هدوء حذر.. سعر الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة وعيار 21 الآن يسجل هذا الرقم    البيت الأبيض: بايدن سيستخدم الفيتو ضد مشروع قانون يلزمه بإرسال الأسلحة لإسرائيل    بوتين: العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والصين تتطور بسرعة    سلمان رشدي: محاكمة ترامب في قضية منح أموال لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية قد تفضي لسجنه    بعد توقف مولدات الكهرباء.. خروج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة    "ديانج خارج الأهلي".. شرط وحيد لرحيل بيرسي تاو هذا الصيف عن القلعة الحمراء    بسام وليد: أتمنى استمرار أحمد عيد عبد الملك في قيادة غزل المحلة    أبو مسلم عن مواجهة الترجي: الأهلي متمرس في الفوز بالنهائيات والجميع يهابه    عاجل - الثانوية العامة 2024 "اعرف جدول امتحاناتك"    ميريل ستريب تحصل على السعفة الذهبية الفخرية في نسخة مهرجان كان لعام 2024    على خطى زاهي حواس، وسيم السيسي: التاريخ لم يثبت أن الله كلم موسى فوق جبل الطور    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    تقسيم الأضحية حسب الشرع.. وسنن الذبح    الإعلان عن أول سيارة كهربائية MG في مصر خلال ساعات    اليوم، الحكم على المتهم بدهس طبيبة التجمع    امرأة ترفع دعوى قضائية ضد شركة أسترازينيكا: اللقاح جعلها مشلولة    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15 مايو في محافظات مصر    بسبب الخلاف على إصلاح دراجة نارية .. خباز ينهي حياة عامل دليفري في الشرقية    «تنمية وتأهيل دور المرأة في تنمية المجتمع».. ندوة لحزب مستقبل وطن بقنا    "دوري مصري ومنافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    أمير عيد يكشف موعد ألبومه المُقبل: «مش حاطط خطة» (فيديو)    أحمد حاتم بعد انفصاله عن زوجته: كنت ظالم ونسخة مش حلوة مني (فيديو)    سمسم شهاب يترك وصيته ل شقيقه في حال وفاته    المالية تزف بشرى سارة للعاملين بالدولة بشأن مرتبات شهر يونيو    عضو بملجس محافظي المركزي الأوروبي يرجح بدء خفض الفائدة في اجتماع الشهر المقبل    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    3 قرارات عاجلة من النيابة بشأن واقعة "فتاة التجمع"    الهاني سليمان: تصريحات حسام حسن تم تحريفها.. والتوأم لا يعرف المجاملات    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    الأزهر يعلق على رفع مستوطنين العلم الصهيوني في ساحات المسجد الأقصى    مصطفى الفقي: معادلة الحرب الإسرائيلية على غزة تغيرت لهذا السبب    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 15-5: نجاحات لهؤلاء الأبراج.. وتحذير لهذا البرج    نشرة أخبار التوك شو| تصريحات هامة لوزير النقل.. وترقب لتحريك أسعار الدواء    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأربعاء (تفاصيل)    وزير الرياضة: نمتلك 5 آلاف مركز شباب و1200ناد في مصر    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا ممن تفاءل بخيرك فأكرمته ولجأ إليك فأعطيته    كاف يهدد الأهلي والزمالك بغرامة نصف مليون دولار قبل نهائي أفريقيا | عاجل    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    أثناء عمله.. مصرع عامل صعقًا بالكهرباء في سوهاج    بدأت باتهام بالتأخُر وانتهت بنفي من الطرف الآخر.. قصة أزمة شيرين عبدالوهاب وشركة إنتاج    وزير الشئون الثقافية التونسي يتابع الاستعدادات