة لكنها عولجت بطريقة سرية ولم يتم التعبير عنها علنا، لكن الرئيس أوباما أخذ بتوجه جديد ، فقد دعا إسرائيل علنا إلي وقف البناء في المستوطنات، واستمر في معالجة الخلاف حول الموضوع بصورة علنية . الخلاف ليس حول المستوطنات القائمة بالفعل والتي تنتظر تقرير مصيرها عن طريق المفاوضات بين الجانبين كما هو متصور ، لكن الخلاف حول التوسع في المستوطنات الحالية وإقامة أخري جديدة ، المنطق الطبيعي يقضي بالتوقف عن التوسع والبناء في الأرض المحتلة اذا كانت هناك نية للتسوية ، نفس المنطق يقول لكل ذي عقل راجح أو نصف راجح أن التسوية تعني انهاء الاحتلال وعودة اسرائيل بكل متعلقاتها الي داخل حدود ماقبل 5 يونيه 1967 بما في ذلك القدسالشرقية . اذا كانت اسرائيل تصر علي الاستمرار في التوسع أثناء التفاوض فمعني ذلك أنها لا تنوي الانسحاب وانهاء الاحتلال، وأنها تضيع الوقت وتضحك علي الفلسطينيين الذين قبلوا بالمفاوضات طريقا للتسوية وانهاء الاحتلال ، وتسخر من المجتمع الدولي الذي أدان الاحتلال والتوسع والممارسات الاسرائيلية المنافية للانسانية ضد الشعب الفلسطيني . من هنا يمكن تصور صعوبة الموقف الذي نتج عن اصرار أوباما علي التعامل علانية مع مماطلة اسرائيل ، فالولاياتالمتحدة لن تستطيع الي مالا نهاية أن تتحمل نتائج السياسة الاسرائيلية أمام المجتمع الدولي ، الأمر الذي يهدد مصالح استراتيجية في منتهي الاهمية بالنسبة للولايات المتحدة ، باختصار لم يعد ممكنا الاستمرار في وضع اسرائيل ونزواتها في كفة ، ووضع مصالح الولاياتالمتحدة حول العالم في كفة أخري . لهذا تصر الولاياتالمتحدة علي استمرار المحاولة تلو الأخري لاقناع الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني بالجلوس مرة أخري للتفاوض لعلها تتحررمن الورطة التي تواجهها بالتوصل الي تفاهم يؤدي الي قيام الدولة الفلسطينية ، من ناحية ، ويوفر لاسرائيل غطاء شرعيا من داخل المنطقة يسمح لأصدقاء واشنطن من الدول العربية بالتحرك بحرية لدعم سياسات الولاياتالمتحدة . في هذا السياق تأتي جولة ميتشل الشرق اوسطية الأخيرة في محاولة لاعطاء دفعة لعملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين ، لكن نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي استقبلها برفض الدعوة الامريكية لوقف البناء في القدسالشرقيةالمحتلة. قال في تصريح يتسم بالعصبية : "اقول شيئا واحدا، لن يكون هناك تجميد للبناء في القدس، ولا يجب ان تكون هناك شروط مسبقة للتفاوض". كما قال في مقابلة مع القناة الثانية الإسرائيلية عشية وصول المبعوث الأمريكي :"سياستنا في القدس لن تتغير، إنها ليست سياستي فقط، إنها سياسة كل أسلافي منذ 1967. لن يكون هناك تجميد للبناء في القدس. لماذا اضطر للاستسلام فيما يخص القدس؟" هذه التصريحات تعكس مدي الضغط الذي يتعرض له نتنياهو من العناصر المتطرفة في حكومته وخاصة حينما استعمل تعبير: لماذا اضطر للاستسلام فيما يخص القدس؟" معني ذلك أن المعروض عليه هو التخلي عن سياسة التوسع في القدس مضطرا مما يعتبر استسلاما من وجهة نظر أنصاره . كما ينبه الي غياب الانسحاب وانهاء الاحتلال من الخلفية السياسية لرئيس الوزراء التي يدعمها المتطرفون والمستوطنون . لماذا اذن أتي ميتشل مجددا الي المنطقة ، وهل هو مبعوث مهمته تحقيق الفشل ؟ في واشنطن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن قرار إرسال ميتشل إلي المنطقة اتخذ في وقت متأخر من يوم الأربعاء الماضي عقب جولة محادثات بين مسئولين أميركيين كبار ونظراء لهم من الإسرائيليين والفلسطينيين. أضاف المتحدث قائلا : " نحن لا نجتمع لمجرد الاجتماع ، نحن نذهب إلي هناك لأن لدينا بعض المؤشرات علي أن الجانبين مستعدان للمشاركة بشكل جدي في هذه الأمور". كانت تقارير صحفية نقلت عن مصادر سياسية امريكية ان الولاياتالمتحدة اقترحت قائمة مكونة من 11 خطوة لبناء الثقة بهدف دفع عملية السلام من بينها تجميد الاستيطان ، الا ان مصادر أخري افادت بأن نتنياهو تقدم بعرض بديل يتضمن تخفيف الحصار المفروض علي قطاع غزة واطلاق سراح معتقلين ووقف الاستيطان في مستوطنة رمات شلومو لمدة عامين فقط . جاءت هذه الانباء بعد يوم واحد من مقال في صحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية كتبه السفير الأمريكي السابق الي اسرائيل مارتن انديك ، المقرب جدا من ميتشل ، قال فيه ان علي رئيس الحكومة الاسرائيلية الاختيار بين الرئيس الامريكي باراك اوباما وبين حلفائه من اليمين المتطرف داخل ائتلافه الحكومي .