الخاصة بالدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي    مواعيد الخطوط الثلاثة لمترو الأنفاق قبل ساعات من بدء التشغيل التجريبي للمحطات الجديدة    اليوم.. التضامن تبدأ صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو    إبراهيم عيسى: من يقارنون "طوفان الأقصى" بنصر حرب أكتوبر "مخابيل"    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    أسهل طريقة لعمل وصفة اللحمة الباردة مع الصوص البني    بعيدًا عن البرد والإنفلونزا.. سبب العطس وسيلان الأنف    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    تعليق يوسف الحسيني على إسقاط طفل فلسطيني لطائرة مسيرة بحجر    نقيب الأطباء: مشروع قانون المنشآت الصحية بشأن عقود الالتزام تحتاج مزيدا من الضمانات    هل سيتم تحريك سعر الدواء؟.. الشعبة توضح    وزير الصحة يزور مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي.. ويشيد بالدمج بين الخدمات الطبية واستخدام التكنولوجيا المتطورة    وزارة الهجرة تشارك احتفال كاتدرائية العذراء سيدة فاتيما بمناسبة الذكرى 70 لتكريسها    محافظ المنوفية يبحث مع رئيس الجامعة تعزيز أطر التعاون لدعم خطط التنمية المستدامة بالقطاعات الخدمية والتنموية    وزير الأوقاف: نسعى لاستعادة خطابنا الديني ممن يحاول اختطافه    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستوطنو الضفة الغربية: (من يقف فى طريقنا سواء كان فرعون أو أوباما سيعاقبه الله)
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 10 - 2009

أغلبهم مسلح، وأغلبهم لا يؤمن بأن هناك شيئا اسمه الدولة الفلسطينية وأغلبهم مقتنع بأن الخالق أعطاهم الأرض، وهم مستعدون لفعل أى شىء للاحتفاظ بهذه الارض، هؤلاء هم بعض قاطنى المستعمرات الإسرائيلية غير الشرعية الذين يبنون منازل على أنقاض قرى فلسطينية فى الضفة الغربية. إيثان برونر وإزابيل كرشنير يرويان أحد فصول قصة الاستيطان فى الضفة الغربية.
من بين مئات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين فى الضفة الغربية يعد هؤلاء الذين يسكنون بصورة غير قانونية أعلى التلال مثل هذه المستعمرة، هم الأكثر خطورة.
لديهم إيمان راسخ بأن هناك قدرا إلهيا يأمرهم بأن يستولوا على هذه الأرض، أغلبهم مسلح، وغاضب من الانسحاب اليهودى من غزة فى 2005، من أربع مستوطنات فى الضفة الغربية، ويعيش هؤلاء تحت شعار «لن ننسى ولن نغفر». وسيكون من المطلوب إجلاؤهم فى حال إقامة الدولة الفلسطينية، فيما يخشى الإسرائيليون أن يتسبب إجبارهم على ترك هذه المستعمرات فى صدامات داخلية دموية.
لكن عشرات المقابلات على مدى عدة أشهر، بما فيها مقابلات أجريت مع هؤلاء المسلحين، تشير إلى نتائج لا تتفق بالضرورة مع هذه الصورة، فهؤلاء (المستعمرون) المقسمون وبلا قيادة سيقاومون قطعا إجبارهم على إخلاء المستوطنات، لكن لن يمكن لهم أن يتسببوا فى صراع مسلح منظم مع الجيش الإسرائيلى، ذلك رغم أنهم يؤمنون بأنه من الممكن تفسير التاريخ على أنه سلسلة من المواجهات بين اليهود وبين الذين يسعون لإبادتهم، وإيمانهم بنصرهم النهائى يدفعهم إلى التصدى.
تقول أيلت سانداك وهى مستوطنة أجبرت على ترك المستعمرة التى كانت تقيم فيها فى قطاع غزة، وجاءت للضفة للمساهمة فى بناء هذه المستوطنة غير القانونية، «نحن أخلاقيون، لكننا لسنا مجانين، فعبر بنائنا هذه النقطة نبعد الجيش عن المستوطنات الرئيسية، فنحن متأكدون، إذا كنا أقوياء فلن نُجبر على المغادرة».
وكجزء من «التزامها» بحل الدولتين وعدت إسرائيل بإزالة 20 موقعا مثل هذا الذى تسكنه سانداك خلال الأشهر المقبلة، والآن يعود مبعوث إدارة الرئيس باراك أوباما للشرق الأوسط السيناتور السابق جورج ميتشيل إلى المنطقة محاولا عقد اجتماع لمحادثات سلام جديدة.
وحتى الآن يخشى المسئولون من أن التحرك ضد هذه البؤر الاستيطانية من الممكن أن يقسم المجتمع إلى قسمين.
ويقول إيتاى زار مؤسس هافات جيلد، وهى بؤرة استيطانية، إن بعض قادة المستوطنين أعلنوا مواقفهم بنبرة حادة حيث قالوا «عليهم أن يقتلونا قبل أن نخرج من هنا».
وكذلك يقول بوز هاتزانى الذى يقيم فى مستوطنة كريات أراب، بالقرب من مدينة الخليل، وهو جزء من حركة تهدف إلى إعادة المستوطنين إلى المستوطنات المدمرة، «لم يعد المستوطنون ينظرون إلى الدولة أو جيشها بقداسة».
الإرهاب اليهودى ليس جديدا، حيث اغتال طالب متدين رئيس الوزراء إسحاق رابين فى 1995، كما قتل باروخ جولدشتاين 29 مسلما أثناء صلاتهم فى الحرم الإبراهيمى فى مدينة الخليل فى 1994.
يقول إسحاق فاهنتيش الذى رأس القسم اليهودى فى جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى شين بيت، اعتمادا على التاريخ القريب وأهداف المتطرفين «لا أستطيع استبعاد أنه سيكون هناك عنف، ولا أستطيع أن أقول إن رئيس الوزراء لن يُستهدف أو أن المساجد لن تُهاجم.. إنهم يريدون أن يوقفوا أى عملية سلام».
لكن المقابلات التى جرت مع المستوطنين تشير إلى أن التهديد بالعنف هو مجرد استراتيجية سياسية، لأن الأغلبية العظمى تقول إن معركتهم ستنتهى بمجرد وصول البلدوزرات (المكلفة بإزالة تلك البؤر الاستيطانية).
ويشير ديفيد هايفرى المتحدث باسم مستوطنو شمال الضفة الغربية إلى أننا لن نسمح لأنفسنا بالانتظار حتى يأتى الجنود إلى أبواب بيوتنا، علينا أن نحضر استراتيجية مناورة تستبق تلك اللحظة.
هذا يعنى أن هذه الاستراتيجية ستكون على الأغلب استراتيجية سياسية، وإذا جاء الجنود فلن يقاتل المستوطنون.
ويقول شاءول جولدشتاين، الذى يرأس المجلس الإقليمى لمجمع مستوطنات جوش إيتسيون، والذى يعد من بين المستوطنين غير المتطرفين، أن «الناس لن تترك منازلهم سلميا، لكنهم لن يطلقوا النار على الجنود».
ويتفق قائد عسكرى إسرائيلى رفيع، مع هذا الرأى. ويوضح هذا القائد أن جيش الاحتلال مستعد لأوامر الحكومة بإزالة العشرين بؤرة استيطانية، وأنه مستعد لكل شىء بما فى ذلك إمكانية رفض بعض الجنود المتدينين المشاركة فى العملية، وكذلك إمكانية استخدام السلاح من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين والقوات الأمنية.
ويضيف هذا القائد، الذى رفض الكشف عن هويته، «لا أعتقد أنه ستكون هناك مقاومة كبيرة، ففى العمق المستوطنون يحبون إسرائيل وجيشها».
هذا الإصرار من قبل المستوطنين على البقاء فى تلك البؤر يبدو مدهشا، خاصة عقب إجلاء الجيش لثمانية آلاف مستوطن من غزة، قبل أربع سنوات، وهى العملية التى جرحت قلوب المستوطنين، لكن هناك عدة أسباب لأخذ ما يقولونه المستوطنون بجدية.
إن عملية غزة قسمت المستوطنين بين من يقبل الإخلاء ومن يرفضه، كما أن هذه العملية شوهت صورة القادة التقليديين فى أعين الأجيال الجديدة.
فى الوقت نفسه يؤمن العديد من المستوطنين بأنهم ورثة روح الصهيونية، وأن أى تشجيع على الاقتتال الداخلى من شأنه أن يعطى نتائج عكسية.
من ناحية أخرى فإن توجهات العديد من أكثر المستوطنين تطرفا لا تستهدف بالضرورة الدخول فى صراع واسع مع الجيش الإسرائيلى.
ويميل المستوطنون للاعتقاد بأنهم ورثة الأخلاقيات الأساسية (لدولة إسرائيل)، كما أنهم ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم الورثة الشرعيين للجنود المزارعين فى الكيبوتزات الذين أسسوا (إسرائيل)، بينما أصبح أحفاد مؤسسى إسرائيل يعيشون فى ظل المادية والفردية.
ويروج أيفى ايتان، الوزير السابق والسياسى اليمينى والمستوطن فى مرتفعات الجولان، لوجهة النظر هذه، حيث يقول إن الإسرائيليين المتدينين والمحافظين باختلاطهم بالتقاليد والأعراف الحديثة هم من سيقودون الدولة. ولهذا سيفعل المستوطنون كل شىء فى وسعهم لإبقاء هذه المستوطنات ولكن ذلك، حسب ايتان نفسه، لن يشمل أن يقدم المستوطنون على تلويث أنفسهم بدماء إخوانهم.
وبعيدا عن صراعهم مع الفلسطينيين، يتبنى المستوطنون صورة المواطنين المخلصين (لإسرائيل) الذين اختاروا الحياة المتواضعة البعيدة عن الراحة، كما أنهم يتبنون صورة المواطنين الذين يكرسون أنفسهم لأطفالهم وللمجتمع. والعديد من هؤلاء المستوطنين هم مهنيون يعملون بالطب والمحاماة والتدريس.
أما فيما يتعلق بصراعهم مع جيرانهم الفلسطينيين، خاصة مع أهالى منطقة نابلس فى الشمال والخليل فى الجنوب، فهذه الصراعات غالبا ما تكون دموية وعنيفة.
وتقع العديد من هذه المستوطنات بين مساكن المزارعين الفلسطينيين وغالبا ما يقوم المستوطنون بقطع طريق المزارعين الفلسطينيين، بل إنهم فى أحيان يقومون بالاستيلاء على مزارع الفلسطينيين باعتبارها أماكن «مهجورة»، وفى ذلك يستخدم المستوطنون أسلحتهم لدفع المزارعين الفلسطينيين بعيدا عن مزارعهم.
عمل جهاز شين بيت على تخفيض عدد تلك الهجمات، والعنف. لكن تطبيق القانون مازال متساهلا مع المستوطنين.
ويدعى المستوطنون أن العديد من البؤر الاستيطانية أقيمت باعتبارها «ردا صهيونيا» على هجمات استهدفت إسرائيليين.
تأسست (مستوطنة) هافت جيلاد عقب مقتل جيلاد شقيق زار على يد مسلح فلسطينى فى 2001، وأشار زار أن البؤرة الاستيطانية أنشأت على أرض اشتراها والده موشى زار، السمسار المعروف فى بيع وشراء أراضى الضفة الغربية، والذى يعتقد أنه شخصيا ينتمى إلى جماعة يهودية سرية قتلت وشوهت جثث عدد من الفلسطينيين فى الثمانينيات.
فى نفس الوقت، هناك عدد متزايد من المستوطنين الأيديولوجيين من جيل الشباب الذين لا يهتمون بكونهم يتسببون فى خلق صراع. ويرى هؤلاء أن أهدافهم (المتعلقة بالحصول على الأراضى الفلسطينية) هى أساسية لصيرورة تاريخ البشرية.
ولحى هؤلاء وضفائرهم الجانبية أطول من لحى وضفائر أجيال سابقة من المستوطنين من الشباب. ويحرص هؤلاء على ألا يتخلوا طوال اليوم عن الشال الذى كانت أجيال سابقة من المستوطنين تستخدمه فقط للصلاة.
ويتبع هؤلاء النصوص اليهودية القديمة وتصريحات الحاخامات كمصدر أساسى للإرشادات التى يقرورن على أساسها سلوكهم ومعتقداتهم.
ويقول زار إن جيله من المستوطنين الشباب بدأ يعيش عقب انسحاب 2005، تحت شعار «الله هو الملك»، أى الحكم لله.
ويركز مثل هذا النوع من المستوطنين اهتمامه على الحصول على الأراضى فى المواقع المقدسة لدى اليهود، مثل قبر جوزيف وهو صخرة صغيرة فى قلب مدينة نابلس الفلسطينية، أو شيشم القديمة التى يعتقد العديد من اليهود أنها المدفن الأخير لابن يعقوب.
ويقوم هؤلاء المستوطنون بجولات شهرية فى كل الأماكن المقدسة وهم يستقلون حافلات تحت حراسة مشددة، فى منتصف الليل، فيما يمثل لهم متعة لا تضاهيها متعة.
ولا يفارق هؤلاء المستوطنون التوراة التى تظهر دائما بين أيديهم وهم يقرأونها.
ويقوم الحاخام إليشام كوهين ومجموعة من تلاميذه كل يوم تقريبا بزيارة هوميش، وهى مستوطنة مدمرة شمال الضفة الغربية، للصلاة فيها وقراءة التوراة. ومنذ أن أجبر سكان هوميش على مغادرتها قبل أربع سنوات، يقود كوهين ومن معه سياراتهم عبر الحقول للوصول إليها تفاديا نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية.
واليوم فإن مستعمرة هوميش أصبحت مجردة من كل ما كان بها من منازل وبرك للسباحة، وشوارع مضاءة. المستعمرة التى تم إخلاؤها أصبحت مغطاة بأعشاب عشوائية وخرسانة مفتتة. لكن ذلك لم يحل دون التزام كوهين ومن معه من الاستمرار فى زيارة هذه المستعمرة السابقة أو من الاعتقاد بأن تمسكها بأن هذه الزيارات ستغير يوما واقعها الحالى.
وقال رجل كان يستعد للدخول خلسة إلى هوميش لقضاء ليلته هناك، «لن نترك هوميش خالية»، مضيفا أن «خالق الكون أعطانا هذه الأرض، هذا مذكور فى الوصايا، أن نسكنها ونعمرها، ومن يقف فى طريقنا سواء كان فرعون أو أوباما سيعاقبه الله».
هناك 300 ألف مستوطن فى الضفة الغربية (إضافة إلى 200 ألف آخرين فى القدس الشرقية)، وهؤلاء لا يمثلون وحدة مترابطة. وثلث هؤلاء لا ينتمى إلى أفكار سياسية أو اجتماعية محددة شأنهم فى ذلك شأن أغلب الإسرائيليين. وجاء هؤلاء المستوطنون إلى الضفة الغربية بسبب نمط المساكن الكبيرة بها والذى يجعل من المستوطنات نوعا من الضواحى الواسعة.
وهناك ثلثا من هؤلاء المستوطنين الذين يمكن تصنيفهم على أنهم من الأصوليين والذين لا يعتبرون أنفسهم صهيونيين، بل يريدون السكن فى بيئة خاصة فى أى مكان من إسرائيل.
أما الثلث الأخير فهم المستطنون الأيديولوجيون، وأغلب هؤلاء من المتدينين، وهؤلاء يلتزمون بالبقاء، وأغلبهم لا يؤمن بأن هناك شيئا اسمه الدولة الفلسطينية، وإذا رغب العالم فى إقامة دولة فلسطينية فيجب أن تكون فى الأردن، فالضفة الغربية التى يطلقون عليها اسم توراتى «يهودا والسامرة» هى قلب الوطن اليهودى.
كما يؤمن هؤلاء الأيديولوجيون أن العرب سيفعلون ما يستطيعون لتدمير إسرائيل، لذا فإن بقاءهم المستوطنون فى الضفة الغربية لا يمثل لهم فقط مسألة عقائدية، بل هى أيضا مسألة أمنية.
وبينما يعتبر الأصوليون أن الحياة مقدمة على غيرها، فإن الأيديولوجيين من المستوطنين يرون أن التمسك بما يعتبرونه أرض إسرائيل هو جوهر الحياة ذاتها، وأن الخلاص اليهودى سيكون عبر التضحية فى سبيل هذه الأرض.
ويعيش نصف هؤلاء فى مجمعات استيطانية قريبة من إسرائيل، ويمكن أن تبقى ضمن السيطرة الإسرائيلية فى أى مقايضة مع الفلسطينيين، ولا يعيش فى عمق الضفة الغربية سوى 50 ألف من هؤلاء الأيديولوجيين.
ويبدو مما يقوله هؤلاء أن لا مجال لديهم للمساومة، فواحدة من مبادئ منظمة ميشميرت يشا الخمسة، (التى ينتمى إليها العديد من المستوطنين الأيديولوجيين)، أن «كل حفنة تراب أو حجر فى أرض إسرائيل هو مقدس بالنسبة للشعب الإسرائيلى، وليس مسموحا لأى سلطة أن تتنازل عن أى جزء منها».
كما أنهم يعتقدون أيضا أن الاستقلال الإسرائيلى لن يتحقق إلا عبر إحضار اليهود للأرض، «والقضاء على أى عناصر معادية فى الأرض».
دربت ميشميرت ياشا التى وقفت «لحراسة اليهود فى يهودا والسامرة وغزة»، فرق مسلحة فى المستوطنات، لقتال الفلسطينيين الغزاة، وزرعت أشجار الزيتون حول الضفة الغربية للادعاء بها لصالح إسرائيل وإبعادها عن الفلسطينيين.
وتوجه ميشميرت ياشا الوظائف لصالح اليهود، وترفض الاعتراف بأى شرعية للفلسطينيين.
ويقول إسرائيل دايزنجر الذى يدير منظمة متطرفة ترفض كلمة «فلسطينيين» إن «على العرب أن يفهموا أنه لا يمكنهم البقاء هنا» مضيفا أنه من غير الممكن إيجاد حل وسط.
كان دايزنجر يتكلم مثل عشرة رجال فى العشرينات من أعمارهم كانوا يتدربون على بنادق إم 16 الآلية فى مستوطنة يتزهار. أغلب هؤلاء الرجال خدم فى الجيش، وجميعهم من المتدينين، وجميعهم يرفضون أى شرعية لفكرة إجلائهم لإقامة دولة فلسطينية.
ويقول هؤلاء إن قوات الأمن الفلسطينية التى تتدرب بأموال أمريكية وتنتشر فى أنحاء الضفة الغربية، سيأتى يوم توجه فيه نيران أسلحتها إلى المستوطنين، الذين عليهم الدفاع عن أنفسهم.
بعض هؤلاء المستوطنين حذر بأن هناك «ثمنا» لإجلائهم عن مستعمراتهم، بمعنى أنه إذا قامت قوات الأمن الإسرائيلية بالتحرك ضد البؤر الاستيطانية سينتزع المستوطنون ثمن خروجهم من الفلسطينيين عبر حرق مزارعهم وبساتينهم أو بإغلاق الطرق عليهم.
وحسبما ما يقوله هؤلاء المستوطنون فإنه لن يحيدوا عن مواجهة الفلسطينيين لمواجهة قوات الأمن الإسرائيلية. وبحسب دايزنجر فإن هذا لن يحدث أبدا. لكن دايزنجر يضيف أنه نادرا ما شعر بالخيانة مثل ذلك اليوم من 2005 عندما بعثت الدولة بالآلاف من جنودها لمستوطنة جوش قطيف، المستوطنة الرئيسية فى غزة، لإجلاء اليهود. ويقول دايزنجر إنه يعمل مع آخرين للتأكد من عدم تكرار ذلك المشهد فى الضفة الغربية.
أوامر الجيش بإجلاء ثمانية آلاف مستوطن فى غزة موضوعة اليوم فى متحف جوش قطيف فى القدس، وكان آخر موعد للمغادرة هو 14 أغسطس من ذلك العام وهو ما تزامن مع التاسع من شهر أيف فى التقويم العبرى، وهو يوم صوم ارتبط بسلسلة من النكبات فى التاريخ اليهودى.
أطلق المستوطنون على الانسحاب «الطرد»، ويضم المتحف الجديد الذى يزوره العشرات يوميا مفاتيح من النازل المدمرة، وقصائد حداد، وزجاجات فى رمال من شواطئ غزة. وموضوع المتحف هو تكرار واعٍ لموضوع ما بعد الهولوكوست، الذى يجعل بلدا بكامله يعيش تحت شعار «هذا لن يتكرر أبدأ».
وحقيقة الأمر أن أغلب الإسرائيليين ينظرون لإجلاء المستوطنين عن المستعمرات فى غزة على أنه كان كارثة، حيث مهد لاستيلاء حماس على غزة، وزيادة الصواريخ (القسام).
يقول دعاة المستوطنين السابقين إن واحدا من أصل عشرة هم من حصلوا على سكن دائم، حيث مازال ثلاثة آلاف من المستوطنين الذين تم إجلاؤهم يقيمون فى منازل متحركة مكتظة، فى منطقة مقفرة فى شمال غزة، وهو ما يجعل من الحديث عن إجلاء واسع وجديد فى الضفة الغربية ضربا من الخيال، حيث سيعزز إطلاق الصواريخ ويبقى الآلاف بدون سكن فى عالم النسيان.
إن بعضا من شباب المستوطنين الذين تم إجلاؤهم والمتعاطفين معهم، رفضوا أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، كما رفضوا المشاركة فى تدريب جنود الاحتياط السنوى.
يقول عوفر بن هامو، البالغ من العمر 32 عاما، والذى تم اجلاؤه من مستوطنة بدولاه المهدمة «هذه الدولة لم توجد من أجلى». وقد أدى بن هامو خدمته السنوية فى الاحتياط العسكرى لمدة أربعة أشهر قبل الانسحاب من غزة، «مثل الأبله» على حد قوله.
واليوم، وفى ظل الإدانات المستمرة التى يعبر عنها المستوطنون الذين تم اجلاؤهم، يبدو من الصعب أن أى حكومة إسرائيلية ستكرر فى الضفة الغربية سيناريو الإجلاء بالصورة التى تم بها فى غزة. لكن مع زيادة الضغط الدولى لإقامة دولة فلسطينية تتعمق المخاوف.
تقول أنيتا توكر المتحدثة باسم مستوطنى غزة السابقين، يمكن أن نتحدث بعدوانية لأننا أصحاب حق، لكن كم عددنا؟».
تعتقد توكر التى أسست أول مستوطنة فى جوش قطيف أن التحرك الجماهيرى لإسرائيليين هو ما يمكن أن يمنع تكرار انسحاب آخر فى الضفة الغربية، لكنها ليست متفائلة، وتقول إن هناك حالة كبيرة من الاستقطاب بشأن مصير المستوطنات.
فى الوقت نفسه هناك مستوطنون آخرون يراهنون على رفض الجنود الإسرائيليين إطاعة الأوامر الخاصة بإجلاء المستوطنين فى الضفة الغربية، لكن مع الانقسام الحادث فى حركة المستوطنين، ومع وجود ما يراه الإسرائيليون بأنه أخطار خارجية تهدد البلد، يرفض العديدون نهج الامتناع عن الامتثال لأوامر الإجلاء.
يقول إسرائيل هارل الرائد الفكرى لمشروع الاستيطان ومؤسس مجلس المستوطنين فى السبعينيات، والذى ساهم ابنه ايتاى فى بناء إحدى البؤر الاستيطانية، «فوق كل هذا إننا نتعامل مع كيان إسرائيل». ويضيف هارل «بمجرد أن يرفض الجنود تنفيذ الأوامر فهذه نهاية الدولة اليهودية».
خدمة نيويورك تايمز الإخبارية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.